بصدد “العصفورية السورية”- جان آريان-ألمانيا

كثيرا ما يتأمل المرأ لإعطاء وصف معين للوضع السوري الحالي فتوصلت أنا ايضا إلى التالي:
أن أظبط وأنسب وصف هو “العصفورية السورية” كما أطلقه الاستاذ والأديب السوري الكبير خطيب بدلة!
هنا، يجدر الذكر ثانية، بأن الغرب ساند نسبيا في البداية المعارضة السورية منذ ٢٠١١ لكنه تحفظ لاحقا عن استمرار ذلك الدعم وبالتفاهم مع روسيا ايضا وذلك نتيجة الخشية من البديل الاسلاموي الممكن بعد إسقاط السلطة البعثية السورية هكذا إلى أن  وصل الغرور الشيعي الحد الأقصى خلال سنة كاملة مما أجبر ذلك الغرب/خصوصا بريطانيا وأمريكا/ وعلى وجه السرعة ووفق خطة ذكية وسهلة مختصرة وغير مكلفة نسبيا بتشكيل العصفورية السورية عبر دفعه أخيرا حتى بمجموعات ذات إرث قاعدي داعشي نصروي سلفي ارهابي إلى الوصول الى الشام، وذلك في أعقاب حدوث أكبر خطر شيعي على اسرائيل/أكثر من ألف صاروخ شيعي عليها/ مما إستدعى ذلك البحث عن إحداث خلخلة للنفوذ الشيعي في المنطقة ولو مؤقتا بالتخلي عن سياسة وجوب الحفاظ على التوازن السني-الشيعي في المنطقة وذلك عبر كسر او قطع الحلقة السورية، تدمير العتاد العسكري السوري والتغلغل الاسرائيلي داخل مناطق سورية وبتكاليف بسيطة جدا.
وقد كان الاضطرار الغربي لدفع تلك المجموعات بالمهمة ناتجا عن عدم وجود قوة معارضة منظمة ديموقراطية علمانية مستعدة للتضحية/ الغرب يذكر دوما بأن هذه القوى في الشرق الأوسط تحب الحياة كثيرا جدا ولا تريد الانخراط في العمل الشاق والتضحية/ وكذلك بعد تفكيره بدفع قسد إلى القيام بمهمة الوصول الى دمشق لكنه وجد أن ذلك يعتبر لدى المسلمين مرة أخرى بأن الغرب هو الذي سقط النظام البعثي العنصري الفاسد لكون قسد متحالفا مع الغرب يعني تكرار تجربة أفغانستان والعراق وكذلك لكون الكثير من السنة غير راضين من قسد.
وفي هذا المجال قد هيأ هذا الغرب عوامل تلك الخطة عبر التفاهم مع روسيا لقاء صفقات ممكنة بخصوص اوكرانية وغيرها، توجيه إنذار أحمر جدي من تحت الطاولة لإيران بعدم التدخل هذه المرة لإنقاذ السلطة، اضعاف حزب الله، اختراق صفوف العديد من الضباط السوريين والخطوط اللاسلكية العسكرية السورية وتفاهم جزئي مع تركيا/ هنا يجدر الذكر بأنه ليست تركيا صاحبة الدور الكبير، لكنها وفق عقليتها الغير ذكية تتفاخر بذلك، بينما الغرب الذكي يتحفظ على إعلان دوره الاساسي في ذلك/، وبالتالي كان الحدث، وبالرغم من سعادتنا بإسقاط تلك السلطة البعثية الاجرامية، ولكن بتشكيل سلطة الأمر الواقع لتلك المجموعات الإرهابية قد تشكلت معها العصفورية السورية أيضا!
فالمجتمع السوري بنخبه المتمدنة وبتجاره ومؤسساته الجماهيرية قد رحب وأسعد بزوال ذلك النظام الديكتاتوري الفاسد من جانب ولكنه أصبح محتارا ومندهشا من التبوء السلطوي لتلك المجموعات المتعودة على ثقافة القتل والفدية وجهاد النكاح والتجوال عبر براري بلاد الشام والعراق وقتل المختلف معها وفرض الأسلمة والسلفية، ودون أن يحرك هذا المجتمع ساكنا من جانب ثان، بل وبدأ حتى بعض الأشخاص الاكاديميين بالتكوع السريع والتقرب من أولئك الإرهابيين المسجلين حتى الآن على قوائم مجلس الأمن الدولي والغرب معا، وقد تبين كيفية إجراء مسرحيات مؤتمر الحوار الوطني والاعلان الدستوري والحكومة الانتقالية والمجلس الأمن القومي حيث يأتون ببعض الأشخاص من الشارع ويتحاشون التعامل مع القوى السياسية الديموقراطية والنخب العلمانية المدنية والعسكرية خوفا من التغيير، إعطاء صلاحيات دكتاتورية للجولاني، ارتكاب المجاذر بحق العلويين وتهديد الدروز والكورد بخصوص مساعيهم لتشكيل الإدارات الذاتية او الحكم الذاتي، وبالتالي أصبح من الممكن القول بأن الوضع السوري الحالي يوصف بالعصفورية.
في هذا السياق، لا سبيل لقوى المجتمع المدني السوري سوى التنظيم والتحرك الجاد في العمل الاحتجاجي والعصيان المدني مع الطلب للغرب نفسه المسؤول عن الإتيان بتلك العصفورية ليتحمل تلك المسؤولية الأخلاقية والسياسية بأن يقوم بمعالجتها عبر خطة أخرى أذكى وأسهل وأوفر عبر مساندة النخب المتمدنة العلمانية والجماهير السورية دبلوماسيا سياسيا ودوليا من أجل احداث تغيير ديموقراطي تعددي تكميلي في سوريا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *