الخيال الخلاق تجديد وتطور فهم الإنسان
بأسلوب جريء ومغامرة أدبية فكرية تكتب الأديبة ” زوزان صالح اليوسفي وهي ابنة المناضل والأديب صالح اليوسفي أول رئيس تحرير جريدة التآخي باللغة العربية في بغداد عام 1967م وكان من مؤسسي اتحاد أدباء الكورد ورئيس اتحاد الأدباء من 1971 إلى نكسة عام 1975 ، وهو من مؤسسي جمعية الثقافة الكردية والذي استشهد غدرا في 25/6 / 1981 م . في قصتها ” الرحلة والحلقة المفقودة التي جعلت بموهبتها الثقافية مميزة تشد القارئ لها ليعيش مجريات القصة ويتخيل أبطالها وهي من قصص الخيال القلق النفسي الاضطراب الذهني بطريقة سلسة وجمالية مثيرة لا تترك القارئ إلا أن يسير معها للوصول والبحث عن النهاية بظروف قاسية بين الفقدان والآلام والحرمان تأتي أحداث الرحلة مؤثرة ومشوقة وإن كانت من وحي الخيال الذي أثبت إن وحي الخيال الخلاق الخصب يروي الإبداع وبأمكنة أن يكون راقيا وإن كانت الرحلة ركزت على شخصية ” ليلى ” في السرد يدنو أسلوبها بنسيج من أسلوب أغاثا كريستي وجاك لدن وفراش كافكا والبير كامو وارنست هيمنغواي وهيتشكوك الذي تذكره في الرحلة ومن هذا السمو الأدبي تحاول أن تجسد قدرات أدبية وخيالا خلاقا بموهبة أنثوية ناضجة في اختيار المدلولات والمفاجآت السردية التي تمد النص بالحركة والتأمل والتفكير إلى أبعد ما يكون وفي نفس الوقت تجعل الحوار أكثر وضوحا للقارئ وهناك رسالة أو فكرة للآخر من خلال طرح تفاصيل الرحلة الدقيقة يستنتجها القارئ من خلال الحوارات وأبطال القصة ، تستهل الكاتبة زوزان صالح اليوسفي في قصتها .
(( استأذنت من زوجي لزيارة أمي التي تبعد مسافة ساعة من مدينتنا ، غادرت البيت في العاشرة صباحا الى محطة المسافرين ، وصلت باكرا وأخذت أبحث عن حافلة الركاب ، كان هناك القليل من المسافرين اغلبهم من الذكور ..)) .
هذا الاستهلال النصي طبيعي الوقع والتأثير جدا لكنه بصيص من التجليات الأولية لرحلة أن يكون أو لا يكون عبر السير في طريق مجهول وشيئاً شيئاً ترتقي لمراتب الوضوح الهادئ لترمي إلى هيئة إنسانية حاضرة دون تحديد شكل التواصل الأولي للغائب من خلال صور تفاصيل المحطة وأسراب الطيور المهاجرة ومنها الغربان التي تملأ وتستقر حينا على أعمدة الكهرباء والتي تشبهها بأفلام هيتشكوك واختيار المقعد بجانب النافذة ومشاركة المرأة بجانبها جميعها صور تعبيرية لرحلة لم تبدأ بعد ومن عنصر المفاجئة المكنون تبدأ باستعمال حاستها السادسة التي لا بد منها في مثل هذه المواقف .
(( حيث لدي شعور قوي من قوة حاستي السادسة في حديثها لبعض المواقف والأمور التي سبق وغن مررت بها … )) .
يستولي عليها الهلع بعد حديث يجسد الغموض والقلق والخوف خاصة في كتاب يتجلى محور الأحداث مع حاملته ” ليلى ” حيث تقول :
(( هناك حلقة مفقودة وغامضة وحقيقية مجهولة ، صدقيني هناك أشياء في هذا العالم ما زلنا نجهل حقيقتها ، هذا الكتاب يحدث عن كثير من الألغاز المحيرة عن الحياة والموت وما وراء الطبيعة عنوانه الحلقة المفقودة …))
وإذا نظرنا إلى الفكر الهائل في تجسيد رؤية القصة كمضمون عميق لوجدنا إن النسبة الأكبر من النص كمشاهدات مضطربة نفسية مرتكزة على تطبيق شيء من الخيال الخلاق لتغدو محصلة نهائية لفهم تجديد وتطور فهم الإنسان لما يدور حوله .
(( على مشارف المدينة كانت توجد مقبرة على جانب اليسار وعندما وصلنا إلى ذلك المكان طلبت السيدة من السائق التوقف …))
نتيجة الاستغراب لنزولها في هذا المكان الموحش هو تخصيص رؤية ما وراء النزول لتوظيف صورة ” المقبرة ” كمكان غريب وذلك إيحاء بالوجود ولا وجود وتفعيلا لرؤية ما لا يرى حيث ينتقل فكر الإنسان من الواقع الى الخيال الواسع خاصة بفقدان الكتاب والبحث عن صاحبته بتفاعل القلق واستحواذ هاجس المجهول عبر السؤال عن المدرسة ومكانها وعدم وجود مدرسة اسمها ” ليلى ” هذه الأبواب النصية المفتوحة للخيال والتأويل والتحليل نتاج يرتقي إلى مستوى إبداعي ، هذا في حد ذاته يحتاج إلى مخيلة صافية تتحكم في النص والحوارات والشخصيات والأحداث وتغور في أعماق النص لتخلق روابط بين الكلمات والأحداث بوعي سليم .
(( كانت لدينا معلمة واحدة فقط اسمها ليلى ، لكنها للأسف توفيت قبل ثلاث سنوات في حادث سير …)) .
بالتالي إن كانت الأحداث خيالية فلابد لها علاقة مكبوتة بالكاتبة بأي صورة كانت من بعيد أو قريب وهي رسالة نصية قابلة لعدد من القراءات والتي تعتمد في عالمها الخيالي على إمكانية تقبل القارئ هذا النص المكبوت داخل نص بمختلف مسمياته الفكرية والمؤثرات الصورية لمحاولة اكتمال جدلية المحدود ولا محدود والخيال ولا خيال إذ ترتقي الكاتبة في القصة لتجديد تنمية ذهن القارئ وثقافته ، تنمية نصية خيالية خلاقة بتتبع مسارات في ترجمة رؤاها إلى إحساس القارئ ليتفاعل مع أحداث القصة ايجابيا أو سلبيا ، فهنا الخيال لا يتشعب بل يتجه لمجهول بمعطيات فكرية قد لا تتناغم هنا وتتفق هناك وهو وارد اليوم إذ وجدت تعددية فكرية جديدة لأسباب عديدة منها الحروب والاضطرابات والفوضى وعدم الاستقرار ، فهذه الرحلة قد تجسد حلقة مفقودة بين القارئ والمجتمع ، بين القارئ والنص ، بين القارئ والخيال بل حلقة لتواصل وتنمية الفكر والوعي بصورة عامة من اجل تمكين الذهن لرؤية ابعد مما يرى رغم وجود عناصر الإيهام والغموض والتساؤل الذي يدفع القارئ لا للتيه في دهاليز الخيال بل لتعمق الرؤية والتركيز بين عالم الخيال والواقع ناجيا من الأفكار الظاهرية وداعية إلى الخبرة والوعي والثقافة وقدرة على معالجة أي نص وهي من جماليات العمل الفني تمكنت الكاتبة القاصة زوزان صالح اليوسفي أن تخلق عالما من الهدوء والغموض والتساؤل والدهشة والاستغراب والمجهول لكن هل ترى هناك حلقة مفقودة بين القارئ والنص وبين النص والإبداع ؟ ستجد الجواب بلا شك بين سطور هذا المقال .
******************************
زوزان صالح اليوسفي
إصدارات :
كتاب،صالح اليوسفي صفحات من حياته مع ديوانه الشعري الكامل 2009م .
مجموعة قصص قصيرة ( نبوءة حلم ) 2010 م .
مجموعة قصص قصيرة للأطفال والناشئة ( حلم الطفولة ) 2012 م .
– جائزة تقديرية في مسابقة جليل القيسي للقصة القصيرة – العراق – عن قصة ( سر سعاد ) 2009 م.
– الجائزة الثالثة ، وشهادة تقديرية في مسابقة نور للأدب العالمي للشعر عن قصيدة : ( إلى غزة .. والى محمود درويش .. وأطفال الحجارة ) – فلسطين – 2010م.
– الجائزة الأولى في مسابقة القصة القصيرة الثانية في ديوان النيل والفرات الأدبي – العراق – عن قصة ( حلم الطفولة ) 2010 م.
– شكر وشهادة تقدير في المسابقة الثالثة لديوان النيل والفرات، – العراق – عن مسرحية ( الأمير نور الدين والشيخ الحكيم ) 2011 م.
جائزة تشجيعية وتقدير مع جائزة مالية في مسابقة الإبداعية لكتابة قصة للأطفال من المدينة المنورة – المملكة العربية السعودية – عن قصة ( حكاية ريم.. ومدينتها المنورة ) 2010 – 2011م.
– الجائزة الثالثة وشهادة تقديرية فيم سابقة نبع العواطف الأدبية الرابعة عن قصة ( يارا وناصر وعهد الوفاء ) 2013م.
– شكر وتقدير في مسابقة الكويت الدولية لتأليف قصص الأطفال في مجال الوقف والعمل الخيري والتطوعي للأوقاف عن قصة ( صابر والحياة نحو الأفضل ).
– الجائزة الثالثة في مسابقة نور السادسة عن قصة ( حلم الدراجة ) 2014م.
– الجائزة الرابعة في مسابقة في ض الخاطر في مسابقة نور الأدب للخاطرة عن خاطرة ( عودة الأمل ) 2014م.
– مجموعة من القصائد باللغة الكوردية..
وجوائز ومشاركات عديدة ..