إعلاميو الطشة يمدحون الجولاني ويهاجمون العراق-  عباس سرحان

 

في حادثة غريبة وغير مسبوقة، ظهر عدد من العاملين في مجال الإعلام العراقي وهم يشيدون بزعيم “هيئة تحرير الشام” في سوريا، المدعو أبو محمد الجولاني، معتبرين أنه حقق إنجازات كبرى تفوق ما أنجزه النظام السياسي في العراق على مدى عقدين من الزمن. أحد هؤلاء قال “الجولاني حقق ما لم يحققه السياسيون العراقيون في عقدين من الزمن”.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هي الإنجازات التي يتحدث عنها هؤلاء؟ هل نجح الجولاني في توفير الكهرباء للسوريين على مدار الساعة؟ هل تمكن من تشغيل المعامل السورية المتوقفة؟ أم أنه حمى السيادة السورية من الاحتلالين التركي والإسرائيلي؟ وهل استطاع توفير الأمن والاستقرار للشعب السوري؟

أحد الإعلاميين الذين دافعوا عن الجولاني، وهو من العاملين في مجال الإعلام ولا يمكن وصفه بالإعلامي المحترف، تحدث عن بعض “إنجازات” الجولاني التي جعلته معجبًا به. من هذه “الإنجازات”، حسب زعمه، استقبال الجولاني لوزير خارجية تركيا ومسؤولين من قطر وأمريكا، بالإضافة إلى وليد جنبلاط.

لكن هل يعتبر استقبال داعمي الجولاني، ومؤسسي تنظيمه، إنجازًا؟ ألا يُعد هذا دليلًا على تبعيته وخضوعه لمصالح دول أجنبية؟ ولماذا تُحسب هذه اللقاءات إنجازًا للجولاني بينما تُقابل بالنقد والتقليل حين تُجرى في العراق؟

بغداد، على الرغم من معاناتها من الإرهاب وهجماته الشرسة، بُعَيد 2003 استقبلت العديد من وفود الأمم المتحدة ومسؤولين دوليين، وكانت ولا تزال نقطة جذب دبلوماسي مهم.

ما يثير الاستغراب أن هؤلاء الإعلاميين الذين يشيدون بالجولاني اليوم كانوا سابقًا ينتقدون بشدة النظام السياسي في العراق، متهمين إياه بمحاولة “أسلمة الدولة العراقية” وفرض شعائر إسلامية على الأقليات غير المسلمة.

لكنهم الآن يمتدحون الجولاني الذي قمع المسيحيين في سوريا، ومنعهم من الاحتفال بعيد الميلاد، وأحرق أشجار الزينة التي نصبها المسيحيون في الساحات العامة. كما هجر مئات الآلاف من السوريين، لا لشيء سوى أنهم ينتمون إلى الطائفة الشيعية أو العلوية، وصادر ممتلكاتهم وارتكب انتهاكات واسعة بحقهم.

المفارقة أن هذا الإعلامي نفسه، وغيره ممن يدافعون عن الجولاني، كانوا قد انتقدوا بشدة الحكومة العراقية إبان مظاهرات تشرين، متهمينها بالتعدي على حقوق المتظاهرين وحرية التعبير. فكيف لهم اليوم أن يمتدحوا الجولاني الذي يمنع المظاهرات في مناطق سيطرته ويقمع أي شكل من أشكال حرية التعبير؟

النظام السياسي في العراق، رغم مشاكله، وفر لهؤلاء الإعلاميين مساحة واسعة من حرية التعبير. بفضل هذه الحرية، تمكنوا من التعبير عن آرائهم والسفر والعمل في مختلف المجالات.

الأسواق العراقية اليوم ممتلئة بالبضائع، والشوارع تضج بالسيارات من مختلف الأنواع والموديلات، وهناك حركة نهوض واضحة في مختلف القطاعات.

لكن يبدو أن هذا الإعلامي وغيره يعيشون على ما يسمى “الطشة”، ويحرصون على إثارة الجدل لجذب المشاهدات وزيادة التفاعل مع برامجهم. نجاح برامجهم يعتمد على افتعال المشاكسات وتقديم محتوى متشنج يفتقر إلى الحقائق، خاصة أن الهجوم على النظام السياسي العراقي بات وسيلة مألوفة لاستقطاب الاهتمام.

والكثير من هؤلاء الإعلاميين لا يقدمون نقدًا بناءً أو حلولًا، بل يكتفون بتأجيج المشاعر وإثارة الجدل دون مراعاة المسؤولية الإعلامية أو الأخلاق المهنية. من أجل ذلك، بات من الضروري أن تتدخل هيئة الإعلام العراقية لضبط هذا السلوك ومحاسبة كل من يسيء استغلال فضاء الحرية الذي وفره النظام السياسي في العراق.

أخيرا لا يمكن للإعلام أن يكون وسيلة لتزييف الحقائق أو الترويج لجهات متطرفة على حساب المصلحة الوطنية. العراق، برغم كل التحديات التي يواجهها، يبقى نموذجًا ديمقراطيًا يوفر لمواطنيه ولإعلامييه حرية واسعة في التعبير. لكن هذه الحرية يجب أن تُستخدم بمسؤولية، لا أن تتحول إلى أداة لتقويض أمن الوطن أو تشويه صورته أمام العالم.

One Comment on “إعلاميو الطشة يمدحون الجولاني ويهاجمون العراق-  عباس سرحان”

  1. اولا.. لم يمدح احد الجولاني.. ولم يهاجم احد العراق من الاعلاميين العراقيين.. وعنوان موضوعكم يا (حضرة الكاتب المحترم).. يدل على عدم الحيادية بالطرح..:
    1. العراقيين واعلامييهم يعانون من السلاح خارج اطار الدولة والمليشيات.. لمدة 21 سنة.. (لكن الجولاني بايام يعلن انه سينزع سلاح الفصائل بهيئة تحرير الشام.. واعلان وزارة دفاع جديدة.. وكذلك وجدنا عودة الالاف الجنود ورجال الامن السوريين.. لمقرات بسوريا .. واعادة تنسيبهم.. ومنحهم هويات جديدة)..
    2. لسنوات منذ 2003 لعام 2011 الارهاب ياتينا من سوريا الاسد حليف ايران.. واتهام المالكي الاسد بدعم الارهاب .. (في حين الجولاني منذ ان اسس النصرة بسوريا.. منذ سنوات.. ولحد اليوم وهو زعيم هيئة تحرير الشام.. لم يرسل مفخخة واحدة ولا انتحاري واحد للعراق)..

    تطلقون على (الجولاني) ارهابي.. ولم يرسل انتحاري واحد للعراق.. في حين (تتعاملون مع بشار الاسد البعثي الارهابي الذي ارسل عشرات الالاف الانتحاريين والمفخخات والارهابيين للعراق من 2003)..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *