بعد احتلال العراق واسقاط النظام الدكتاتوري طرحت العديد من الطلبات والمقترحات لتبديل العلم العراقي الذي صنعه النظام السابق وخط صدام حسين اسم الجلالة بيده وهو امر اثار الاستغراب الا ان تبعيته عرفها الداني والقاصي بان النظام ربط هذا المخطط بمخطط الحملة الايمانية الخادعة وكأن البلاد كانت ملحدة وخارجة عن نطاق الإسلام والشريعة وهي عملية تمويه وخداع لوعي الناس وادخالهم في نفق من الرياء وتحويل هذا الوعي الى فصل آخر من فصول السياسة التي اتبعها النظام السابق ويغيرها كتكتيك مرحلي لإنجاح سياسته منذ انقلاب 17 تموز 1968، وسوف يجد المرء أن هذه السياسة خطط لها وفق مراحل لكل مرحلة تكتيك لتحقيق الهدف الاستراتيجي، استمرت هذه السياسية حتى اسقاط النظام عام 2003 ، ونلاحظ ما يخص العلم العراقي فقد مر بعدد من التغيرات اخرها اضافة اسم الله ، اما قضية حرق القرآن فهي عملية استفزازية مرفوضة وقد مست مشاعر ملايين المسلمين، ومورست هذه العملية في العهد الجمهوري بعد ثورة 14 تموز 1958 حيث كان البعض الموجه لحرق القرآن من القوى الرجعية والقومية وفي مقدمتها حزب البعث بحرق القرآن وتهيأت الشهود المزورين لاتهام الشيوعيين والديمقراطيين وتقديمهم الى المحكمة العسكرية حيث صدرت الاحكام الثقيلة بحق العديد من الأبرياء من هذه التهمة.
ان العَلم عبارة عن رمز للدول او المجموعات البشرية يعبر عن تراثها الحضاري وما يميز الاحداث التاريخية وحتى البيئة والجغرافيا ، العراق منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921تبنى عَلم يرمز الى وحدة الأقطار التي انحلت عن الدولة العثمانية وأكدت حينذاك ” لجنة تدوين القانون أن يكون علم الدولة العراقية وشعارها وشاراتها وأوسمتها تعين بمقتضى قانون خاص**” ووضع مميزات أهمية المعاني التاريخية في الوانه الأربعة وهي ترمز الى
” 1 – اللون الأسود : تعتبر راية الرسول محمد ( ص ) وراية العرب في صدر الإسلام وراية العراق
2- اللون الأحمر: يرمز إلى راية العرب في الأندلس ..
3 – اللون الأخضر: يرمز إلى راية العلويين ..
4 – اللون الأبيض: يرمز إلى راية العرب في الشام ..
ثم أضيفت نجمتين سباعيتين ترمز الى ( 14 ) محافظة التي كان يتكون منـها العراق في ذلك الوقت ” وألوان هذا العلم وتصميمه مشابهة لتصميم علم الثورة العربية الكبرى التي قام بها الهاشميون على الحكم العثماني بداية القرن العشرين”
وتم تغير العلم اثناء قيام الاتحاد الهاشمي بين الأردن والعراق ونصت المادة السابعة من دستور الاتحاد ان يكون شكله “طوله ضعف عرضه ومقسم أفقياً إلى ثلاثة ألوان متساوية ومتوازية أعلاها الأسود فالأبيض فالأخضر يوضع عليها من ناحية السارية مثلث أحمر متساوي الأضلاع تكون قاعدته مساوية لعرض العلم”. ويكون الحق للدولتين الحفاظ على علميهما السابقين.
لم يبق هذا العلم بعد ثورة 14 تموز 1958 على وضعه، بل تم تغيره بعلم آخر حيث أعلنت الجمهورية العراقية هذه التغيير تماشى مع التغيرات التي طرأت على الوضع السياسي ووضع البلاد حيث اكد قانون علم الجمهورية على ان العلم الجديد يتألف من ” الألوان التالية ” اللون الابيض والأسود والاحمر والاخضر العاتق والاصفر ” واشير انها تتعلق بالأدوار التاريخية للعراق والأمة العربية وبنمط “يكون شكل العلم مستطيلا طوله ضعف عرضه ويقسم عموديا إلى ثلاثة مستطيلات متساوية أولها من جهة السارية الأسود فالأبيض فالأخضر ويتوسط المستطيل الأبيض النجم العربي (نجم ذو ثمانية رؤوس) لونه أحمر عاتك رمزا لثورة 14 تموز وتتوسط النجم دائرة ذات لون أصفر يحيط بها حزام أبيض” حيث فسر على أساس صدر الإسلام والرسول محمد ص والعلويين والعرب في الشام والاحمر العاتك لثورة 14 تموز وراية العرب في الاندلس والاصفر راية صلاح الدين الايوبي إضافة يمثل النجم الثماني الأحمر والدائرة الصفراء العرب والكرد”.
ان انقلاب 8 شباط 1963 الدموي عبارة عن ردة رجعية وكان عن مخطط لإغراق البلاد بالدماء والتراجع وقام بوضع علم جديد يختلف كل الاختلاف عن علم ثورة 14 تموز ، ففي 31 / تموز / 1963 وبعد الإعلان تشكيل اتحاد جديد بين مصر وسوريا والعراق فقد تم الاتفاق بعد تغير علم ثورة 14 تموز 1958اعتماد علم جديد بثلاث نجوم دلالة على اتحاد مصر وسوريا والعراق لكن لم يتسنى للاتحاد الاستمرار وباءت العملية بالفشل لأسباب لا نريد الخوض فيها، الا أن العراق ابقى النجوم الثلاث الخضراء للإعلان على رغبته في الاتحاد، وحوى العلم الجديد على خطوط افقية بلون احمر لإراقة الدماء والأبيض لأنقاء الأفعال والاخضر للزراعة والحقول والأسود للمعارك والحروب الا ان التطورات اللاحقة ولا سيما بعد الحروب مع ايران واحتلال الكويت والانسحاب والهزيمة فقد تم تعديل بأمر من صدام حسين في 13 / 1 / 1991 بإضافة كلمة الله بخط الرقعة ” الله واكبر ” بين النجوم الثلاثة ، لكن سقوط النظام والاحتلال بعد عام 2003 اعلن عن علم جديد في 16 / 1 / 2008 حيث تم إزالة النجوم الثلاثة وتغير ” الله اكبر ” من خط الرقعة الى الخط الكوفي وتعني الألوان الثلاثة الباقية ” حيث يُمثّل اللون الأحمر نضال الأمة وشجاعتها، بينما يُمثّل اللون الأبيض كرم العراقيين والمُستقبل العراقي المُنتظر، واللون الأسود يُعبّر عن التاريخ الإسلامي” وهي كليشات دعائية لم تثبت صحتها اثناء الحكم الجديد فمنذ البداية كان الصراع بين القوى المتنفذة حول العلم حتى تم الاتفاق على بقاء العلم ورفع النجوم الثلاثة وتغير اسم الجلالة من الرقعة الى الخط الكوفي وهو توافق ما بين الأحزاب والتنظيمات السياسية الدينة الشيعية وبين الحزب الإسلامي والكتل الأخرى، ومثلما اشرنا ان جميع المقترحات والمطالبات ولجان اختيار النماذج التي كانت في زمن وزير الثقافة مفيد الجزائري راحت ادراج الرياح وهو الدليل الأول على نية هذه الأحزاب على بقاء النموذج القديم مع تغيرات طفيفة وحتى بقاء الكثير من القوانين والقرارات التي أصدرها مجلس قيادة الثورة للنظام السابق، عندما نتناول موضوعة العلم القديمة الجديدة ليس الهدف التغاضي وتبرير حرق القرآن الكريم لأنه مساس بمشاعر ملايين المسلمين وعبارة عن فعل شنيع من الممكن ادانته قانونياً بدون التطرف بل قول الحقيقة المرة وبخاصة ما جرى للعلم العراقي الحالي من إهانة وما حدث لحرق القرآن مع العلم العراقي في السويد بتاريخ 20 / تموز / 2023 من قبل عراقي يدعى سلوان موميكا وكذلك الدنمارك هذه الحادثة والمفبركة وتحت موافقة المؤسسات الأمنية السويدية دفعت خروج آلاف المظاهرات والاحتجاجات والاستنكار الواسع لسبب
1 – حرق القرآن الكريم باعتباره كتاب ديني مقدس للمسلمين
2 – حرق العلم العراقي ( الاستنكار أضعف ) باعتباره يمثل الدولة العراقية.
ونرى يجب التفكير الجدي بالعودة الى النماذج التي في حوزة وزارة الاعلام من قبل لجنة تختارها الوزارة لتبديل العلم القديم بعلم جديد
هذه الجرائم المخالفة للعرف الإنساني والديني كانت بسماح الدولة السويدية لسلوان موميكا بدون مبرر، فكانت مثل ما اسلفنا المظاهرات والاحتجاجات ومنها مهاجمة السفار ة السويدية في بغداد وطرد السفير هي ردة فعل استغلت للتأثير على الجماهير المشحونة بالضد من الأوضاع السياسية وتحويل سخطها على ما يجري في العراق منذ 2003 وحتى وقتنا الراهن من مآسي ومظالم وهدر الحقوق والفساد الذي انتشر كالنار في الهشيم إضافة الى فقدان الأمان والبطالة والفقر، في النهاية نود ان نؤكد على ضرورة الحذر في ردة الفعل بالابتعاد عن التطرف لان هذه الاعمال الاستفزازية حرق القرآن او حرق العلم لن تكون الأخيرة وطالما هناك نوايا للاستفزاز وجر الاقدام فيجب الإيجابية بالعمل المثمر وكشف النوايا واتباع الحوار والطرق الدبلوماسية
** من أرشيف ( حول تغيير العلم العراقي القديم )