عشاق الحروب ومحبيها كثيرون ، والكثير بيننا تواقون لحياة السلاح والعدوان وصوت الرصاص وصوت المدفع ورائحة البارود ، وهذا هو السر وراء الاعداد الغفيرة من الناس وخاصة الشباب اللاهثون وراء الانضمام للمليشيات المسلحة لأنهم يجدون ضالتهم في هذه المليشيات أو تجمعات السلاح التي تجمعهم على وليمة الدم ، ولا خير في مليشيا لا تقاتل ولا تقتل ولا ترعب الناس ، ستجد نفسها كالمياه الراكدة مجرد بركة للحشرات والديدان . فهي خلقت لكي تقاتل وتقتل وتشفي صدور قوم حاقدين .
ماذا كسبنا من الحروب ؟ لو راجعنا العقود الخمسة الأخيرة لوجدناها عبارة عن سلسلة من المجازر والقتل لم تنحصر فعالياتها بين الاطراف المتقاتلة بل تعدت الى حياة المدنيين الابرياء العزل ، فخلفت هذه الحروب أمة عليلة ، الناس فيها أما معاقون جسدياً او معاقون عقلياً أو معاقون نفسياً ، طبيعة الاحزاب السياسية والمليشيات والافكار التي تقود المجتمع نحو الحروب لهي خير دليل لما نقول ، شبابنا مشروع جاهز للقتل ، مرة دفاعاً عن الوطن ومرة دفاعاً عن المذهب أو دفاعاً عن أي شيء حتى لو كان دفاعاً عن ناقة في الصحراء ، المهم يريدون حروباً ، سواء أكانت في العراق او في سوريا او في افغانستان أو أية بقعة في الارض وأما إذا تعسرت الحروب فسيفتعلون حروباً ضد أخوتهم الكورد أو في أقل الاحوال حروباً بينهم ، لأن درجة الهمجية في عقول الناس لا تمنحهم شرف البحث عن شيء جميل يجمل حياتهم وينقلهم الى مصاف الاحرار سوى الحروب . الحرب ثم الحرب ثم الحرب .
في قواميس الشعوب الحرب هي آخر الحلول ، أي أن الحرب تشن بعد أن تستنفذ كل الوسائل لأجل استرداد حق أو الحصول على امتيازات اضافية ، لكن في قواميس شعوبنا الحرب هي أول الحلول لتحقيق الاهداف ، ليس المهم كسب الحرب ولكن المهم وجود الحرب وأستمرارية الحرب ، وتداول انسيابية الجثث الى المقابر ، ليس المهم الوصول للأهداف لكن المهم المتعة التي تخلقها الحروب في سفك الدماء . لماذا ؟ تجاربنا التأريخية تقول بأن الحروب تعطي هيبة وسلطة للحاكم على شعبه وتعمر بيوت العبادة التي تزداد مع الحروب ، تجاربنا تقول أن الحروب تخلق التخلف في المجتمع وتدوس عقول الناس ، تخلق الفساد في المجتمع وترويضهم عليها ، تخلق الفقر والحرمان ، تخلق الحزن الدائم ودموع بلا انقطاع . كل هذه الأشياء يحتاجها حكامنا لديمومة سلطتهم ويحتاجها أوصياء حكامنا خلف الحدود ، لذلك لا تستغرب أن تجد للسيف مكانة خاصة في قلوب الناس ، فهو رمز للحرب والقتل ، وله مكانة مميزة في تراثنا ، واللون الاسود في حياتنا مثل الطماطة في طعامنا ، في كل مصيبة للسواد حضور ، فاللون الاسود موجود ومفضل في راياتنا ، وفي ملبسنا ، وفي جباهنا ، وفي قلوبنا . هذه هي الثقافة الموروثة منذ مئات السنين ولا يصح تغييرها طالما لم نفكر بالسمو والرقي والرفعة مثل باقي الشعوب .
نبحث عن الحرب ونشريها بالغالي والنفيس ، ليس لإننا مقاتلين أشداء كما يظن البعض منا ، لكننا معادن لينة مطاعة ، ونعاج مربوطة للذبح ، اعداد كبيرة من الجيش العراقي قاتلت إيران ببسالة في الحرب العراقية الإيرانية ، وعندما وقعوا بالاسر عادت إيران فجندتهم ليقاتلوا بنفس البسالة ولكن هذه المرة ضد بلدهم العراق ، هذه ليست نكتة ، هذه حقيقة تأريخية حدثت خلال الحرب العراقية الايرانية ، فمنهم من مات في الحرب ضد إيران وسمي شهيداً ومنهم من نجا من الموت ثم عاد ليموت وهو يحارب ضد بلده العراق ايضاً سمي شهيداً . مثل هؤلاء الناس إذا لم يجدوا من يسوقهم الى الحروب ستشتعل في أنفسهم الحروب لأن تركيبتهم خدمية وليست سيادية . فقد أخطأ من ظن بأن أصحاب التركيبة الخدمية العبودية سيصبحون أسياداً في يوم من الأيام .
بالمناسبة مفردة شهيد في واقع مجتمعاتنا تعني ضياع عائلة ، تعني زيادة تعداد الأيتام ، تعني كثرة الارامل والثكالى وإزدياد اعداد المتسولين والفقراء و تصاعد نسبة الفساد الاجتماعي ،و زيادة المشاكل والعقد والامراض النفسية واندثار كرامة عائلة بفقد وليها ، هذا هو معنى شهيد ، هذا ما شاهدناه بأم أعيننا ، أما من يقول أن الشهيد تطهير للأرض وغسل السماء وبعث حياة للأمة والحفاظ على كرامتها وعرس للملائكة فقد كذب على نفسه وعلى الناس . أسألوا عوائل الشهداء ان كنتم لا تعلمون .