الفنان أشرف عمر – صيحة قوة لنصرة الحق – صبحة بغورة

 

عندما تُوجه للشخص التهم بدون جريرة ، ولما يُعاقب المرء بدون وجه حق ، ثم يُلحق الأذى به دون سماع دفاعه عن نفسه ، حينها نقول أن ثمة عصا تجوب الصخر بالواد وتجر العباد والبلاد لسوء الأحوال.

 

إن الإساءة المتعمدة بدون مبرر لرموز الشرف والرفعة هو سلوك الضعفاء، المهزوزين، الذين عاشوا من أجل هدف واحد، أن يكيدوا لمن هم أعلى شأنا منهم، تعرفهم من سماهم ، ينتهزون الفرص ولا يصنعون التوجهات ، يصنعون حولهم الفراغات وليس قيادات جديدة ، وعندما يتم استهلاك أشخاصا محددين أكثر من مرة تصبح الدولة غير قادرة على انتاج قيادات أخرى للرئاسة والحكومة والإدارة فيصاب العمل الوطني بالهزال . الوضع الآن هو نتيجة مباشرة لما آل إليه تطور الحال، سلطة تهتز لبضع لوحات فنية كاريكاتورية تحتوي على قيم اجتماعية وثقافية تزخم بشحنة عاطفية وطنية غيورة لفنان مصري شاب ، أشرف عمر الجباخنجي الذي حملت رسوماته شذرات تأملية وإضاءات ذكية ، وكما يقال التشبيه في البلاغة من خصائص بلاغته أن يكون مطابقا لمقتضى الحال، وعندما يُرسخ علم الاجتماع القانوني فرضية أن القانون وُضع لثلاثة أهداف : ضمانالعدالة ، توفير الحرية وترسيخ النظام ، ثم تستقر الأمور في اتجاه معاكس يكون مفهوما أن ثمة خلل كبير في العقل والفكر والوجدان، فصار كل مسؤول شاب يكثر لغطه فيكبر غلطه، ذلك حينما لا يؤمن بأن اللوحات الفنية هي تأريخ لذاكرة المكان وأنها مجال خصب للمقاربة الذكية والتفكير النقدي والتعامل مع كل فكرة أصلية جديدة ، وليست للتعامل مع الأخبار المقتضبة المذيلة مكرا بعبارة ” هذا من حيث المبدأ  ”

الفن يغرف موضوعاته من ينبوع التاريخ ويرتوي من الواقع المعاش ، والفنان مثل الأديب ليس مؤرخا مكلفا بتوثيق الحقيقة ولكنه يستعمل الحقيقة التاريخية كوسيلة للتعبير عن أفكاره وآرائه وتصوراته ، وهكذا كان حال الفنان أشرف عمر. الأصل أن الفنان حر في نظرته لقضايا أمته وللتاريخ ، ومن حقه أن يفسر الشخصيات والحوادث كما يشاء بما يخدم رؤيته وغايته الإبداعية، والمتفق عليه أنه إذا كان تحقيق الصدق التاريخي هو غاية المؤرخ ، فإن الصدق الفني هو أهم شيء بالنسبة للفنان المبدع ، وقد يتم غض النظر عن قضية الالتزام بالحقيقة كما هو الأمر بالنسبة للشاعر الذي يجوز له في كتابة شعره ما لا يجوز للآخرين . إن الحديث عن الالتزام هدفه تثمين المواضيع ذات العلاقة بالقيم الإنسانية وليس محاكمة أخلاقية للأعمال الفنية أو الأدبية ، وإرادة الصدق هي التي تجعل الرسم أو الكتابة فعلا أخلاقيا في مواجهة تقلبات الحياة التي تحوّلت لتصبح مرادفا للمعاناة ، ذلك حين يكون العنف هو رد فعل أحمق به تجري التغطية على  العجز والفشل بعد التراجع عن مواجهة غلبة التناقضات والشيوع المتسارع لظاهرة تفكيك الروابط في مختلف المجالات وعلى كافة الاتجاهات.

تكمن براعة الفنان أشرف عمر في رسم اللوحات الكاريكاتورية فيما أكسبها من أصالة بمهارته وصدق إلهامه ، ومن ذلك الثراء البيئي المميز للمجتمع ، تتحدث الرموز في لوحاته لغة تشكيلية مليئة بالإيحاءات الرمزية التي تحمل الأبصار إلى حركية تلتقي فيها الأشكال لتفريغ الهم الاجتماعي ويترجمها كل ناظر إليها على طريقته ، والمتفق عليه أنها مهما كانت طبيعة هذه الأشكال فهي كلما تفاقم النزوع نحو التضييق على الحريات كلما علت صيحة القوة لنصرة الحق.

                                  كاريكاتير بريشة راغب علي الجباخنجي

الرسم الكاريكاتيري مثل الأغنية الشعبية يتميز بخدمة تبليغ رسالة ذات مغزى ،بسيطة في شكلها ، معقدة في باطنها وهي على العموم طريقة شعبية للتعبير، فيها للجانب الروحي أثره على النفس  تسمو به وتتألق فيتعزز تقدير الفرد لذاته، وكذلك فيها للجانب الاجتماعي دوره في تشكيل التوازن الحقيقي للإنسان في حياته، فبه تزهو حياة الفرد ويوفق في تلمس بدايته الصحيحة نحو جعل أحلامه حقيقة ، كلا الجانبين يشكلان مقومات الشخصية السوية للفرد ويدعمان مفهوم المواطنة الصالحة في عموم المجتمع، ومن غيرهما نصير نلهث وراء سراب ننشد من ورائه شيئا من لا شيء.

الطبقة المثقفة من مفكرين وأدباء وعلماء وفنانين هم نخبة الأمة، تسري إبداعاتهم مسرى الدم في شرايين المجتمع، هم مصدر وعيها والدافع لرقيها ، فلا تضحوا بشبابنا وتجعلوننا نندم عندما ينصب البعض العداء لشباب الأمة الواعي دون تفريق أو تمييز فسنكون حينها أمام إعادة درس تاريخي مؤلم عرفته مصر قديما عندما عزّ على امبراطور الدولة الرومانية أن تصبح منارة الإسكندرية في أيدي الفاتحين العرب فأرسل في القرن التاسع عشر مبعوثا لهدمها ،وتمكّن بمكر ودهاء أن يستحوذ على ثقة الخليفة الوليد بعد أن روى له قصة عجيبة تؤكد وجود كنز كبير مدفون تحت المنارة، وأصدر الخليفة أمره بهدمها ، ولم يكد يصل الهدم إلى نصف ارتفاع المنارة حتى تبين الخليفة معالم المكيدة بعد هروب المبعوث ، وذهبت الجهود في إعادة بنائها هباء، وسقطت مراياها العاكسة من أماكنها وتحطمت ، وفي سنة 1375 قضي عليها نهائيا زلزال عنيف وألقى حجارتها في البحر وما زالت أنقاضها يشاهدها المصريون بأسف حتى اليوم بالقرب من قلعة قائد باي . لم يكن الفاتحون مصريين أصليين ، ولم يكن الرومان كذلك أيضا وإنما هي قلة حيلة المصريين المزمنة حينها التي جعلتهم يشاهدون عن جهالة فصول المؤامرة على بلادهم حيث لم تعد هناك معالم ولا هم يفرحون، وهكذا حدث في ضرب نابليون تمثال أبو الهول بالمدفعية ، ثم النهب المنظم للآثار الفرعونية والمسلات الضخمة!!

لقدأفسد الاختلاف ـ وليس الخلاف ـ في الرأي للوطن ألف قضية، والحقيقة المؤكدة أن من لا ثقافة سياسية له يجد في العنف وسيلته لتحقيق أهدافه، وبلوغ غايته. لم يكن يليق أن تفزع البلاد ذات الحضارات الكبرى التي تعاقبت عليها أن تقلق وتضطرب لأتفه الأسباب، والثابت إن المراهقة الوطنية داخل الوطن أشجع من المعارضة السياسية خارجه، لقد فضّل أشرف عمر التعبير عن رأيه بالرسم داخل وطنه ورفض فكرة أن يلجأ للاستقواء على بلده من خارجه بأطراف أجنبية تعاديه وتمقته، وهذه سمة أشرف المواطنين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ