العملية التي ستعطي زخما لمسرحيات أردوغان، والتوسع في جرائمه بحق شعب غرب كوردستان، بعدما فشل في المحاولة السادسة من ضمن سلسلة مؤامراته ضد الكورد، وما سينتج عنها من ردود فعل، ستكون من إخراج أجهزته الأمنية، الميت التركي، وبإشراف منه وتخطيط وزير خارجيته (هاقان فيدان) الذي هدد في تصريح له بقصف المنشآت الحيوية في منطقة الإدارة الذاتية، بعدما أتهمها بأن منفذي الهجوم قدموا من سوريا، شاركهم فيها وزير الداخلية المسؤول عن الأجهزة الأمنية (علي ييرلي قايا). مع نفي قاطع من قائد قوات قسد الجنرال (مظلوم عبدي) كما ونفى حزب العمال الكوردستاني، يوم الخميس، مزاعم تركيا هذه.
وهي عملية لا تختلف عن عملية زرع العبوة الناسفة في أحد شوارع إستانبول، في تشرين الثاني عام 2022م، والتي كانت قد حبكت بدقة مخابراتية، تم حينها إتهام العمال الكوردستاني، نفاها الحزب، وقيادة الإدارة الذاتية أيضاً، بعكس هذه المرة والتي على الأرجح تم فيها إما خداع المنظمة بخدعة ما لتبنيها، أو أن الحزب أصبح على قناعة بعدم تمكن أية قوة التأثير عليه، خاصة ولهم طرف سياسي موالي متحالف مع أمريكا، إلى جانب تحالفات أخرى؛ بعضها على النقيض من هذه، والحزب يدرك أن الإدارة الذاتية ستكون الأكثر استهدافا وتضرراً من قبل الحكومة التركية، المعروفة بجرائمها، علما أن أردوغان بهذه العملية الانتحارية أو غيرها من الحجج، سيقدم على التصعيد بعد فشله في المرة السادسة على جلب القوى الإقليمية لمحاربة الكورد من خلال الإدارة الذاتية.
نوعية العمليتين لا تمتان إلى أساليب النضال التحرري (أقصد هنا وبالتحديد، عمليات الانتحار، أو التي تستهدف المدنيين، وليس محاربة النظام ومؤسساته والعمق الاقتصادي التركي وضمن المدن) بل هي من سمات المنظمات الإرهابية، التكفيرية بالتحديد، الأولى أي المنفية والتي تم استهداف المدنيين، ولا يمكن لعاقل الشك بأنه كان من تدبير المخابرات التركية وبامتياز، والثانية في عملية الانتحار المؤلمة. ففي تاريخ جميع المنظمات التحررية، وخاصة القومية، تم تجريم (العمليات الانتحارية) حتى ولو أنها هنا كانت موجهة ضد مؤسسة مخابراتية، لكن خسارة شابين شهيدين مع ضحالة المخطط، رغم نجاحهم من اجتياز الحواجز الأمنية، ودخول المنطقة المحظورة وفي فترة تجمعت فيها قادة السلطتين التشريعية والتنفيذية، لن تمكن الحزب من خلق زخم إعلامي لصالحها بقدر ما سيستفيد منها النظام الأردوغاني المجرم، ونأمل ألا تكون مضارها كارثية على لإدارة الذاتية في قادم الأيام.
حددت الفترة والمكان بتنسيق دقيق، لا يستبعد أن تكون لأجهزة المخابرات دور في التحايل لحدوثها، مثل هذه الألاعيب ليست بغريبة على أجهزة الأمن العالمية، تمت بحيث تكون لها تغطية إعلامية بسبب حساسية المنطقة، وتعطي أردوغان المبررات الكافية لإقناع الدول الكبرى وخاصة المتحالفة مع القضية الكوردية، على أن أمن تركيا معرض للخطر ما دامت الإدارة الذاتية وقوات قسد موجودة، وهو ما قاله (هاقان فيدان) إلى جانب مطالبته الطرف الثالث بعدم التدخل، وعني بذلك دول التحالف في غرب كوردستان وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية.
وتأكيداً على هذه أعلنت السلطة التركية مباشرة على إطلاق 466 عملية أمنية ضد الكورد في 18 ولاية، أشترك فيها 14 ألف عنصر أمني، وكثفت قصفها على مناطق الإدارة الذاتية والإقليم الفيدرالي الكوردستاني، وصرح المسؤولون الأمنيون أن العملية مبنية على متابعة وتحريات سابقة استمرت 10 أشهر رصدت فيها استخباراتهم المشتبه بهم في العراق وسوريا والداخل التركي. وهذه تبين على إنه لا يستبعد تلاعب ما للمخابرات التركية في العملية، وبأمر من حكومة أردوغان، كرسالة للدول الكبرى والإقليمية، وإلا فلا يمكن أن يتم مثل هذه التجهيزات الضخمة على خلفية عملية انتحارية كهذه.
التضحية بشابين مناضلين بريئين، مضارها كارثية، مع شكوك في أمر الغاية، خاصة وأنها ستسهل لأردوغان فتح الأبواب على عدة قضايا، لتحقيق عدة غايات:
1- إقناع الدول الكبرى، أمريكا وروسيا، السماح له بالتدخل العسكري لاحتلال الجغرافية المتبقية من غرب كوردستان، والطعن في محاولات بغداد الطلب من هيئة الأمم بإقناع تركيا لإزالة معسكراتها من شمال مناطق الإقليم الكوردستاني والتي هي جزء من العراق في القوانين الدولية، تحت حجة حماية أمنها الوطني من الإرهاب الخارجي.
2- الغاية الثانية والمهمة لحزبه، هي الحصول على موافقة البرلمان لتعديل الدستور التركي، والمتوقع أن يعيد المنهجية العثمانية في متنها، ويقضي على السمات الكمالية فيها، وعلى الأغلب سيتعرض إلى الحقوق القومية الكوردية، في حدودها الدنيا، وسيسمح بتشكيل أحزاب كوردية شرط ألا تطالب بما هو أكثر من المدرج ضمن الدستور، ومن على متن هذه الاحتمالية سيستمر ليس فقط في محاولة القضاء على العمال الكوردستاني. وكل حراك كوردي-كوردستاني يطالب بالحقوق القومية الأوسع.
3- تصعيد قصف مناطق الإدارة الذاتية، وخاصة منشآتها التحتية، ليفاقم من مصاعب الحياة اليومية، ليكره الشعب بسلطة الإدارة الذاتية ويدفع بهم إلى الهجرة.
3- ترهيب المعارضة السورية المعترضة على العودة إلى عفرين وكري سبي وسري كانيه، في الوقت الذي لا زالت فيها محاولات التطبيع مع نظام بشار الأسد مستمرة خلف الكواليس.
4- رسالة للدول المطالبة بتحديد زمن خروجها من سوريا، وفي مقدمتهم روسيا عن طريق سلطة بشار الأسد، على إنها لن تنسحب ما دام أمنها القومي مهدد.
تم الحديث في هذه القضايا وربطهم بالانفجار مباشرة في الكلمة التي ألقاها أردوغان أمام البرلمان التركي، والتي تزامنت مع الحادثة مباشرة (الافتتاح العام التشريعي الثاني للدورة الـ 28 للبرلمان التركي) والتي تبينت ومن صياغة الكلمة بأنها كانت قد كتبت لتتلاءم والانفجار.
مهما تصاعدت تصريحات أردوغان وهاقان فيدان، ستظل مصالح الدول الكبرى على الأقل أمريكا وأوروبا هي المرجحة، وقد يكون لهم رؤيتهم في خلفيات العملية، وأسبابها ومن يقف ورائها رغم بيان العمال الكوردستاني، وأكثر ما يمكن أن يحصلوا عليه، ربما صمتهم كما تمت في المرات السابقة تماشيا مع مصالحهم مع تركيا، علما إنهما حصلا على تنديد سريع من قبل وزير خارجية أمريكا (أنتوني بلينكن) للعملية. والتي هي في الواقع العملي عملية بسيطة مقارنة بالعمليات الانتحارية، والضجة الإعلامية التي ستثيرها تركيا، وربطها بالقضايا الهادفة إليها.
ومن المتوقع، وفي حال فشلت تركيا في تسخير هذه المحاولة لصالحها كغيرها من المرات السابقة، أن يقدم أردوغان في المرة القادمة على قتل العديد من الأبرياء المدنيين، دعمه لجرائم داعش سابقا ومشاكل دير الزور قبل شهر تعكس هذه الحقيقة، خاصة وأن غايته الرئيسة، هي الحصول على موافقة الدول الكبرى بالهجوم على الإدارة الذاتية وقوات قسد. تتبين هذه من نص كلمته الأخيرة والتي قال فيها وبشكل سافر ” أن قوات بلاده ستواصل الكفاح بكل عزيمة إلى حين القضاء على آخر إرهابي في الداخل أو الخارج.
وإن بلاده تريد القضاء على وجود تنظيم (بي كي كي) خارج حدودها أيضا”.
وفي الواقع القضية ليست محصورة في العمال الكوردستاني، التي تبنت أحدى فصائلها العملية، بل في القضية الكوردية، ولولا ذلك لما أشترك مع نظام أئمة ولاية الفقيه في تهديد الإقليم الفيدرالي الكوردستاني بين فينة وأخرى، وعلى أنه بإمكانه القضاء على الإقليم بحصارها اقتصاديا وسياسيا، وهذه تفضح قسم واسع من العمال الكوردستاني.
جميع محاولات النظامين، التركي والإيراني، الدبلوماسية والسياسية مع الدول الكبرى أو الإقليمية، وخاصة مع سوريا والعراق المحتلتين أراضيهما، تركز على إشكالية الأمن القومي، والحد من الإرهاب الخارجي، ويعنون بها الكورد بشكل غير مباشر، وتركيا هنا تحددها تحت غطاء خطر الإدارة الذاتية والـ ب ي د وارتباطه بالعمال الكوردستاني. هذا هو البند الرئيس الذي لم يغب من ضمن حوارات أردوغان، وتصريحاته وخطبه، وطلباته من أمريكا وروسيا، وفي السنوات الأخيرة أصبح يعمل بكل إمكانياته للحصول على موافقتهم باحتلال غرب كوردستان، واستمرارية احتلال جغرافية الإقليم الفيدرالي الكوردستاني.
هؤلاء الذين يتنعمون بدمار سوريا، أردوغان وملالي ولاية الفقيه، وأدواتهما، ونظام بوتين، يسخرون كل طاقات أجهزتهم الأمنية بتناسق مع الحراك الدبلوماسي، لتنفيذ مؤامرة بعد أخرى، كل حسب مصالحه، تجمعهم غايتين، محاربة القضية الكوردية ومكتسباتهم، تحت حجة محاربة الإدارة الذاتية وقوات قسد، وضرب نجاحات الإقليم الفيدرالي الكوردستاني، تحت حجة محاربة معارضة شرق كوردستان، ومحاولة إخراج أمريكا من المنطقة الكوردية. في الوقت الذي تظل فيه أمريكا على صمتها، ما دامت مصالحها دون مستوى التأثير، والشعب الكوردي، ومعهم السوري والعراقي يدفعون ثمن صمتها أمام جرائم هذين النظامين، ومؤامراتهم.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
1/10/2023م