كم حادثة مرت علينا أثبتت بأن الثقافة والأخلاق غير مرتبطة بالتحصيل العلمي أو التحصيل الأكاديمي ، كم معمم أمتلئت عمامته بالشهوات والموبقات ، كم طبيب استدرج مرضاه للرذيلة ، كم من تاجر تاجر بحياة الناس ومصيرهم ، فالواقع يخبرنا بأن الثقافة والأخلاق ثمرة عائلية أولاً وجهاد ذاتي يقوم به الإنسان في بناء نفسه على أسس صحيحة ، ما فعله عميد جامعة البصرة من تصرف شاذ بحق بعض الطالبات كما نقلته وسائل الإعلام لم يك شيئاً غريباً لأن شهاداته العلمية أعطته المهنية التي يسترزق منها إضافة إلى المكانة الأجتماعية لكنها لم تعطيه الأخلاق والثقافة ، فهذه تحصيلها لا تؤخذ لا من الجامعات ولا من ارقى المؤسسات العلمية ، بل تؤخذ من البيوت التي تعرف الطريق لتربية الأبناء ، تؤخذ من البناء الصحيح لشخصية الإنسان ، تؤخذ من الوسط الذي يتربى به الإنسان ، المشكلة في مجتمعاتنا إنها تنظر إلى العمامة والشهادة والمنصب والمال فتظنها بأنها تحمل في طياتها القيم الأخلاقية والمثل العليا والثقافة ، وكان هذا التصور الساذج سبباً كافياً لتدهور حالة مجتمعاتنا ، الصورة الخارجية للإنسان لا تمثل جوهره ولا تمثل سريرته ، لأن مثل هذه الشكليات أعطت للإشرار مبرراً واسعاً لممارسة قذارتهم على غفلة من المجتمع ، فالشرير الفاسد كل ما يحتاجه أن يأتي بشهادة أي كان مصدرها شرعي او غير شرعي ليتغطى بها ومن ثم يفجر طاقاته السيئة الكامنة من تحت ليعكسها ضد الأبرياء والمتوهمين بان هذا الأستاذ مثال يقتدى به ، فهو غطاء مقبول ومحبب أمام المجتمع أو ذاك الذي يلبس العمامة بعد جهد محدود في إحدى المدارس الدينية ليكون له غطاءاً شرعياً للسرقة والفساد . مسكين هذا المجتمع الذي يتم خداعه بهذه الشكليات ، الفاسدون يعرفون هذه المداخل لعقول الناس بينما عامة الناس يجهلون هذه الحقائق ، لذلك لا نستغرب عند مجيء رجالات الحكم الجديد بعد سقوط النظام السابق ، كانوا جميعاً يحملون لقب دكتور أو سماحة الشيخ أو مولانا السيد ، فهم قد فهموا المجتمع الذي مازال لم يفهم نفسه . ولكن عندما تتكشف جزئيات من كارثة الفساد عند هذا الدكتور أو الأستاذ أو المعمم أو السياسي يسارع الجميع لفضحه والنيل منه ليظهروه لنا عار على الأمة ويظهروا لنا نزاهتهم وتبرئهم من هذا العمل المشين لكيلا تنكشف عوراتهم ، فيصبحون دعاة للخير ممتعضين من السلوك المنحرف وتزداد قسوتهم عليه لإنه أنكشف أمام الملأ و أنفضحت سريرته. لو كان هؤلاء يعرفون معنى قيمة وحقوق الإنسان لما فضحوه بل يتركونه للقضاء العادل لينال جزاءه ، فهذه قضية لا تخص الحكومة ولا المؤسسات الرسمية أو الإعلامية فهي قضية مرتبطة بالقضاء حصراً ، ولكن كما يقول المثل العراقي المعروف ( الذي بعبه العنز يمعمع ) بمعنى الذي يمتلك نفس المواصفات السيئة يصرخ لكي لا تظهر حقيقته المخفية . هذا العميد الجامعي هو إنسان فاسد أو مواطن غير نزيه مهما كانت مكانته فهو ليس ملاك يرتكب الخطأ فهو بشر كأي مواطن آخر ، هناك قضاء وقوانين تسري على الجميع حسب الأصول ، أما التشهير فهو دليل الجهل ودليل التغطية لأفعال سيئة يمتلكها هؤلاء المشهرون . أن الذي يسمع كل هذه الكلمات والعبارات الناقدة المهينة لهذا الأستاذ الجامعي يظن بأن هذا المجتمع مجتمع ملائكي ، إذا كان المجتمع ملائكي فمن أين جاءتنا هذه المصائب والويلات ؟ من أين جاءتنا موجات التخلف والفساد والسرقات والطائفية والعنصرية والعشائرية والمخدرات والمليشيات والإرهاب وملايين اليتامى والأرامل والعشوائيات وانعدام الخدمات وكثرة الأمراض ؟ وتزداد كل يوم هذه الجراحات ، تبين أن هذا الأستاذ الجامعي يقف خلف كل هذه الألام . من المؤسف جداً أن تتفاعل الناس مع فساد استاذ جامعي بهذا القدر وتتأثر وتتعاطف مع الموجات الإعلامية بهذا الحجم وهم يجهلون بأن هذا الذي يحصل هو جزء بسيط جداً بالصدفة أنكشف للناس من منظومة فاسدة حتى النخاع ،