ما أكثرَ الكتاب حينَ تَعُدُّهم ولكنهم في الكتابة قليل ، على كثرتهم وتكاثرهم لَمْ يأتوا إلَّا بما يُقم الدليل على أنَّ لا فرقَ بينَ الكتابة والبقالة ، تَصَفحُكَ لفضاءات الرأي تجد مرضا مزمنا وهو الإسهال الفكري المصاحب للإمساك عن القراءة لدى جمهور القرَّاء ، فالقاريء متعطش للمقال الجيد فهو كمن يشرب من البحر الذي يكتشف أنَّه زاده عطشا ، فأصبحت الكتابة كالسلعة زاد معروضها وقلَّ الطلب عليها ، ولعل أسباب عدم تلبية عالم الرأي لحاجة القاريء مِنَ الكثرة بمكان مما يجعل حصرها في موضوع واحد أمرا مملا ، لكن من أهم هذه الأسباب أنَّ مقالات فضاء الرأي تُنتَج وتُكتَب لتلبية حاجات الأقوياء في عالم السلطة والمال ، بعيداً عن تلبية حاجات المواطنين والقرَّاء . لكنْ! ، حتى كتابة هذه السطور فهذا الأمر لا يُحيرني لأنَّ العلاقة بين الحاكم والمحكوم تتطلب هكذا صحافة ، إنَّه اتجاه فكري تجمعتْ على أهميته وضرورته لَدَى النافذون في السلطة وعالم المال ، لكنْ! ، ما يُحيرني أيضاً هو رداءة الكاتب المُعَد لهذه المهمة ، فالمفروض أنْ يكون إعداد الكاتب كما إعداد البيارق العسكرية ، لكننا نرى العكس والمتمثل بالحرص على رداءة الكاتب كما أنَّ من الضرورة والمصلحة في إظهار رداءة الكاتب ورداءة كتاباته . هؤلاء الكُتاب لا يتدرجون في الكتابة ولا يكتسبون خبرة الكتابة ، إنَّهم كمثل طالب ابتدائية انتقل الى درجة الدكتوراة ، إنَّها محاولة لاستنبات أجنحة للحمير حتى تطير . إنَّه الكاتب الذي مكَّنوا له كل ما على الأرض من كتابة وجعلوا له سلطانا عليها ، وحقنوه بمصل القوة معللين النفس أنَّ الحقن بمصل القوة تجعل من الحمار حصانا ، إنَّه سخيف الكلام ، ضعيف الملكة مُتطفل على مُقدمات الكتاب ، وفي الجانب الآخر الكاتب الحر والذي يكتب بدمه ويتخذ من الكلمة سكينا ومن قطرات دمه مدادا ، يعيش من أجل أنْ يكتب ولا يكتب من أجل أنْ يعيش ، ولا ينطق إلَّا بما يراه حقا وحقيقة ، فإذا ما حاصرته قوى الظلام والترهيب حذا حذو ” فولتير ” ، “قد يُرغمني الأقوياء على أن أمنع نفسي من قول كل ما أنا مؤمن به لكن ما من قوة في مقدورها أنْ تُرغمني على قول ما أنا لستُ مؤمناً به”!.