هل العلمانية هي الطريق لبناء الدولة أم الدين :- بقلم ( كامل سلمان )

A rainbow flag is seen at the 2019 Governors Ball Festival at Randall's Island on June 01, 2019 in New York City. (Photo by Angela Weiss / AFP)

مستقبل العالم شيء مهم للجميع ومهم لأجيالنا القادمة وملامح هذا المستقبل يمكن رؤيته عندما نجلس بهدوء ونتدارس بعض ما يخص المستقبل ، والشيء الأهم في أفق المستقبل هو الصراع الأيديولوجي الدموي الحالي بين الإيمان والإلحاد كما يسميه المؤمنون او الصراع بين التخلف والعلم كما يسميه العلمانيون ، ملامح هذا الصراع واضحة عند الجميع فبالنسبة للأنظمة السياسية وأنظمة الحكم تكاد تكون في معظم دول العالم وخاصة الدول المتطورة هي انظمة مدنية علمانية بعيدة كل البعد عن الدين وعن الايدلوجيات ، ورجال الدين عاجزون في بناء منظومة ادارية للدولة ، والعلم وأقصد علم الإدارة والأقتصاد والسياسة والمحاسبة والزراعة وغيرها انفردت وحدها في ادارة الدول وهذا يعني ان الدين تنحى جانباً بشكل إجباري عن إدارة الدولة ولم يعد قادراً على التواصل مع المستجدات العلمية ، وتنحي الدين والإيمان عن الدولة لا يعني تنازله عن جميع الشؤون الأخرى للحياة ، فمازال الإيمان والدين يمثل العمود الفقري للترابط الاجتماعي في الكثير من الدول ، أمًا رجال الدين مازالوا في غفلة من هذا ، إذ يظنون هيمنة الدين على الترابط الاجتماعي بمعنى ان الدين يجب ان يقود الحياة ويقود الدولة . عدم التمييز بين الواقعين ( واقع المجتمع و واقع الدولة ) هو نقطة الضعف عند رجال الدين مما تسبب في سفك دماء الملايين فقط لتحقيق مصداقية تفكيرهم وهو أنهم قادرون على قيادة الدولة بنجاح بسبب نجاح شعبيتهم وسط الملايين من الناس .
الامر الآخر ، حركة الحياة ومصاعبها ومتاعبها ومسؤولياتها أجبرت الإنسان ان يبتعد عن الطقوس الدينية والارتباطات الروحانية بشكل كبير وهذه الفجوة تتوسع مع تقدم الزمن ففي الدول المتقدمة أصبحت واضحة جداً بانفصال الدين عن الحياة بعد انفصال الدين عن الدولة .
ظهور الجنس الثالث عند الجيل الجديد ( المتحولين والمثليين ) في معظم المجتمعات والمدعومين قانونياً عند الدول المتقدمة هي ضربة أخرى قوية توجه للأفكار الدينية ، نعم هذه التسمية اي الجنس الثالث التي يطلق عليها في تحد واضح للمفاهيم الدينية .
هيمنة قوانين الدولة بدلاً عن قوانين الدين في معظم دول العالم هو عزل آخر للدين ولرجالات الدين وتهميش لوجودهم وتأثيرهم فمثلاً إلغاء قوانين الزكاة والخمس ووضع قوانين الضرائب ، وإلغاء قوانين الحد وقانون قطع اليد وقانون الرجم والتعزير وغيرها من القوانين الدينية وتطبيق قوانين مدنية علمية تتناسب مع تطور الحياة .
هذه الامور التي ذكرناها وامور أخرى أعطت للعلم القيادة والهيمنة وابعدت الدين كلياً عن الحياة خاصة بعد التشوهات التي صاحبت المعتقد الديني بسبب دموية رجال الدين وأفراطهم في ظلم الناس في بعض المجتمعات .
العلمانية ليست تشريع وقوانين ، العلمانية مجرد فكر ومنهج يتناسب مع تطور عجلة الحياة ولكنها تعول على العلم في كل شيء ، عكس الدين فهو فكر وتشريع وقوانين وقيادة حياة . لذلك فأن معظم الديانات ادرك قادتها صعوبة موقفهم امام العلم والعلمانية فانسحبوا بعيداً عن الدولة وأكتفى رجالاتها بالتوعية الأخلاقية من داخل دور العبادة حفاظاً على دينهم وحفاظاً على ما تبقى من وشائج روحية مع الناس فنجحوا هذه المرة بوضع أنفسهم والدين في المكان الصحيح ، بل ان بعض منهم ناصر العلمانية عندما وجدوا ان الدين ورجال الدين يحصلون على حقوق وامتيازات أسوة بباقي شرائح المجتمع . اما في بعض المجتمعات الاخرى فمازال رجال الدين يجربون حظهم ولحد اللحظة الفشل يلاحقهم ولم يحققوا اي نجاح ، بل حولوا البلدان الى مكبات للنفايات واسواق للمخدرات وفساد مطلق وسرقات بوضح النهار ، على ماذا يراهن هؤلاء وهم ينظرون ما فعلت ايديهم بالناس ؟
هناك فرق كبير بين تدين الأفراد وهيمنة قوانين الدين ورجال الدين على المجتمع ، فأن تدين الأفراد هو التعامل مع الجانب الاخلاقي والروحي للدين وهذه الصفة لا تخضع لسلطة رجال الدين ، فهي حالة إيجابية لا تتعارض مع بناء الدولة وقوانين الدولة . اما هيمنة قوانين الدين ورجال الدين تخضع لحسابات ثابتة تتصادم في أكثر الأحيان مع العلم ، وكل شيء يصطدم بالعلم يفشل .
هذا الصراع بين الدين والعلمانية سينتقل للمستقبل وأصل الصراع افتعلته قوى الظلام الدينية بعد ان وجدت ان العلم يزحف الى عقول الناس ليزيح عنها تراكمات الماضي المتحجر فقامت قوى الظلام هذه بإهانة الدين من خلال السلوك الدموي بأسم الدين . مما أعطى فرصة كبيرة للعلمانية في التسيد على شؤون الحياة ، بذلك نستطيع البت بأن المستقبل تم حسمه ، ولا مجال للدين او أية أيدلوجية ان تفرض بالقوة على الناس وان حصل ذلك ستكون عاقبة الامور سيئة جداً كما هو الحال في المجتمعات التي تعاني من سلطة الدين او الايدلوجية .
ان فهم الواقع بشكل علمي دقيق وبدون اي تدخل عاطفي وبدون حشر الغيبيات يساعد الإنسان على رسم الحياة السهلة الناجحة للمستقبل ويبعد الإنسان عن التعقيدات التي تربك الفهم الصحيح لواقع الحياة ، وهذا هو المطلوب من كل إنسان عاقل يبغي النجاح له ولعائلته وللمجتمع .

4 Comments on “هل العلمانية هي الطريق لبناء الدولة أم الدين :- بقلم ( كامل سلمان )”

  1. السيد كامل سلمان المحترم
    تحية
    أحسنت اختيار الموضوع وأبدعت في التعبير عنه
    عاشت الأيادي
    محمد توفيق علي

  2. نحن بخير ما دام بيننا عظماء الفكر بل منظرين. كلامكم لا يحتاج إلى تعليق …نزيه في الكلام نزيه في كل شيء .ولا تقبل كلام جارح ..مهما من ماهيته؛ لكونك عالي الخلق وصاحب احترام للجميع..تقبل تحياتي

    1. الاخ خدر ، تحياتي وتقديري ، انت اكثر المتابعين حضوراً ومساهمة وهذا دليل وعيك و رقي افكارك ، محبتي

Comments are closed.