تركيا تواصل سياساتها الممنهجة في عفرين: تحويل المدارس إلى مراكز عسكرية وأمنية وانتشار الأمية

بعد مرور سبع سنوات على سيطرة تركيا وفصائلها الموالية على منطقة عفرين شمال سوريا، لا تزال عشرات المدارس خارج الخدمة التعليمية، حيث تم تحويلها إلى مراكز عسكرية وأمنية. هذه السياسات أدت إلى حرمان الآلاف من الطلاب من حقهم في التعليم، وساهمت بشكل كبير في انتشار الأمية وتفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة.

تحويل المدارس إلى مقرات عسكرية وأمنية

منذ سيطرتها على عفرين في مارس 2018 ، بدأت تركيا وفصائلها بتحويل العديد من المدارس إلى مراكز أمنية وعسكرية، مما أدى إلى حرمان الطلاب من التعليم. ومن أبرز الأمثلة:

  • مدرسة “فيصل قدور” :
    كانت هذه المدرسة تضم أكثر من ألف طالب قبل عام 2018، لكنها تحولت إلى مركز لتدريب القوات الخاصة التركية (الكوماندوس). يقول المعلم حسن إسماعيل إن غالبية الطلاب فقدوا فرصتهم في التعليم بسبب هذا التحول، حيث أصبحت المدرسة منطقة عسكرية محظورة.
  • ثانوية التجارة :
    تحولت هذه المدرسة إلى مقر للشرطة العسكرية التابعة لفصيل جيش الشرقية الموالي لتركيا. بالإضافة إلى ذلك، يحتوي المبنى على سجن يستخدم لاعتقال الأهالي، مما أثار استياء السكان المحليين.
  • مدرسة الصناعة والثانوية الزراعية :
    تم إغلاق هذه المدارس وتحويلها إلى مقار عسكرية وأمنية، مما أدى إلى حرمان آلاف الطلاب من التخصصات المهنية التي كانت ترفد سوق العمل في المنطقة.

المراكز الثقافية وتعليم اللغة التركية

لم تتوقف السياسات التركية عند تحويل المدارس إلى مراكز عسكرية، بل شملت أيضاً فرض اللغة والثقافة التركية على السكان المحليين. ومن أبرز الأمثلة:

  • المعهد الثقافي التركي “يونس إمره” :
    تم تحويل مدرسة الصناعة في حي المحمودية إلى مركز ثقافي تركي تحت مسمى “يونس إمره”، الذي أصبح مركزاً رئيسياً لتعليم اللغة التركية والثقافة التركية. كما تم افتتاح فرع جديد للمعهد في عام 2023، ضمن حملة أوسع تستهدف دمج المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا بشمال سوريا في المنظومة الثقافية التركية.
  • المركز الثقافي في عفرين :
    كان المركز الثقافي الوحيد في المدينة قبل عام 2018، لكنه تحول إلى فرع لـجامعة غازي عنتاب التركية بعد نهب محتوياته. الآن، يتم استخدامه لتعزيز الثقافة التركية بين السكان المحليين.

رفض إعادة المدارس إلى المنظومة التعليمية

رغم المطالب المتكررة من مديرية التعليم في عفرين بإعادة هذه المدارس إلى الخدمة التعليمية، رفضت السلطات التركية الاستجابة. يقول أحد مديري التعليم المحلي:
“الوالي التركي في عفرين رفض مناقشة الأمر، بحجة أن هذه المباني تخضع لإدارة المخابرات التركية، وأن الوضع الأمني يتطلب استخدامها كمراكز عسكرية وأمنية”.

تأثير السياسات التركية على التعليم والأمية

  • انتشار الأمية :
    حرمان الآلاف من الطلاب من التعليم خلال السنوات الماضية أدى إلى ارتفاع معدلات الأمية في عفرين. كما أن غياب المدارس المهنية مثل المدارس الزراعية والصناعية والتجارية أثر سلباً على سوق العمل في المنطقة.
  • تزايد المخاوف الأمنية :
    الأهالي يخشون إرسال أطفالهم إلى المدارس البعيدة بسبب المخاطر الأمنية، بما في ذلك الاشتباكات بين الفصائل المسلحة وحوادث الخطف.

سياسات التتريك والتهجير الثقافي

تركيا لم تكتفِ فقط بتحويل المدارس إلى مقرات عسكرية وأمنية، بل عملت على فرض سياسات “التتريك” في المنطقة عبر:

  • فرض اللغة التركية :
    أصبحت اللغة التركية مادة أساسية في المدارس والمعاهد الثقافية، مما يعزز التأثير الثقافي التركي على السكان المحليين.
  • تغيير السجل المدني :
    قامت تركيا بتغيير السجل المدني للسكان الأصليين في عفرين ومدن أخرى مثل الباب وجرابلس وأعزاز ، بالإضافة إلى تغيير أسماء الأحياء وإجبار السكان على التعامل بالليرة التركية.

ردود فعل السكان المحليين

سكان عفرين يعبرون عن استيائهم من هذه السياسات، مشيرين إلى أنها تهدف إلى تغيير الهوية الثقافية والاجتماعية للمنطقة. يقول أحد السكان المحليين:
“نحن نتساءل إلى متى ستبقى هذه المدارس خارج الخدمة التعليمية؟ وهل يمكننا استعادة حقوق أبنائنا في التعليم بعد سنوات من الحرمان؟”.

الخلاصة

سياسات تركيا في عفرين تعكس استراتيجية ممنهجة لتغيير هوية المنطقة و demographics سكانها، عبر التهجير القسري للأكراد وفرض الثقافة التركية. تحويل المدارس إلى مراكز عسكرية وأمنية ليس فقط حرماناً للطلاب من التعليم، بل هو جزء من مشروع أوسع يهدف إلى تدمير البنية الاجتماعية والثقافية للمنطقة.

إذا استمرت هذه السياسات دون ضغوط دولية ومحلية، فإن عفرين ستواجه مستقبلاً مظلماً يتمثل في تفاقم الأمية، ضعف التنمية الاقتصادية، واندثار الهوية الثقافية الأصلية للسكان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *