تركيا ترسم دورها المحوري في مستقبل سوريا: من دعم المعارضة إلى التأثير المباشر

 

مع سقوط نظام بشار الأسد وصعود الإدارة الجديدة برئاسة أحمد الشرع ، طرحت تركيا نفسها كلاعب رئيسي في المشهد السوري، مستندة إلى الرصيد الذي راكمته منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011. هذا الدور التركي يمتد من دعم المعارضة السورية السياسية والمسلحة إلى التدخل العسكري المباشر عبر عمليات استهدفت وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) ، العمود الفقري لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وصولًا إلى تعزيز نفوذها السياسي والعسكري على الأرض.

الدور التركي في سوريا: من التدخل العسكري إلى النفوذ السياسي

اعتمدت تركيا استراتيجيتها في سوريا على عدة محاور رئيسية:

1. التدخل العسكري المباشر

نفذت أنقرة ثلاث عمليات عسكرية كبرى بين عامي 2016 و2019:

  • درع الفرات (2016): استهدفت “داعش” ومناطق سيطرة الوحدات الكردية شمال سوريا.
  • غصن الزيتون (2018): استهدفت منطقة عفرين التي تسيطر عليها الوحدات الكردية.
  • نبع السلام (2019): استهدفت توسيع نطاق السيطرة التركية شرق الفرات، مع إنشاء “منطقة آمنة” لتسهيل عودة اللاجئين السوريين.

أسفرت هذه العمليات عن ترسيخ مناطق نفوذ تركية شمال سوريا، حيث تمكنت أنقرة من تدريب فصائل مسلحة محلية وإنشاء مجالس إدارية تحت إشرافها.

2. التأثير السياسي عبر مسار آستانة

لعبت تركيا دورًا محوريًا في رسم المشهد السياسي السوري من خلال مسار آستانة ، الذي جمعها بروسيا وإيران كضامنين لوقف إطلاق النار والتفاوض حول مستقبل سوريا. وقد أتاح لها هذا المسار التأثير في القرارات السياسية وضمان تحقيق مصالحها الاستراتيجية.

زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع لأنقرة: رسالة سياسية قوية

تعكس زيارة الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع إلى تركيا، والتي شملت مشاركته في منتدى أنطاليا الدبلوماسي الرابع ، أهمية العلاقة بين دمشق وأنقرة في مرحلة ما بعد الأسد. وكانت هذه الزيارة الثانية للرئيس السوري إلى تركيا خلال أقل من ثلاثة أشهر، مما يشير إلى الدور المركزي الذي تلعبه أنقرة في دعم الإدارة الجديدة.

كما كانت تركيا أول دولة تعيد فتح سفارتها في دمشق وقنصليتها في حلب بعد سنوات من القطيعة مع النظام السابق. بالإضافة إلى ذلك، زار رئيس المخابرات التركية، إبراهيم كالين ، دمشق في الأيام الأولى التي أعقبت سقوط الأسد، مما يعكس رغبة تركيا في لعب دور ريادي في إعادة تشكيل سوريا.

أهداف تركيا في سوريا

تركيا تعتمد بشكل أساسي على الإدارة السورية الجديدة لتحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية:

1. توحيد سوريا ومواجهة الانفصالية

تطالب أنقرة بضمان وحدة الأراضي السورية ومنع أي محاولات انفصالية، خاصة من قبل وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) . كما تسعى لضمان نجاح اتفاق اندماج قسد في مؤسسات الدولة السورية ، وهو ما قد يساهم في حل التوترات مع الأكراد.

2. إنهاء التهديد الكردي

تسعى تركيا إلى إقناع الولايات المتحدة بالتخلي عن دعم قسد ، مشددة على أن هذه القوات تمثل تهديدًا لأمنها القومي بسبب صلاتها بـحزب العمال الكردستاني (PKK) . وفي الوقت نفسه، تعمل أنقرة على إجراء محادثات داخلية مع عبد الله أوجلان ، زعيم PKK المسجون، بهدف حل الحزب وتسليم أسلحته، ما قد يؤدي إلى تحقيق السلام الداخلي ورفع التهديد عن حدودها الجنوبية

3. التعامل مع ملف اللاجئين

تعتبر تركيا أن إنشاء “مناطق آمنة” في شمال سوريا يمكن أن يساعد في إعادة اللاجئين السوريين الذين تستضيفهم، والبالغ عددهم حوالي 3.6 مليون شخص. وهذا يشكل هدفًا رئيسيًا لسياسة أنقرة الخارجية.

الانسحاب الأميركي ومستقبل سوريا

تراقب تركيا عن كثب مسألة الانسحاب الأميركي من سوريا ، وتسعى إلى تسريع الجدول الزمني لهذا الانسحاب. كما تعمل على إقناع واشنطن بأن الإدارة السورية الجديدة، بدعم تركي، قادرة على التصدي لبقايا تنظيم داعش والسيطرة على السجون التي تضم عائلات عناصر التنظيم، والتي لا تزال تحت سيطرة قسد .

التحول في السياسة التركية: من الدعم غير المباشر إلى التأثير المباشر

يبدو أن تركيا تحولت من مجرد داعم للمعارضة السورية إلى لاعب رئيسي يحدد مسار الأحداث على الأرض. ومع دعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب لدور تركي كبير في سوريا، يتوقع أن يكون لأنقرة تأثير حاسم في تحديد مستقبل البلاد، بل وحتى المنطقة بأسرها.

تركيا تضع نفسها في قلب الحل السوري

تتطلع تركيا إلى تحقيق مصالحها الاستراتيجية في سوريا من خلال ضمان وحدة البلاد، إنهاء التهديد الكردي، وإعادة اللاجئين، فضلاً عن تعزيز نفوذها الإقليمي. ومع الانسحاب المتوقع للولايات المتحدة ودعم إدارة أحمد الشرع، يبدو أن أنقرة ستكون لاعبًا رئيسيًا في رسم مستقبل سوريا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *