تُعد عشيرة موكرياني (أو موكري) من أبرز العشائر الكردية التي استوطنت منطقة موكريان في كردستان الإيرانية، لا سيما في محيط مدينة مهاباد. وقد كان لها حضور بارز في تاريخ كردستان السياسي والثقافي، من خلال تأسيس إمارة موكريان التي استمرت من أواخر القرن الرابع عشر حتى القرن التاسع عشر.
نبذة تاريخية عن إمارة موكريان:
أسّس سيف الدين موكري إمارة موكريان، التي حَكمها أمراء من عشيرة موكري وشكّلوا الطبقة الحاكمة في المنطقة. ومن أبرز هؤلاء:
- بوداخ سلطان: يُعتبر مؤسس مدينة مهاباد، وينحدر من سلالة “سارم بك موكري”.
- عزيز خان موكري ولد 1792، كان من الشخصيات العسكرية البارزة في الدولة القاجارية، وشغل منصب قائد الجيش القاجاري بين عامي 1853 و1857.
الخصائص الثقافية والاجتماعية لعشيرة موكرياني:
تميّزت عشيرة موكرياني بثقافة فريدة ضمن المجتمع الكردي، تمثلت في الجوانب التالية:
- اللغة: يتحدث أبناء العشيرة بلهجة كردية نقية تُعد من أصفى أشكال اللغة الكردية.
- مكانة المرأة: كانت النساء يتمتعن بمكانة اجتماعية مرموقة، حيث شاركن الرجال في الحياة العامة دون ارتداء الحجاب، وكان من المعتاد أن يتبادل الجنسين التحية بتقبيل الخدود. ومع ذلك، التزم المجتمع بمعايير صارمة للحفاظ على “الشرف” وفق الأعراف الأبوية السائدة.
- التفاعل مع القوى الإقليمية: شهدت العشيرة صراعات مع الدولة الصفوية، لا سيما في عهد الشاه عباس الأول، الذي تزوّج امرأة من العشيرة بعد هزيمتهم في حصار قلعة ديمديم. كما تعرضت العشيرة لمجازر وتهجير خلال تلك الحقبة.
مطبعة موكرياني ودورها في النهضة الثقافية الكردية:
تُعد مطبعة موكرياني محطة محورية في التاريخ الثقافي الكردي، فقد تأسست عام 1936 في مدينة أربيل على يد المثقف الرائد توفيق موكرياني، ابن منطقة موكريان.
كان توفيق موكرياني شغوفًا بالأدب والمعرفة، وسعى جاهدًا لنشر الثقافة الكردية المكتوبة في وقت كانت فيه الطباعة باللغة الكردية شبه معدومة. وقد مثّلت مطبعته أول محاولة حقيقية لإنشاء منصة نشر مستقلة باللغة الكردية.
من أبرز إنجازات مطبعة موكرياني:
- نشر كتب ومجلات وصحف كردية غطّت مجالات الأدب، والدين، والتاريخ، والتعليم.
- طباعة مؤلفات كتاب ومفكرين بارزين، مما ساهم في توثيق التراث الثقافي الكردي.
- تعزيز وعي المجتمع الكردي بأهمية الكلمة المكتوبة، في ظل سياسات مركزية كانت تقيد استخدام اللغة الكردية.
- اليوم، تُعد المطبعة رمزًا للنضال الثقافي الكردي، ودليلًا على إصرار المثقف الكردي على إثبات هويته من خلال الكلمة المطبوعة. لقد كان مشروع المطبعة أكثر من مجرد عمل تقني، بل كان مبادرة وطنية ثقافية متميزة، مهّدت الطريق لأجيال من الكرد ليتواصلوا مع تراثهم بلغتهم الأم.
- من بين أبرز الشخصيات الحالية المنحدرة من هذه العشيرة، ظهرت في المشهد الإعلامي والثقافي في اقليم كردستان العراق، الدكتورة كردستان موكرياني، التي شغلت منصب سكرتيرة اتحاد نساء كردستان خلال المؤتمر السادس للاتحاد عام 2007، وأعلنت عام 2010 عدم نيتها الترشح مجددًا للمنصب.
كلمة أخيرة:
- لا تزال عشيرة موكرياني حاضرة في المشهد الكردي والعراقي المعاصر، حيث برز العديد من أبنائها في مجالات الطب، والهندسة، والرياضيات، وعلوم الحاسوب، وغيرها من التخصصات العلمية، ومنهم من استشهد دفاعا عن العراق، ورغم ذلك، امتنع الموكرانيين الذين استقروا في بغداد، عن استخدام لقبهم “موكرياني” علنًا، بعد هجرتهم الى بغداد إثر حملة الإبادة التي شنّها الروس القيصريون على كردستان خلال الحرب العالمية الأولى، وذلك خشية التهجير والتنكيل من قبل نظام البعث العربي العنصري لاحقًا.
- سأكتب لاحقًا عن رحلة أربعة أطفال من موكريان، لم تتجاوز أعمارهم 11 عامًا، انطلقوا من قرية “جوانمرد” قرب مهاباد إلى بغداد، بعد أن قضى الجيش الروسي القيصري على كل من كان في القرية ممن تجاوز هذا العمر، أمام أنظارهم، بما في ذلك آباؤهم، وأمهاتهم، وأقرباؤهم.
- واحفاد الأربعة الأطفال الأبطال الآن والحمد لله أكثر من مئتي حفيد وحفيدة، منتشرون في بغداد وكردستان واوروبا وامريكا واستراليا، ونحن الآن نجني نتاج مأساتهم وكفاحهم من اجل البقاء، رحمة الله ورضوانه عليهم.
- سار الأطفال الأربعة على الأقدام من قرية جوانمرد إلى السليمانية حوالي 150 كيلومتر، ثم إلى الموصل أكثر من 200 كيلومتر، قبل أن يُكملوا رحلتهم عبر نهر دجلة بواسطة زورق لنقل الطوب، حتى وصلوا إلى بغداد.