ما مصير الدولة التركية إن دمر زلزال عنيف إسطنبول؟- صباح دارا

 

تعتبر الزلازل خطراً كبيراً على مدينة إسطنبول بسبب موقعها الجغرافي بالقرب من صدع الأناضول الشمالي، ما يجعلها عرضة للأضرار الشديدة بالبنية التحتية والسكان. للعلم فان عدد الزلازل التي حصلت في إسطنبول خلال القرن العشرين كان 37 زلزالا اخره كان  في 26 سبتمبر 2019، بقوة 5.8 درجة على مقياس ريختر.

لهذا لم يكن مستغربا اليوم وقوع زلزال بقوة 6.2 درجة على مقياس ريختر في بحر مرمرة حيث شعر به السكان في العديد من الأماكن بضمنها إسطنبول القريبة جغرافيا الامر الذي يعيد تسليط الضوء على هشاشة هذه المدينة أمام الزلازل ، كونها قريبة من خطوط صدع رئيسية مما يجعلها عرضة للزلازل المتكررة.

بناء على ما ذكر أعلاه فان وقوع زلزال قوي ومدمر في إسطنبول ليس سوى مسألة وقت، وعند حدوثه فان الكوارث الناتجة من ذلك قد تكون مهددة لوجود الدولة التركية، كما سيتضح من خلال العرض التالي:

الأثر الاقتصادي

إسطنبول هي القوة الاقتصادية لتركيا: تساهم بما يقرب من 30٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وتستضيف أغلب الشركات الكبرى والبنوك، وهي مركز للتجارة والسياحة والمال.

فقدان إسطنبول يعني صدمة اقتصادية كبيرة، قد تؤدي إلى ركود أو حتى أزمة اقتصادية لعموم البلاد.

الثقل الثقافي والتاريخي

إسطنبول ليست مجرد مدينة — إنها رمز، معروفة تاريخياً باسم بيزنطة والقسطنطينية.

إنها قلب الهوية التركية في نواحٍ كثيرة، سواء من الجانب الديني أو العلماني.

غيابها سيترك فراغًا ثقافيًا، كما لو أن روما اختفت من إيطاليا.

الأهمية الجيوسياسية

إسطنبول تتحكم في مضيق البوسفور، وهو ممر بحري حيوي بين البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط.

استراتيجياً، تمنح تركيا نفوذاً كبيراً في التجارة العالمية والتحركات العسكرية الإقليمية.

فقدان إسطنبول يعني فقدان هذا النفوذ، وسيقلل من موقع تركيا الجيوسياسي بشكل كبير.

هل يمكن لمدينة أخرى أن تحل محلها؟

أنقرة، العاصمة، ستصبح بطبيعة الحال المركز الرئيسي — فهي بالفعل القلب السياسي.

إزمير أو بورصة قد تنموان لاستيعاب بعض النشاط الاقتصادي والثقافي.

لكن هذه المدن لا يمكن لها ان تملأ الفراغ الناتج من غياب إسطنبول لانها مدينة فريدة  من حيث الحجم أو البنية التحتية أو الروابط العالمية.

الهوية الوطنية والأثر النفسي

بالنسبة لكثير من الأتراك، إسطنبول هي روح الأمة! فقدانها قد يؤثر بشدة على المعنويات الوطنية والهوية، وقد يخلق حالة من عدم الاستقرار أو إعادة تعريف لما تعنيه كلمة تركيا.

هذا التعبير يعني أن إسطنبول ليست مجرد مدينة كبرى، بل تمثل الرمز التاريخي والثقافي والحضاري لتركيا. فهي كانت عاصمة لإمبراطوريات كبرى (البيزنطية والعثمانية)، وتضم معالم دينية وتاريخية مهمة، كما أنها مركز للفنون، الفكر، الاقتصاد، والإعلام. لذلك، يشعر العديد من الأتراك بأن إسطنبول تجسّد شخصية تركيا وهويتها، بل هي المدينة التي تعطي للبلاد “روحها” ومكانتها.

إذا دُمّرت إسطنبول أو فُقدت لأي سبب، سواء بكارثة طبيعية أو غيرها، فإن الأثر النفسي سيكون عميقًا على المواطنين الأتراك. ذلك لأن المدينة تمثل جزءاً من الذاكرة الجمعية والكرامة الوطنية. فقدانها قد يشعر الناس بأن شيئًا كبيرًا قد انهار، مما يؤدي إلى اهتزاز في ثقة الشعب بنفسه وبمستقبل البلاد.
كما أن الدولة قد تضطر إلى إعادة التفكير في صورتها، مركزها، رموزها، وحتى تعريفها الذاتي كأمة، لأن الركيزة الرمزية التي كانت تمثل “تركيا” قد زالت.

الفكرة الختامية:

نعم، تركيا يمكنها أن تبقى بدون إسطنبول من الناحية التقنية، لكنها ستكون مثل فرنسا بدون باريس، أو روسيا بدون موسكو — الجسد قد يعيش، لكن الروح ستكون قد تغيرت بعمق. وسينبغي إعادة تشكيل هياكل الدولة اقتصاديًا وسياسيًا وثقافيًا وقوميا من جديد كما حصل  حين انشاء هذه الدولة على انقاض الإمبراطورية العثمانية وسيحتاج الاتراك لمساعدة الكورد مثلما احتاجوهم سنة سنة 1923!

(نيسان 2025)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *