تأتي هذه الكلمة وفعلها {البرات } المقدسة عند ابناء الديانة الايزيدية وهي :عبارة عن تربة مقدسة على شكل مدور صغيرة تشبه حبة البندق تؤخذ من احدى الكهوف العميقة في معبد لالش من قبل مؤمن يدخله زحفا على بطنه لجلبها وثم جًبلها بماء عين البيضاء- كاني سبي – حصرا لتجعل على شكل مدور وتوضع امام المعابد والمزارات لتوزع على الزوار الايزيدية ويحتفظ كل فرد ايزيدي بقطعة منها كفال حَسّن وحبات للايمان وتعتبر احدى طرق العدل والصلح بين الايزيدية عندما يأخذها احدهم ويًحلّف بها ليتفق مع خصمه بالصلح واذا كان المُحلف صادقا نجى وعكسه ينال السوء اذا اختلف ، وتشبه حبة الكلس الابيض وشكلها مدورة كون الدائرة تعبر عن اكمل الاشكال الهندسية وكل مكونات الكون تكون على شكل كرة او دائرة تسبح في الفضاء دون ان تصطدم ،
بعد هذا الموجز عن البرات نجول في عالم البحث عن وجودها ككلمة او حالة او حتى (الهه ) في بطون الكتب والتاريخ وبين الاقوام الاخرى ولكن قبل ذلك لابد من التنويه بان منطقة معبد لالش النوراني المحصورة بين ثلاث جبال فيها طاقة روحانية ذو شذرات الهية من النور الاعلى ولربما يظهر لنا بالتجلي او الظاهر لنا دون الباطن المخفي ليعطي لنا قوة وايمان غير مسبوق ووجود هذه الطاقة في معبد لالش ربما كونه معبد قديم للطاقة الروحية وليس ذو علاقة بالمعتقدات ونشاهد نمط من الهندسة المقدسة في معبد لالش بوجود رسم (لزهرة الحياة) على حيطان المعبد والموجود في اكثر الحضارات القديمة .
وارى ان قدوم الشيخ عدي بن مسافر الى منطقة لالش حصراً والتفاف الكثير من المؤمنين من كل الملل حوله لوجود تلك الطاقة الروحية التي جذبته وجعلت حتى غير الايزيدية يشعر ويصدق كراماته ونقرأ له ذلك في كتاب قلائد الجواهر .
و في فعل ومعنى البرات في الايزيدية وردت في اكثر من قول مترجما من الكوردية بما معناه :-
في قول قه ره فرقان (فرقان تعني – المخلص ) تقول السبقة ( ربي انزل لي العلم وبه رات ومشورة والخت) وفي نفس المصدر من قول خوداني مالي ص480ج/1 اعداد الاستاذ شمو قاسم من كتابه نصوص مباركة للديانة الايزيدية – نقرأ ان ( الوعد جاء سلطان ايزيد سلمها لرئيس الفقراء الماش والبرات والخط ) وفي قول مرسوما جبيرة نقرأ ( إذا اعطيت احدا البخت والبرات – البرات علامة الارض والخليقة – الله موجود وهو كثير المنفعة ) وفي قول مهمدى الكوردي كتاب د. خليل جندي ج/1 ص 555سبقة 6 (وعّدُوا دستورهم الكتب والبرات والمشورة جميعهم حاضرين ).
نستلهم من هذه السبقات مكانة البرات المقدسة بما نزلها الله من بركاته للايزيدية ككتاب مادي غير مقروء او دستور وله طاقة روحية متمثلا بتربة قد نراها بالعين بسيطة لكن منها خلق البشر واليه يعود بتربة البرات والتي توضع في فم الميت عند غسله ودفنه في المراسيم الايزيدية . ونرى ايضا ان الخالق أوجدنا من ألارض واستخدم تربتها لخلق البشر دون الاتجاه بفكرة الخلق من العدم او كن فيكون !! ومنه نجد كل شئ من الارض وتربتها .
ومن مصادر خارجية نقرأ في بعض المرادفات اللغوية والمعاني عن البرات :-
تظهر كلمة برا ايضا باللغة الكوردية بمعنى الاخ والقريبة ربما بالمعنى دون تثقيل الاسم بالتعقيد اللفظي على حساب المقصد الدلالي .
|
في مقال اياد الزهيري في بحثه عن الالهة في موقع الحوارالمتمدن قوله (إن الكثير من الاسماء التي استمدت من الالهه اسماُ لها اعتزازا واجلالا لهذه الاله ومدينة بيروت جاءت على أثرالآله {بارات} انما يدل على حضور عالم الالهه في نفوسهم ، يمكن ان تكون لهم عون وشفاعة في العالم الاخر ). وعند فراس السواح في كتاب مغامرة العقل الاولى ص184 نقرا (والصليب ليس نفسه رمز المسيح فحسب ايضا ياتي رمز الالهة الفينيقية {بارات} الهة مدينة بيروت وأحّد اشكال اله الخصب عشتار او عشتروت ). وارى قدسية بارات لمستوى كونها مثل احدى الاله . ونجد اسم مدينة قبل الساسانية تسمى برات ميسان كما وردت في كتاب الحسن البصري ص195- وكذا نجد في اسم برات كلنساس الاميركية . وهكذا ربما تجد هنا مرادفات لها في المعنى والتهجئة .
|
وفي اصحاح/1 سفر التكوين نقرأ( عن الخلق من العدم وبحول الله وارادته الغالبة انبثقت المادة الى الوجود بالاستدلال على فكرة كهذه من الفعل العبري {برأ } وفي سفر اشعيا 41 و20 و65 و181 والمزامير 51:12، 102:19 يجري استعمال اللفظة برأ بمعنى اعادة خلق شئ ما، أي ايجاد شئ جديد عن طريق استعمال مادة قديمة وفكرة الخلق من العدم ظلت من الدلالات اللصيقة بالفعل برأ) وايضا (تاتي البارى من برأ بمعنى خلق وأوجًد – حسب التوراة وذكرها هادى العلوي في كتابه مدارات صوفية ص 25 .)
ونقرأ في كتاب تاريخ الشعوب البدائية / تحرير فراس السواح ص167( عن الشامانية وهي ظاهرة دينية وشبكة من الطقوس والمعتقدات المختلفة ان دخول عضوية الشامان السيبيرين تتم بمراسيم البُريات في قبيلة البريات ).
وكون الايزيدية تؤمن بان الله خالق كل شئ وبوحدة الوجود الذي يعني ان الانسان هو جزء من القوانين التي هي جزء من الخالق وبالتالي على الانسان ان يتقيد بهذه القوانين لكي يعبد خالقه بطريقه صحيحة – كما يقول بن عربي .
وفي الاخير لابد من الايقان بان فعل وجود بقاء هذه التربة المقدسة وتأثيرها الروحي عند الايزيدية ليس محل كسب او من فراغ ما ، بل للبركة والعدل وامانة في حل بعض النزاعات . وارى ان تعدد الاله حالة قائمة سابقا في الكون وعند الاديان البدائية والقديمة و كان لها وقع وتأثير على كل البشر ، ولاغيض من اعتبار البرات احدى تلك الاله التي منها ممكن للانسان ان يرى شذرات من ايمانه الروحي وغرس المحبه ، وهذا اعتقاد نؤمن به كما تؤمن كثير شعوب قديمة متوارث عندها ، وهذه وجهة نظر قد يقبل الصواب من عدمه …
مايو /2024م