لا تقولوا .. فتاة منورة .. نزحت من شمال حلبْ
….
للأمانة قولوا .. دم لبق في شرايين عالمنا المتلعثم
زغرودة الفجر في حلق ليلتنا العانس
العفة الكوثرية في أوج سلافتها
آية فردت شعرها في كتاب الغضبْ
….
إنها لغة يتحدثها الورد
يكتبها العندليب بنمقاره في الهواء
وتَنْظِمُ رائحة البحر شعرا بها
يسمونها في معاجمنا البشرية (حرية)
صدقوني للآن لم يتجرأ على نطقها أدب
يا عيال الأدبْ!
*****
البنات الجميلات قِسْنَ قبيل الزفاف فساتينهن
و”بارين” قَاسَتْ قبيل القيامة بذلتها العسكرية
واتخذت من شريط الرصاص عريسا
…
كانت امرأة التلفزيون تضبط مكياجها
وتراجع في الهاتف العنكبوتي موضوع حواء
قبل الهواء
و”بارين” كانت على قفص للقنابل قاعدة
تتحدث في شجن لرفيقتها:
وطني يا رفيقة، يؤلمني أن ينام تعيسا
…
(من شُكولاتة الأمس واحدة بَقِيَتْ)
قالت الجامعية للجامعي؛ فواعَدَها بالمزيد
و”بارين” يوشك أن يَتَسَلَّى بأَعْنابِها السافلون
(من الطلقات الشريفة واحدة بَقِيَتْ)
همست
ثم أطلقت الرحمة الأبدية في روحها
يا كلاب خذوا جسدي لحمة جيفة .. لا حريرا نفيسا!
…
حرة صارت الآن “بارين”
والعالم الْمُتَفَرِّجُ صار حبيسا!
*****
لَمْ تَمُتْ
إنما عَلَّقَتْ روحها جَرَسًا أحمرا فوق بوابة العصر
يضرب .. يضرب .. كيلا تَحُشَّ البَلادَة أَلْسِنة الداخلين
ولا يتدلى السُّكُوتْ
….
لَمْ تَمُتْ
هذه بندقيتها فوق تَبَّة رمل تصوب آمالها
وعلى كتف الجند بعد انتصاراتهم ترقص الدَّبْكة
الحقل يعرفها .. والشوارع .. منحدرات الجبال ..
المساجد .. ليل القرى .. سيدات البيوتْ
….
لَمْ تَمُتْ
بعد أن تضع الحرب أوزارها
ستراها .. و”عفرين” تَشْهَقُ نَيْرُوزَها
ستراها .. على الجبل الحر تحصد أشجار زيتونها
ستراها .. تُرَوِّقُ آنية الورد
وهي تدندن أغنية عن حليب المَوَاعِزِ
كُرْدِيّة الصوت واللحن والكلمات
تراها .. عشيقة شاب يقبلها بغتة تحت ظل صنوبرة
يتزوجها .. ويَلُفُّ لها تبغها ..
وتُحَوِّشُ في صدرها البَنْكنُوتْ
…
لَمْ تَمُتْ
فالذي يغسل الأرض من عارها .. أبدا لا يموتْ!
______________________________
*بارين كوباني، مقاتلة كردية، 25 عاما، نزحت من شمال حلب إلى مدينة عفرين، بعد أن أطلقت على نفسها آخر رصاصاتها كيلا تقع في السبي؛ مثل بجثتها مسلحون سوريون يشاركون في عملية “غصن الزيتون” التي تشنها تركيا على مناطق يسيطر عليها الأكراد شمالي سوريا، فبراير 2018.
