لقد سمعنا عن الإنسان الخارق نظراً لقدراته الخارقة وسمعنا عن الإنسان الآلي الذي صنعته العقول العلمية وسمعنا عن الإنسان العالم الذي له نتاج علمي مميز وسمعنا عن الإنسان الواطىء السافل نظراً لسفالته وغيرهم … ودائماً ما يظهر إنسان هنا وهناك يحمل صفات نادرة من عقل نادر او مهارة نادرة أو قدرة أو قوة نادرة أو صفة سيئة نادرة فتكون له كنية أو لقب يتناسب مع الصفة التي يحملها ، فعندما نقول عنترة أبن شداد سرعان ما تحضر في أذهاننا صفة القوة والشجاعة وعندما نقول إينشتاين سرعان ما تحضر في أذهاننا صفة العقلية العلمية النادرة ، وعندما نقول المتنبي سرعان ما تحضر في أذهاننا الأدب الراقي وعندما نقول فرعون تحضر في أذهاننا الظلم والجبروت ، ولكن ماهي الصفة التي أرتبطت ببعض الناس لينالوا لقب المقدس ؟
لا يوجد إنسان يدعي إنه مقدس إلا الدجال أو المشعوذ ، أما من نالوا لقب المقدس التي جاءتهم عن طريق أناس آخرين ، فمن هو الذي أمتلك التخويل ليعطي لغيره صفة المقدس ؟ إلا اللهم من لهم غايات وأهداف شيطانية كبيرة ، ، الدجال أو المشعوذ أو غيرهم يمكنهم إدعاء ما يريدون إدعاءه وهذا شأن خاص بهم ، ولكن المشكلة تكمن بتصديق طيف واسع من الناس لهذا الإدعاء المخالف للعقل والمنطق ، الإنسان وكل إنسان له مراحل حياتية معروفة وواضحة علمياً تبدأ من مرحلة الطفولة التي يكون فيها بحاجة إلى الرعاية والأهتمام ثم تبدأ مرحلة المراهقة والشباب وهي مرحلة البناء ثم مرحلة الكهولة ثم الشيخوخة ، وكل مرحلة تكون فيها نواقص ومنغصات وهموم وآلام وسلبيات وإيجابيات ، فمهما صال وجال فهو في الأخير إنسان من دم ولحم يشعر بالبرد عند برودة الجو ويشعر بالحر والتعرق عند حرارة الجو وهو يتأثر بالجوع والعطش والحزن والفرح فهو إنسان في كل الأحوال ملاكه النقص ، فلا أدري في أية مرحلة يصبح مقدس ؟ فإذا كانت القدسية تظهر في مرحلة الشيخوخة فالكل يعلم ان مرحلة الشيخوخة هي أشبه ما تكون بمرحلة الطفولة يحتاج فيها الإنسان إلى الرعاية والأهتمام كحاجة الطفل للأهتمام ، فهل من المعقول أن يكون من هو بحاجة إلى رعاية الآخرين يكون مقدساً عليهم ؟ أية قدسية هذه ؟ هو إنسان كله عيوب ومشاكل ، هو مجرد حيوان عاقل . من أين تأتيه القدسية ؟ الجميل في الأمر منهم من ينال القدسية وهو لم يعمل ويجهد بحياته ساعة واحدة ولم يكلف نفسه عناء التعب ، بمعنى هو من الأساس غير صالح أن يكون إنسان طبيعي مثل بقية البشر ، فهو أساساً دون مستوى البشر في عطاءه ، هو مجرد إنسان يداه ناعمتان كالحرير لم تلمس الأرض ولا الزرع ولا الفأس ولا حتى القلم ، لأن الإنسان الطبيعي هو الذي يعمل ويتزوج وينجب الأطفال ويعاني ويواجه مصاعب الحياة ويبني وينافس ويراعي الآخرين ثم الآخرون يراعونه . والله لا أفهم كيف يستطيع بعض الناس تقبل فكرة أن إنساناً مثلهم مقدساً عليهم وهم يعلمون علم اليقين و في قرارة أنفسهم كم من العيوب تصاحب وجود هذا الكائن في الحياة منذ اليوم الأول لولادته حتى مماته ، أما إذا أصبح مقدساً في مرحلة الشباب أو الكهولة ثم يفقد القدسية في مراحل لاحقة من حياته ، بمعنى أن قدسيته تصبح ( إكسباير) يعني منتهية الصلاحية في مرحلة زمنية ثانية.. ألا ترون بأن هذه المفردة ( المقدس ) مجرد هذيان عديمة المعنى ؟ رغم ذلك فمازلت أنا أتساءل عن المعنى الدقيق لمفهوم المقدس ؟ هل المقصود هو صاحب الكمال المطلق ؟ هل هو الإنسان الذي لا يخطىء ؟ هل هو صاحب العلم المطلق ؟ هل هو شيء مختلف عن البشر ؟ لا أدري من هو ؟ . أنا لا ألوم القوي الظالم ذو البأس الشديد الذي يزرع الخوف في قلوب الناس أن يكون مقدساً عليهم بسبب خشية الناس منه ، ولكن أيضاً هذه القدسية تفقد بريقها وتسقط مع زوال بطشه وظلمه .
من الممكن أنا أحب إنساناً أو أعشقه وأجعله في مخيلتي مقدساً ، قد أكون مخطئاً مخدوعاً به أو قد أكون مصيباً ، فأنا من أحب ذلك الإنسان وأنا من يتحمل وزر هذا الحب المفرط ، فهو مقدس بالنسبة لي فقط ، فما العذر الذي يدفعني لأجعل الناس مثلي يحبون ذلك الإنسان ويقدسونه ؟ فهل من الإنصاف أخدع الناس به أو أجبرهم على ذلك ؟ هذا تجني على الناس وتسفيه لعقولهم لأن المنطق العلمي والاخلاقي والديني يعطي فوارق بسيطة بين الناس ، وأي إنسان تسمو عنده صفات معينة تنتقص منه صفات أخرى من جانب آخر لأن الإنسان كائن متعدد الجوانب ، فمن المستحيل أن تكتمل عنده جميع الجوانب الحياتية ، وهذه طبيعة البشر ، فأن فاتني ذلك فالناس ليسوا كلهم مثلي ينظرون لجانب واحد . بالأمكان أن أتخيل الناس مثلي عندما أصل مرحلة الجهل المطلق ، من هنا يتوضح لنا أن القدسية تأتي من أحدى الطرق الثلاث ، المستفيدين أصحاب الغايات الخاصة أو الجهلاء الذين يأخذون دور الحشرات في نقل الجراثيم فهم ينقلون المعلومة أو يروجونها بشكل مبالغ فيه أو الخائفون . والحالة الثالثة هي الأهم وهي أصل العلة ( الخائفون ) نعم لا تكتمل مشاريع القدسية بدون وجود الخوف ، فالخوف هو العامل الأساس وهو بيت الداء . الخوف من المقدس أما إنه يأتي عن طريق العنف أو عن طريق قدرة المقدس الغيبية في تدمير حياة من لا ينزل عند طاعته وتقديسه ، المقدس الذي لا يزرع الخوف في قلوب الناس مقدس فارغ فاشل مفلس عديم القيمة سرعان ما ينتهي مفعوله بل ويفقد مصداقيته . السر كله في الخوف . حاولت تكراراً أن أجد مقدساً واحداً من الأحياء أو الأموات قدسيته تخلو من زرع الخوف في قلوب الناس أو يستطيع أحد المؤمنين به أن لا يخاف من كرامته المزيفة ولا يخاف حين مخالفته ولا يخاف الطعن به ، فلم أجد إلا الخوف . لذلك عمل المروجون للمقدس على طول التأريخ جهد ما يستطيعون عمله هو زراعة الخوف في قلوب الناس عند مخالفتهم للمقدس وعدم طاعته ، وأن من يخالف المقدس ستعصف به المصائب والنكبات حتى ولو بعد حين ، لذلك يختلقون الأقاويل والروايات الخيالية عن المقدس لأن وجودهم ومصيرهم مرتبط بوجود هذا المقدس ، هكذا تدار عقول القطيع . فلا يوجد قطيع بدون وجود رمز مقدس .
التقديس هي من الصناعات القديمه للانسان الشرق اوسطي وتطورت بتطور التعليم حيث اصبحت تدرس وتعلم وتلقن الفرد الشرقي من نعومه اظافره من خلال مؤسسات الدوله الرسميه.. حيث أن الدوله تحث وتبني من المدارس والكليات لتدريس وتخريج أناس مختصين لتعليم القطيع بهذه الخرافه (التقديس) والكل من البدايه والنهايه تصب خيراتها ومنافعها في مصلحه السلاطين وديمومتهم..لان التقديس هو السلاح الوحيدالذي يتمكن السلطان الوقوف وبحزم أمام الجمهور المنادي للحريه والعيش الكريم..والذي لم يطع ما يأمر به السلطان فهو مخالف ومرتد،،،،،وجزاء المرتد مجرد؟؟؟؟ باقه ورد جوري..مع تحياتي لجنابكم الكريم استاذ الكتابه وتحرير العقل كامل سلمان….
السيد خدر
شكراً أخي العزيز لإضافاتك القيمة ، وشكراً لتقييمك الجميل للمقال ، وشكراً لكل حرف تسطره لرفع الوعي عند الناس من خلال طرح الحقائق بكل جرأة ، تحياتي ومحبتي