تجارب العقود الخمسة الماضية بيّنت بلا أدنى شك أن حكومات المنطقة وتحديداً تركيا وإيران وسوريا والعراق عندما تكون في وضع مريح وفي مأمن من عواصف التغيير وفي حالة من الأمان والأستقرار المطلق لم تدخر هذه الحكومات جهدها في توجيه سهام الغدر والكراهية والتآمر ضد الكورد عامة كأنها فرصة لا تعوض من أجل الإنتقام و التخطيط لمكائد الفتن في إيذاء الكورد ، أما عندما يصيب الهلع هذه الحكومات نتيجة الخوف من المصائب الكبيرة التي تهدد كياناتها ومصيرها نراها تتريث وتلين وتسحب يدها عن الكورد آسفة ، ليبدأ الكورد بعدها فرصتهم في مداواة جراحاتهم وترميم جدران قلاعهم ليصبحوا أكثر قدرة ومقاومة وأكثر صلابة للمواجهات التالية . الكورد يعرفون جيداً بأن صراعاتهم مع حكومات دول الجوار هي صراعات غير منتهية وهذا النوع من الصراعات يستوجب إعادة بناء وترميم الذات مع كل فرصة ممكنة ، ولطالما كانت فرص الكورد قليلة في إعادة بناء قدراتهم ، لكن الحقيقة بعد تعرض محور المقاومة للانتكاسات وظهور المارد الإسرائيلي الشرس وسقوط نظام بشار الأسد وتوتر الأوضاع بالمنطقة وخاصة التوتر التركي الإيراني ثم الأمريكي الإيراني هذه كلها أعطت للكورد متسعاً من الوقت وفرصاً سانحة لإعادة ترتيب أوراقهم بالمنطقة ورفع سقف الثقة بأنفسهم لمواجهة التحديات بأسلوب المجرب الحكيم وقد صاحب ذلك خطوات سياسية هي أكثر من رائعة لم يكن الكورد يجيدونها من قبل ، وأقصد مهادنة أوجلان مع أردوغان ومهادنة مظلوم عبدي مع أحمد الشرع والتفاهم الكوردي الكوردي بين الديمقراطي واليكتي جعلت الكورد في موقع المتحكم ببعض القرارات والقادر على التأثير بمجريات الأحداث بما يتناسب مع التطلعات الكوردية في المنطقة ، فعلى سبيل المثال أصبح للكورد ثقل ورعاية شبه كاملة لسياسات بغداد الخارجية ، وكذلك الحكومة السورية الجديدة أصبحت تعول على الكورد لتقوية نفسها والوقوف على قدميها في مواجهة الأقليات العرقية والدينية فيما راحت إيران تغازل الكورد لقادم الأيام بسبب الضعف الذي أصابها وبسبب علو مكانة الكورد عند قوات التحالف الدولي أما تركيا بدأت جدياً تحسب حساب مهم للكورد مع وجود الضغط الدولي ومع النجاحات السياسية التي يحققها الكورد كل يوم خاصة في التقارب الإستثنائي مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي ومصر والأردن . الأيام والأسابيع القادمة ستكون حبلى بالأحداث خاصة بعد دخول المفاوضات النووية الإيرانية الأمريكية المرحلة الحرجة مما يتيح للكورد مساحات أوسع للإستثمار السياسي لا ينبغي تفويتها تتطلب الانفتاح أكثر نحو دول العالم والمجتمعات الدولية ليتفهم الجميع بأن الكورد كيان كبير لا يصح تجاهله فقد جاء زمانهم بعد تغييب متعمد ظالم ، فهذه ستجعل الكورد محط أنظار العالم أجمع في المستقبل القريب . نجاح المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران ستخدم الكورد كثيراً لأن إيران تأمل من هذه المفاوضات أن تعيد لها أنفاسها وتلبسها ثوب العافية بعد سنين عجاف من الحصار الاقتصادي المدمر والسياسات الفاشلة ، وبالتأكيد ستكون كوردستان جانب حيوي للتنفس الإيراني ( وكم كنا نُمني النفس أن تجري تلك المفاوضات في أرض كوردستان )،، أما إذا فشلت المفاوضات فهذه أيضاً ستخدم الكورد و بشكل أكبر هذه المرة لأن الكل سيكونون بحاجة إلى التعاون مع الكورد نظراً للموقع الحساس الذي تمثله الجغرافية الكوردية التي هي في تماس مع الجميع وخطوط تواصل الكورد موجودة مع الجميع . الكل يعلم أن الحرب المدمرة لا تخدم أحدا أبدا ، لأن الحرب الواسعة ستجعل جميع دول المنطقة في حالة من الشد والترقب والقلق ، وعلى ما أظن فأن فكرة الحرب الواسعة لم تعد خياراً مطروحاً إذا ما ثبت خروج الحوثي معطوباً مشلولاً من ساحة المعركة الدائرة حالياً أي عديم الفعالية والتأثير لأن فكرة الحرب الواسعة كانت أساساً مبنية على مبدأ تعدد الجبهات والساحات وهذه لم تعد قائمة ، إذاً الكورد أمام فرص كبيرة ليكون لهم دور محوري حيوي لكن هذا الدور لم يعطي ثماره مالم يصاحبه تحرك سياسي واسع لتشمل رقعة العلاقات الدولية وتوحيد الكلمة في الداخل وتركيز الإعلام الكوردي حول أهمية وجود الكورد في الأحداث الجارية ولا ننسى أهمية التوعية الثقافية التي تبرز دور الكورد الإيجابي بما يجري ، وأتمنى من جميع المثقفين الكورد أن يبتعدوا عن الخطابات العدائية على الأقل للمرحلة المقبلة لأن التحليل النفسي المنطقي العلمي يخبرنا بأن قادم الأيام ستشهد فيها المنطقة أحداث درامية من العيار الثقيل ربما تجعل الغالبية من سكان وحكومات المنطقة بحاجة إلى الحضن الكوردي ولابد أن يكون هذا الحضن دافئاً لكي يثبت الكورد للعالم بأنهم حاضرون . قد يختلف معي الكثير من الأخوة حول هذا الرأي ، لكن أرجو عدم التسرع في الحكم على ما أطرحه في هذا المقال فأننا مازلنا في البداية وكما ذكرت أعلاه الأيام حبلى بالأحداث ولا يمكن أن تمر مرور الكرام بعد المعارك الطاحنة والخسائر الهائلة بالأموال والأنفس لمن تورط بهذه الأحداث منذ أكثر من عام . قديماً كانت جميع حكومات المنطقة تعول على القوة العسكرية لمنع الكورد من تحقيق أي هدف حتى لو كان هدف معنوي بسيط فيه رائحة الحقوق القومية ، إما الأن كما هو واضح للكل أخذت القوة العسكرية تتراجع أهميتها ودورها في التعامل مع الكورد خاصة بعد أن أظهرت القيادات الكوردية قدرات فائقة في الميدان السياسي والاقتصادي والعسكري ، وقد ساعد التواجد والحضور الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة على فرض أسلوب التفاهمات بدل المواجهات وكذلك الضعف الذي دب في مفاصل دول المنطقة أسعفت الكورد ليأخذوا دوراً أكبر . وأخيراً يمكن القول بلا تردد بأن الأحداث الكبيرة الجارية في المنطقة جاءت كهدية من السماء لتخدم الكورد من حيث لم يحتسبوا فلا عذر للكورد أن لم يستثمروا حصادها .