حرب ترامب التجارية: من مواجهة شاملة إلى تركيز على الصين

في تطور لافت، تحولت حرب دونالد ترامب التجارية من نهج “الجميع ضد الجميع” إلى استهداف مباشر للصين، العدو الاقتصادي الأبرز للولايات المتحدة. مع تعليق الرسوم الجمركية الانتقامية لمدة 90 يومًا على عشرات الدول، ظلت الرسوم الشاملة بنسبة 10% سارية، لكن الصين تعرضت لمعاملة أكثر قسوة، حيث بلغت الرسوم المفروضة عليها 125%. هذا التوجه يترك المشهد الاقتصادي العالمي في حالة من الغموض، مع اعتماد ما سيحدث لاحقًا على إجابات لأسئلة محورية.

السؤال الأول: هل ستقبل الصين التفاوض؟

الصين ليست دولة عادية عندما يتعلق الأمر بالاقتصاد والسياسة. رؤيتها لقوتها الاقتصادية مرتبطة بشكل وثيق بفكرتها عن التجديد الوطني وسيادة نظام الحزب الواحد. صادراتها القوية وسوقها المحلية المحمية بإحكام تمثلان العمود الفقري لطموحاتها القومية. وبالتالي، من غير المرجح أن تقدم بكين تنازلات كبيرة قد تُضعف سيطرتها الاقتصادية أو تفتح أبوابها أمام الشركات الأجنبية، خاصة في مجالات مثل التكنولوجيا المتقدمة.

السؤال الثاني: ما حجم التنازلات التي ستقدمها الصين؟

حتى إذا قررت الصين الجلوس إلى طاولة المفاوضات، فإن السؤال الأكبر هو: هل ستكون مستعدة لإجراء إصلاحات جذرية لنظامها الاقتصادي القائم على التصدير؟ الإجابة ليست واضحة. فواشنطن تطالب بإصلاح شامل يشمل إنهاء الدعم الصناعي، تقليص دور الدولة في الاقتصاد، وفتح الأسواق الصينية أمام الشركات الأميركية. هذه الطلبات تصطدم بمصالح استراتيجية عميقة الجذور لدى الصين، مما يجعل التوصل إلى اتفاق شاملاً أمراً بعيد المنال.

السؤال الثالث: هل لا تزال أمريكا تؤمن بالتجارة الحرة؟

هذا هو السؤال الأكثر تعقيدًا، والذي يعكس تحولًا جذريًا في السياسة الاقتصادية الأميركية. ترامب لا يرى الرسوم الجمركية كوسيلة لتحقيق غاية فقط، بل كغاية في حد ذاتها. فهو يتحدث بحماسة عن فوائد الحواجز الحمائية لتحفيز الاستثمار المحلي وإعادة سلاسل التوريد إلى الولايات المتحدة. إذا كانت هذه هي رؤية واشنطن الجديدة، فقد تعتقد بكين أن لا شيء يمكن التفاوض عليه، وأن الحرب التجارية ليست مجرد خلاف اقتصادي، بل صراع على الهيمنة الاقتصادية.

مستقبل خطير محتمل

إذا لم يتم التوصل إلى تفاهم، قد تجد أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم نفسيهما عالقتين في صراع طويل الأمد، حيث يستحوذ الفائز على كل شيء. هذا السيناريو يعني نهاية التوافق القديم القائم على التعاون الاقتصادي العالمي، وبداية حقبة جديدة من التنافس المطلق، قد تكون مليئة بالمخاطر.

الخلاصة

ما يحدث اليوم ليس مجرد حرب تجارية، بل هو إعادة تشكيل للعلاقات الاقتصادية العالمية. إذا أدركت واشنطن وبكين أن التعاون يخدم مصلحة الجانبين، فقد يكون هناك طريق نحو الحل. ولكن إذا استمر الطرفان في النظر إلى القضية كصراع وجودي، فإن النتيجة قد تكون كارثية ليس فقط للبلدين، بل للاقتصاد العالمي بأسره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *