البصمة البيئية- وجه خفي من تأثيرنا على الأرض – خديجة مسعود كتاني

المقدمة

تأريخ بصمة القدم البيئية

تم إبتكار مفهوم (البصمة البيئية) أوائل التسعينيات من قبل عالم البيئة الكندي ك (وليام ريس) والمخطط الاقليمي السويسري المولد Math Wacker في جامعة كولومبيا البريطانية Nagel

البصمة البيئية أو (البصمة الايكولوجية)

البصمة البيئية هي بصمة قدم على سطح البيئة ، لمعرفة مجموع إستهلاك فرد، مدينة أو دولة من موارد طبيعية محلية ومستوردة، وحجم الضرر الناجم عن إستهلاك هذه الموارد البيئية مقارنة بقدرتها على تجديد نفسها٠ أي هي مصطلح (لحساب مساحة الأرض التي يعتمد عليه الفرد أو الدولة للحصول على مواردها والقدرة على استيعاب النفايات الناجمة عن ذلك)٠ يقاس هذا الاستهلاك (بالهكتار العالمي للفرد الواحد) وهو يبين معدل الإنتاجية لمساحة محددة من الأرض خلال سنة معينة وتشمل جميع أراضي الزراعة والغابات، المراعي، مصائد السمك والبصمة الكربونية ٠ بينما (القدرة البيولوجية) تحدد لنا قدرة النظام البيئي على إمدادنا بهذه الموارد وقدرتها على إحتواء المخلفات٠ ويحدث العجز في القدرة البيولوجية عندما تتجاوز البصمة البيئية قدرتها البيولوجية حينئذ يمكن للفرد اللجوء الى الاستيراد لتأمين حاجاتها ٠ كذلك تهدف البصمة البيئية الى معرفة مقدار المواد البيئية المتوفرة وكيفية أدارتها بشكل سليم لتأمين ظروف الحياة المستدامة لنا وللأجيال القادمة ووضع سياسات ناجحة للحفاظ عليها، والموازنة بين الطلب على المواد وقدرة البيئة على إمدادنا بها لتحقيق حياة أفضل بأقل أذى للمناخ البيئي٠

مثال

على سبيل المثال  : أنت وعائلتك تستهلكون ٢ كيلوغرام من البطاطا في الأسبوع أي (١٠٠) كغم في العام تقريباً ، فلو نتبع سلسلة خطوات إنتاج البطاطا نرى أن :

عندما ينتج الفلاح (١٠٠ ) كغم بطاطا

  • يشغل لذلك أرض مساحتها ٢٥ متر مربع
  • يستخدم فيها وسائل النقل كالجرار والشاحنة واللتان يحرقان البنزين
  • جملة التحركات من تهيئة الأرض ونقل البطاطا ٥كم والذي يتسبب في انبعاث ٦٠٠كغم من ثاني أوكسيد الكاربون في الجو
  • (١٠٠) كغم من البطاطا تستهلك حوالي ١٦٠ الف لتر من الماء وهذا يعني بصمتك البيئية أنت وعائلتك هي ٦٠,٠٠٠ لتر ماء، ٦٠٠كغم من ثاني أوكسيد الكاربون ٢٥م٢ من الأرض وكل هذه لها علاقة بمنتوج واحد من دون حساب القشور التي يتم نقلها الى مكعب المهملات ليتم حرقها ٠

والمعنى الحقيقي أو الهدف من المثال هو : خطورة العقلية الاستهلاكية والتبذير، فالمطلوب من كل فرد منا

  • استهلاك المنتوج المحلي
  • إختيار المواد الأقل تأثير على البيئة
  • الزراعة الحضرية (وهي إنتاج الغذاء داخل أو حول حدود منطقة حضرية) لزيادة الامدادات الغذائية باستخدام المساحات، مع تقليل البصمةالزراعية على البيئة في نفس الوقت
  • إزرع في دارك وساهم في الحد من بصمتك البيئية

نتائج قياس وتحليل بصمة القدم البيئية

النتيجة الاولى :

إن الموارد المطلوبة لتأمين مستوى معيشي كالذي يتمتع به الامريكي أو الكندي لكل سكان العالم يتطلب مساحة (ثلاث كرات أرضية أخرى) كالتي نعيش عليها اليوم

النتيجة الثانية:

إن البصمة البيئية التي تستحوذ عليها الولايات المتحدة لوحدها أكثر من ٢٠٪؜ من المساحة الكلية للكرة الارضية

النتيجة الثالثة:

البصمة البيئية للولايات المتحدة أكبر من مساحة البلاد نفسها بسبب الاعتماد الكامل على الواردات أو الاستغلال غير المستدام للمصادر الطبيعية وقدراتها على إمتصاص

النتيجة الرابعة:

الطريقة الغربية الحالية غير مستدامة تعتمد على استهلاك الموارد بدون تخطيط مناسب للاجيال القادمة

النتيجة الخامسة:

الاستهلاك المتزايد للموارد المتجددة يؤدي الى إستهلاكها بمعدل أعلى من معدل تجديدها مما يؤدي الى انتهائها ونفاذها في النهاية كحال الموارد القابلة (للنفاذ)

مثال : مقارنة لبصمة البيئة ، اذا كانت البصمة البيئية (لقَطَرْ)  11.68، (للكويت) 9.72,  (الامارات المتحدة) 8.44 , نرى ثلاثة أقطار عربية تتصدر في كبر (البصمة الايكولوجية) Ecological Footprint

السبب :

1-إعتمادها الاساسي على الاستيراد

2-مساحتها القليلة مقارنة بمساحة البدان الاخرى

 

المكونات الرئيسية للبصمة البيئية

  1. استخدام الأراضي الحيوية الإنتاجية: ويشير إلى مساحة الأرض المطلوبة لإنتاج المنتجات البيولوجية، مثل المحاصيل، والثروة الحيوانية، والأخشاب. وتشمل الأراضي الزراعية، و اراضي الرعي و الاراضي الحرجية (المساحات الخضراء) لما توفر من التوازن الايكولوجي٠
  2. استخدام البحار الحيوية الإنتاجية: يشير إلى مساحة البحر المطلوبة لإنتاج الأسماك والمأكولات البحرية.
  3. أراضي الطاقة: و هي مساحة الأرض المطلوبة لزراعة غابات جديدة لامتصاص انبعاثات الكربون وتثبيت مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.
  4. استخدام الأراضي المبنية: وهي مساحة الأرض المشغولة بالمباني، والطرق، والبنية التحتية الأخرى. بمجرد بناء الأرض، لم تعد تعتبر منتجة بيولوجياً.
  5. متطلبات التنوع البيولوجي: وتشير إلى مساحة الأرض والماء التي يجب تخصيصها للحفاظ على (التنوع البيولوجي) في مجموعة سكانية معينة أو مجتمع يتم حساب بصمته البيئية. يتم تخصيص هذه المساحة من الأرض والماء بنسبة تتناسب مع البصمة البيئية.

كلما كانت البصمة البيئية أكبر، زادت المسؤولية في الحفاظ على التنوع البيولوجي.

 

حسابات واقع البصمة البيئية والقدرة الحيوية في الدول العربية

طرح المنتدى العربي للبيئة والتنمية في تقريره لسنة 2012 البيئة العربية: خيارات البقاء و حسابات البصمة البيئية، والذي يعد التقرير العربي الوحيد الذي سلط الضوء على هذا الموضوع الحساس وذلك من أجل تحليل خيارات في المنطقة العربية لبناء اقتصادات مزدهرة ومستقرة في عالم محدود الموارد. ويعتمد أطلس البصمة البيئية والقدرة الحيوية، الذي أصدره المنتدى العربي للبيئة والتنمية على بيانات علمية دقيقة تتضمن إحصاءات حول استهلاك الموارد الطبيعية، وقدرة الموارد المتاحة في الدول العربية على تلبية الاحتياجات الأساسية وضمان استمرارية الحياة.

الغاية من حساب البصمة البيئية هي توفير كشف حساب بين المتطلبات البيئية للإنسان وقدرة الموارد الطبيعية على تلبية تلك المتطلبات٠

إلقاء الضوء على حسابات البصمة البيئية في دول المنطقة العربية يعكس حجم التحديات البيئية التي تواجهها. فارتفاع معدلات الاستهلاك ونمو السكان أدى إلى زيادة الضغط على الموارد الطبيعية، مما يهدد استدامة النظم البيئية.

مثال :

بين عامي 1961 و 2008، ارتفعت البصمة البيئية للفرد في الدول العربية بنسبة 78%، بينما زاد عدد السكان بنسبة 250%. هذا يعني أن البصمة البيئية الإجمالية للمنطقة زادت بأكثر من 500%. في المقابل، تراجعت القدرة الحيوية المتاحة للفرد بنسبة 60% خلال نفس الفترة.

عني هذا أن المنطقة العربية تعاني من عجز كبير في الموارد الطبيعية منذ عام 1979، حيث يتجاوز الطلب على الخدمات البيئية الإمدادات المحلية. لتغطية هذا العجز، تضطر الدول العربية لاستيراد خدمات بيئية من خارج حدودها، مما يضع ضغوطاً كبيرة على اقتصادها ورفاهية شعوبها.

تشير هذه الأرقام إلى الحاجة الملحة لتغيير نمط الاستهلاك والإنتاج في الدول العربية، والانتقال إلى اقتصاد أكثر استدامة يعتمد على الموارد المتجددة ويحافظ على البيئة. يجب على صناع القرار في المنطقة اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة هذه التحديات، مثل تشجيع استخدام الطاقة المتجددة، وتحسين كفاءة استخدام المياه، والحد من التلوث، وتعزيز الزراعة المستدامة.

الأرقام السابقة تؤكد أن المنطقة العربية دخلت مرحلة العجز البيئي منذ عام 1979، حيث تبلغ مستويات استهلاك المواد والسلع والخدمات الأساسية لاستمرار الحياة أكثر من ضعف ما يمكن الأنظمة الأيكولوجية المحلية توفيره وترافق هذا ، ارتفاع (البصمة البيئية الإقليمية) إلى ضعفين وانخفاض المياه العذبة المتوافرة للفرد نحو أربعة أضعاف.

و يؤكد على الحاجة الملحة لإعادة النظر في السياسات الاقتصادية والبيئية في المنطقة العربية، والعمل على تحقيق التنمية المستدامة والحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة.

الدول الغنية تستهلك أكثر: الدول العشرة الأولى التي لديها أكبر بصمة بيئية للفرد هي دول غنية، مما

يشير إلى علاقة قوية بين مستوى المعيشة واستهلاك الموارد.

الاختلافات بين الدول: هناك اختلاف كبير في البصمة البيئية بين الدول، حتى بين الدول الأفريقية.

هذا يدل على أن العادات الاستهلاكية وأنماط الإنتاج تختلف بشكل كبير من مكان لآخر.

الضغط على الموارد: البصمة البيئية الكبيرة للدول الغنية تعني أنها تستهلك حصة أكبر من موارد الأرض، مما يترك موارد أقل للدول النامية والأجيال القادمة.

 

الآثار المترتبة على البصمة البيئية الكبيرة:

نضوب الموارد: الاستهلاك المفرط للموارد الطبيعية يؤدي إلى نضوبها وتدهورها.

تغير المناخ: الأنشطة البشرية، وخاصة حرق الوقود الأحفوري، تساهم بشكل كبير في تغير المناخ.

تلوث البيئة: النفايات الصناعية والزراعية تؤدي إلى تلوث الهواء والماء والتربة.

فقدان التنوع البيولوجي: تدمير الموائل الطبيعية يؤدي إلى انقراض العديد من الأنواع.

ماذا يمكننا أن نفعل؟

  1. خفض الاستهلاك: يمكننا تقليل بصمتنا البيئية من خلال تقليل استهلاكنا للطاقة والمياه والمنتجات.
  2. اعتماد مصادر الطاقة المتجددة: يمكننا التحول إلى مصادر طاقة نظيفة مثل الطاقة الشمسية والرياح.
  3. إعادة التدوير: يمكننا إعادة تدوير النفايات لتقليل كمية النفايات المدفونة.
  4. دعم الزراعة المستدامة: يمكننا دعم الزراعة التي تحافظ على التربة والمياه والتنوع البيولوجي.
  5. التوعية: يمكننا نشر الوعي بأهمية حماية البيئة وتشجيع الآخرين على اتخاذ إجراءات بالخصوص٠

على سبيل المثال : إستخدام المصابيح الموفرة للطاقة ، تصميم مباني صديقة للبيئة ، استخدام المواصلات العامة٠

 

البصمة الكربونية

تختلف عن البصمة البيئية، وهي إجمالي الغازات الدفينة الناتجة عن الانبعاثات الصناعية أو الخدمية أو الشخصية، وتقاس هذه البصمة للحد من الآثار السلبية لتلك الانبعاثات والسيطرة عليها٠ وهو مفهوم يستخدم لتأثير منتج أو نشاط شخصي أو بلد على تغيير المناخ والتجسيد الاجمالي للغازات الدفينة التي تتولد عن أفعالنا وعن دورة حياة المنتجات التي تستخدم مسببة الاحترار العالمي، وتقاس هذه البصمة بوزن الناتج المكافئ لثاني أوكسيد الكاربون٠ ولحساب بصمتك الكربونية الشخصية، تحتاج الى بيانات مثل المسافة التي تقطعها ، والطاقة التي تستهلكها في منزلك كم تنفق على التسوق، وتكوين نظامك الغذائي٠

مثال : راكب الطيارة يسهم في ٢٨٥ غم من الكاربون لكل كيلومتر مقارنة بـ ١٠٤ غم في السيارة و ١٤ غم للقطار ٠ المبدأ نفسه ينطبق على اللحوم التي نتناولها والالبسة التي نقتنيها، فالبصمة الكربونية لقميص قماشه من البولستر يساوي ٥ر٥ كغم من ثاني أوكسيد الكاربون مقارنة بـ قميص من القطن الذي يساوي ٢٫١كغم من ثاني أوكسيد الكاربون٠ واللحوم الحمراء بصمتها الكاربونية كبيرة مقارنة بالخضار ٠

 

فالبصمة الكربونية للفرد في الولايات المتحدة ١٦طناً ، فعلى الصعيد العالمي متوسط البصمة الكربونية تقترب من ٤ أطنان للفرد الواحد ، هناك دراسات وجدت أن إنتاج واستخدام السلع المنزلية مسؤولة عن ٦٠٪؜ من إنبعاث غازات الاحتباس الحراري العالمية ، منها استخدام التكييف٠ وفق إحدى الدراسات يسهم سكان ١٠٠ مدينة فقط في نسبة ٢٠٪؜ من البصمة الكاربونية للبشرية ككل، وهذه نسبة تعادل المقدار الذي تسهم الانبعاثات الصناعية على مستوى العالم ، مع الاخذ في الحسبان أن إنبعاثات الكاربون تزداد مع إزدياد عدد السكان وإرتفاع مستوى الرفاهية ٠ فأغنى واحد بالمئة من سكان العالم يصدر أكثر من الذي يصدره أفقره خمسين بالمئة ٥٠٪؜ من سكان العالم ، والمقصود التصرفات الفردية وأنماط حياتنا لها دور كبير في إرتفاع معدلات (ثاني أوكسيد الكاربون) ، ولتجنب إرتفاع درجات الحرارة العالمية لـ (درجتين مئويتين) يجب أن تنخفض متوسط البصمة الكربونية العالمية سنوياً الى أقل من طنين للفرد بحلول سنة (٢٠٥٠) لانه هذا الرقم يعني إنهيار الصفائح الجليدية وحرائق وفياضانات قاسية مع فقدان ٩٩٪؜ من الشُعَبْ المرجانية وظواهر كارثية أخرى ٠

بعض الحلول

من حسن الحظ يرى الخبراء أن هناك الكثير للقيام به، كالتقليل من الاستهلاك الشخصي، مثل

١- إعادة النظر في مقدار التنقل وتفضيل وسائل النقل العام على المركبات الشخصية واستخدام الدراجات الهوائية قدر الامكان ،

٢- بالنسبة للمأكولات : شراء أطعمة عضوية محلية وموسمية ، تناول كميات أقل من اللحوم يجدي نفعاً، كبيراً، فمثلاً جمعية التغذية الالمانية تقترح تناول (٣٠٠ – ٦٠٠) غم من اللحوم إسبوعياً ويفضل أن تكون من لحوم الدواجن٠

٣- أما الملابس فينصح الخبراء الاعتناء بها، لتجنب شراء المزيد مع الابتعاد عن اللحاق بأحدث صيحات الموضة الذي يدفع المستهلك لاقتناء أكثر مما يستهلك٠ الاقبال على القطع المستعملة أو المصنوعة من مواد معاد تدويرها بطريقة صديقة للبيئة٠

٤- بالنسبة للطاقة والنفايات : إستعمال أكياس تسوق قابلة لإعادة الاستخدام وتجنب المواد البلاستيكية ، عدم هدر الموارد بشكل عام، مع إختيار المنتجات الموفرة للطاقة ، فصل الاجهزة الالكترونية عندما تكون بطاريتها ممتلئة ، تقليل النفايات مع إعادة التدوير ٠

 

البصمة الكربونية الشخصية موضوع لايخلو من الانتقادات

لقد جرت العادة إلقاء المسؤولية على عاتق الافراد بدلاً من الشركات والانظمة ، حيث تؤكد وكالة الطاقة الدولية أن خفض ٤٠٪؜ من الانبعاثات الكربونية من الاقتصاد العالمي بحلول عام (٢٠٥٠) سيكون نتيجة سياسات لاتتعلق بالأفراد مثل توليد زيادة الكهرباء من الطاقة المتجددة أو إستعمال تقنيات خضراء في التصنيع ، بينما يسجل آخرون أن تعديل أنماط حياة فردية يجب أن تتضمن أيضاً ضغط سياسي وإحتماعي للتأثير على قرارات الشركات والحكومات … هل يبدأ التغيير في هذه الحالة من قاعدة الهرم أم من قمته.