قد تكون من أكثر اللحظات هزلية في تاريخ السياسة العربية: انعقاد قمة عربية جديدة! القمة الأخيرة في بغداد، التي اختُصرت في ساعات معدودة بدت وكأنها مشهد بروتوكولي باهت خالٍ من الهدف وعديم الجدوى بلا حتى نية خجولة لتحقيق شيء. وكأن الزعماء اجتمعوا فقط ليقولوا لشعوبهم: لا تنتظروا شيئاً منّا.
مجرد “شكراً للحضور“!
لنبدأ بلحظة “الامتنان” فلا بد من توجيه الشكر للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ولـ“الخصم الحليف” تميم بن حمد، أمير قطر رئيس الصومال على تفضلهم بالحضور. وحتى رئيس وزراء إسبانيا بدا وكأنه حضر سهرة لم تُوجه له دعوة. أما البقية؟ فإما تغيبوا، أو حضروا وغادروا سريعاً وكأنهم كانوا في سباق مع الوقت للعودة إلى رفاهية قصورهم.
تبرّع خارج المنطق.
ومن مشاهد العبث أن العراق – المثقل بأزماته الاقتصادية والفقر والبطالة – قرر التبرع بـ40 مليون دولار إلى لبنان وغزة. لبنان الذي لم يُرسل حتى رئيسه، بينما لا يتوقف إعلامه عن مهاجمة العراق. أما بعض الأصوات الفلسطينية فقد اعتادت في فترات سابقة على خطاب لا يخلو من التهجم على العراقيين. فأي منطق سياسي أو أخلاقي يحكم هذه المعادلة؟ شعب العراق يئن تحت الضغوط المعيشية بينما أموال الدولة تُوزع بلا مردود وكأنها مغنم لا صاحب له.
ممثل إسرائيل “حاضراً“!
ولم يكن غريباً أن يظهر محمود عباس الذي يرى فيه كثيرون ممثلًا غير رسمي لإسرائيل ليطلب الدعم لغزة. الرجل الذي طالما هاجم المقاومة أكثر مما واجه الاحتلال عاد بدور الشاكي الباكي يطلب من قمة عاجزة إصدار بيان إدانة أو حتى عبارة تحفظ ماء الوجه.
كلمات بلا أفعال
غزة، لبنان، اليمن، كلها كانت حاضرة في البيانات، لا في النوايا. عبارات جاهزة ومحفوظة: “ندين” “نستنكر“، “نطالب“، و“نهيب“… دون أدنى فعل. لا قطع علاقات لا سحب سفراء، لا عقوبات، ولا حتى تحرك دبلوماسي محترم. مجرد عرض مألوف من مسرحيات القمم التي تعوّد عليها المواطن العربي.
تكاليف مقابل لا شيء
المؤسف أن كلفة القمة من تنظيم وتأمين وضيافة وربما حتى “شراء المواقف” فاقت بكثير أي نتيجة متوقعة. بيان ختامي لا يختلف عن عشرات البيانات السابقة: ممل، مكرر بلا روح ولا أثر. النتيجة؟ لا تهدئة، لا مبادرة، لا موقف موحد.
الشارع العربي.. لا يكترث
اللافت أن الشعوب العربية لم تتابع حتى أخبار القمة. لا فضول، لا اهتمام. فالنتيجة معروفة سلفًا: صفر توقعات وصفر تأثير. المواطن يرى هذه القمم كعروض سيرك سياسي تسليته الوحيدة فيها تكمن في تتبع التصريحات المتناقضة واللقاءات الشكلية.
بهارات خلاصة القول
القمة الأخيرة لم تكن أكثر من مضيعة للوقت والمال والهيبة السياسية. لا عجب أن غادر بعض الزعماء قبل ختامها، فهم – مثلنا – يدركون أن لا شيء سيتغير.