ليس نقداً للديمقراطية ، ولكنه تنكيلاً بمن قام بتحوير الديمقراطية وسلب ماهيتها ، يقال كان هناك رجلاً مدمناً للخمر يحتسي الخمر كل يوم وبعد احتسائه للخمر يتقيأ بما شرب وأكل فيجعل المنزل بحالة مزرية مقرفة ، فعملت زوجته على شراء وعاء كبير تضعه بجانبه اثناء جلوسه على الطاولة مع زجاجة الخمر لكي يستفرغ في الوعاء ما أكل وشرب بعد انتهاء سهرته ، فنجحت الفكرة وأصبح البيت من بعدها نظيف غير ملوث ، الناس الذين قاموا بتحوير الديمقراطية بعد استحواذهم على السلطة ، يبدو إنهم استفادوا كثيراً من هذه الفكرة ، فقاموا بتأسيس المواقع والصحف لتكون وعاءاً يستفرغ فيها الناس ما يتقيأون به من كلام ناقد ضد وجودهم بالسلطة وضد فسادهم ، بهذه الطريقة تخلصوا من غضب المثقفين المزعج وما يتجمع في اوعية الصحافة والمواقع يكون مصيره الى المزابل لا عين رأت ولا أذن سمعت ، و هذه هي الوسيلة التي من خلالها خلا لهم الجو ليفسدوا في الارض ويلوثوا أنفسهم والمجتمع عكس تلك المرأة التي حافظت على نظافة بيتها . هي ديمقراطية في شكلها اما الديمقراطية الحقيقة فهي صوت الشعب ولكن في هذه الديمقراطية المحورة صوت الشعب مرمي في المزابل ، الاشرار واصحاب العقول المريضة يستطيعون تحوير كل شيء حسن ويعطوه نفس الصورة والشكل من النسخة الاصلية ، يمكن تحوير الدين بما يخدم المصالح ، يمكن تحوير الإنسان وتحنيط عقله . هذه جمهورية الصين الشعبية تستطيع صناعة وتحوير اي جهاز صنعته عقول علماء الغرب وتطرحه في الاسواق بمعشار سعره الاصلي ليخدعوا الناس بأنهم أستطاعوا شراء وأقتناء ذلك الجهاز الذي اشتهر بأهميته وقوته وفعاليته ، ليكتشف المخدوعين لا حقاً بأن جهازهم الرخيص الثمن يجب التخلص منه ورميه في قمامات النفايات لعدم منفعته . نعم اليوم تجد الناس يريدون التخلص من هذه الديمقراطية المحورة ويرضوا بأي نظام دكتاتوري مقيت ، ولم يعودوا يثقوا بأية ديمقراطية مهما كان لونها وشكلها ، كل هذه التحويرات لم يكن لها وجود في السابق ولكن الان كل شيء قابل للتحوير وبشكل لا أخلاقي وخداع كبير ، وهذه واحدة من سلبيات تطور العقل البشري والمتضرر الوحيد البسطاء من الناس الذين يعجزون عن مجاراة عقول الاشرار ، فما ان يخرجوا من خديعة يقعوا بأختها أو أكبر منها . قلة الوعي هي العامل الوحيد الذي يؤدي الى تمرير الخداع في عقول الناس ، قلة الوعي تؤدي الى جعل الناس في تيه وفي حيرة من امرهم ، قلة الوعي هي اهم حلقة يعتمد عليها من قبل اصحاب التحوير ، وهي طريقتهم المثلى يستعينون بها و برجال أكفاء ورجال دين وفنانين واعلاميين وسياسين ورجال المال ليزقوها في عقول الناس ليتلفوا عقول الناس ويحجروها . فهي برمجة معدة مسبقاً في دهاليز الظلام مسنودة بأجهزة ذات عنف وقوة وارهاب . ما كان للديمقراطية الحقيقة التلاعب بها عند اصحابها الاصليين لأنهم وضعوا كل الضوابط والضمانات التي تسيرها وتديم نزاهتها فدرت عليهم الخيرات ويسرت لهم شؤون حياتهم . الغش والتحوير والخداع سمة العصر في كل شيء ولابد من رفع درجة الوعي عند الناس لينقذوا ارواحهم وارواح اجيالهم قبل فوات الاوان لأن الاشرار لا يتوقفون عند حد معين . المثقف هو ذلك الإنسان الذي يستطيع ايقاف دوران عجلة الاشرار بكلماته المؤثرة وبأفكاره الواضحة الصريحة التي تتحدث بلغة الواقع والا فهو ليس من الثقافة بشيء . في كل مجتمعات الدنيا يكون الرهان على المثقف الا في مجتمعنا فأن المثقف يركن الى السكون . نحن بحاجة الى الديمقراطية كحاجتنا للماء والخبز ولكن علينا ان نتأكد من صلاحيتها وفعاليتها ، ونحيطها بالضمانات كما فعل أصحابها الصانعين لها قبل ان تتحول علينا غمة كما حصل خلال العقود الماضية ، وهذه هي مهمتنا التي يجب القيام بها لننعم بطعمها ونتذوق حلاوتها ، ولا نندب حظنا على ما آلت اليه احوالنا فالحمل حملنا فأن لم نكن نحن اهلاً لها فليفعل بنا الاشرار ما يشاءون فلا لوم ولا تثريب عليهم .