ليست له حرية للفكر لا في داخل العائلة ولا في داخل المدرسة ولا في داخل الحكومة ولا في داخل المسجد ولا في أي مكان ، وخاصة إذا كانت تلك الحرية تتعارض مع موروثات المجتمع والواقع ، لم يتربى على حرية الفكر ولم يذق طعمها وهو يتحدث بحرية الفكر ، كيف سيتحدث بشيء لم يعرفه وكيف سيعرف قيمة شيء لم يعرفه ؟ أليس هذا هو واقع حالنا ؟ حرية الفكر بالنسبة لي أنا أفكر بما أريد أن أفكر وأرفض من يمتعض من تفكيري ويعاديني بمجرد أن تفكيري يختلف عن تفكير الاخرين ، أنا لا أجبر الآخرين أن يتماشوا مع تفكيري ولكنهم مثلما لا ينزلون عند تفكيري لا ينبغي لهم معاداة تفكيري ، هذه هي نقطة التقاطع بين حرية الفكر والمجتمع . أنا إنسان أعيش نفس التجارب التي يعيشها الآخرون ولكن استيعابي للتجارب ستختلف عن الآخرين وهذا الاختلاف إذا تجسد في الواقع أصبحت حرية الفكر ملموسة ولكن من سيسمح لنا ذلك ؟ كل منا ينظر الى سقوط الثمار من الاشجار ويستوعبها بتفكيره ، قد أنا أفسرها ضعف الاغصان وغيري يفسرها نضوج الثمر ، ولكن شخص مثل نيوتن على سبيل المثال فهمها واستوعبها بشكل آخر ، ففسرها وجود قوة جذب في الارض أدت الى سقوط الثمرة فكانت ثمرة أفكاره قانون الجاذبية ، هل نستطيع ان ندرك بأن الجميع عاش تجربة سقوط التفاحة من الشجرة بنفس المستوى من التفكير ، طبعاً لا وإلا لما خرج من بيننا نيوتن ليقول بأن الجاذبية وراء سقوط التفاحة من الشجرة ولولا أن نيوتن يمتلك حرية الفكر لكتم ما كان يفكر به ، ولو كان نيوتن بأعتقاده هذا مخالف للدين في زمانه لتعرض للقتل مثلما تعرض قبله غاليلو الذي تحدث عن حركة الارض وكروية الارض فعاقبته الكنيسة عقاباً سماوياً لتجرأه على المعتقد الديني ، لكن من حسن حظ نيوتن أنه كان بعيداً عن تأثير الكنيسة ، هذه الحالة دفعت العقلاء في بعض المجتمعات الانتباه الى أهمية حرية الفكر في خلق الابداع رغم إن العقلاء يعلمون تماماً بأن حرية الفكر ليست دائماً تولد معها الابداع ، قد تولد معها أفكار منحرفة وشاذة الا أن النتيجة النهاية ستكون لصالح المجتمع ، فلكل طيب نسبة من الخبث ، فعمدت إرادة العقلاء على عزل جميع المعوقات والممانعات التي تقف مصداً لحرية الفكر فكان قرار عزل الدين عن حركة الحياة اول قرار جريء لتحرير الفكر لأن الجميع على قناعة بأن الدين رغم اهميته الاجتماعية والنفسية والروحية والتأريخية فأنه يقتل حرية الفكر ، وليس المقصود هنا التعاليم الدينية ولكن المقصود بمن يحمل التعاليم الدينية ويريد تطبيقها ولا يسمح لأية أفكار أخرى تنافسه ، فكانت النتائج مبهرة ، تولدت بها مجتمعات لها درجة عالية من الرقي والتقدم . فما بالنا نحن ؟ نحن كبقية المجتمعات نفكر ونعمل ولنا افكارنا واعتزازنا بما نفكر ، وإذا خرج من بيننا من يفكر غير تفكيرنا سنصوب عليه سهامنا وسنمقته لأنه جاء بما لم يأتي به آبائنا الاولين ، انا اليوم اقرأ القرآن كما يقرأه رجال الدين ، ولكني لو فهمت احدى النصوص القرآنية بشكل مخالف لما هو وارد عند رجال الدين او عند السلف الصالح سأدخل بالمحظور رغم أنني لم ابتعد عن الدين ولكن حدود حريتي الفكرية تنتهي عندما تتعارض افكاري مع الموجود المطروح من أفكار لمن سبقونا بالإيمان حتى ولو كان من صلب الدين . فما هو حالي لو خرجت عن الدين ؟ هنا سأتحسس بالحاجة الى حرية الفكر لأنني واثق بما توصلت إليه من فهم للنصوص القرآنية التي تخالف الرأي الموجود في الكتب المتداولة ، ولكن ماقيمة ثقتي بما أرى وبما أقتنع . كم من إنسان مثلي كتم هذا الإحساس بل وقتل تفكيره بداخله فقط كي لا يعرض نفسه للإزدراء والتنكيل . المثقف هو أكثر الناس معاناة لأنه أكثرهم إحساساً بأهمية حرية الفكر ولأنه يجد نفسه يمتلك عالماً بداخله لا يشبه العالم الذي يعيشه المجتمع . فهو يحاول ايصال افكاره على خوف ومراعاة للجهل والتخلف ، نعم المثقف أكثر الناس مراعاة للجهل لعله مع هذه المراعاة يصل الى العقول المتحجرة ويحركها قليلاً .
ظاهرتي الخوف والتخويف من أكثر الظواهر التي تهدد حرية الفكر عند الإنسان ، الخوف يصنعه ذات الإنسان لنفسه بسبب عوامل التربية والموروث ، أما التخويف يصنعه الآخرون لذات الإنسان مستغلين فيه الخوف المزروع بداخله ، وللأسف الشديد نحن نعيش واقعاً اجتماعياً تمتزج فيه الظاهرتان في حياة الإنسان ، فالإنسان عندنا يعيش ويموت خائفاً يترقب والتخويف يطارده حتى في منامه ، لذلك تجد مجتمعنا يكثر فيه الكلام بأهمية حفظ اللسان وقلة الكلام والابتعاد عن الشر وتجنب الخوض والجلوس مع يختلف معنا ، كل ذلك بسبب الخوف ، ، تنوع الافكار ظاهرة صحية في المجتمعات الحية ولكنها بنفس الوقت ظاهرة شاذة في المجتمعات الميتة لأن تنوع الافكار في المجتمعات الحية سبب للرقي وتنوع الافكار في المجتمعات الميتة سبب للصراعات ، تنوع الافكار في المجتمعات الحية أنتجت الديمقراطية وفي المجتمعات الميتة أنتجت الإبادات الجماعية ، وانتجت التغيرات الديموغرافية ، لماذا هذا الاختلاف بين هذه المجتمعات وتلك ؟ السبب عدم وجود ما يسمى حرية الفكر في عقلية المجتمعات الميتة .