انتهى الاستفتاء ولم ينفصل إقليم كردستان ولم تظهر الدولة الكردية لكن الذي حدث هذه التداعيات المتوقعة التي حذرنا منها ومن نتائجها إذا لم يتبع طريق طاولة الحوار التي تأتي بنتائج ايجابية تغلق الطريق على الكثير من المشاكل وفي مقدمتها مشكلة الحرب مع الإقليم، فتلك هي الطامة الكبرى ولا يتخيل ” أصحاب العقول المريضة أو الذين يراهنون على إخضاع الشعب بقوة السلاح والعنف ” : أن الحرب ستكون نزهة لصالح طرف دون غيره لأنها بلا ريب ستحرق الأخضر واليابس ولن يكون فيها منتصر أو مهزوم وسيكون الضرر الأكبر حصيلة طبيعية للشعب العراقي بعربه وكرده وتركمانه والكلدواشوريين وكل الأطياف والمكونات الدينية . انتهى الاستفتاء بشكل دراماتيكي وعادت العقول المتفهمة بمصلحة الجميع تلح على الحوار ولا غير الحوار من اجل تصفية الأجواء وخلق قاعدة لإعادة الثقة والتخلص من المشاكل الممكن حلها آنياً ثم التوجه لترسيخها للمستقبل بما فيها التخلص من ارث النظام الدكتاتوري ومن قوانينه وإجراءاته ومن ارث القاعدة وداعش الإرهاب الذي باعتقادنا أن الانتصارات العسكرية الكبيرة غير كافية إذا لم تتماشى معها قوانين وإجراءات جذرية تلاحق المفاهيم والأيدلوجيات المتطرفة، إذا لم يجر وضع برامج حضارية علمية لإعادة الثقة بالمواطن وتحقيق دولة المواطنة، والتخلص من عقلية الاستحواذ والطائفية وبناء الدولة المدنية الاتحادية الديمقراطية وسن القوانين لمصلحة الشعب العراقي وهذا ما دعت إليه القوى الوطنية والديمقراطية وعلى رأسها الحزب الشيوعي العراقي الذي أشار ” 3 ـــ في رأينا أن إعادة تشكيل الدولة الاتحادية مثلما يحدد بناءها الدستور العراقي لعام 2005، أمر لا يصح أن ينفرد به طرف معين. ومع الإقرار بحق هذه المنطقة أو ذاك الإقليم في إجراء استفتاء لاستطلاع آراء مواطنيه والتعرف عليها، تبقى العبرة في كيفية التعامل مع النتائج وتنفيذ ما يترتب عليها، وهي التي تخص الدولة الاتحادية (الفيدرالية) بمجمله”. ولم يكتف الحزب الشيوعي بذلك بل أشار بكل وضوح على قيمة الحوار الوطني الواسع وعدم اختصاره على البعض من القوى السياسية والدينية على أن يشمل جميع القوى الوطنية صاحبة المصلحة الحقيقية في الاستقرار والبناء والتقدم..
” إننا على يقين من أن هذه الأزمة يمكن حلها بالحوار الوطني وفي إطار الدستور، وعبر إشراك القوى ذات المصلحة الحقيقية في بناء عراق آمن ومستقر وسائر على طريق التقدم والرقي. وهذا يتطلب توفر الإرادة السياسية والانطلاق من المصالح العليا للشعب والوطن، وان توضع في الاعتبار كافة الظروف المحيطة والمؤثرة في الظرف الراهنة “.
لقد خَلقَ الاستفتاء أوضاعاً غير طبيعية وزاد من الشقة والتفرقة ولعب المتصيدون في المياه العكرة سياسياً وإعلاميا أدواراً خبيثة بما فيها التأجيج للحرب وشحن الأوضاع السياسية باستخدام العنف المسلح بحجة عدم تقسيم البلاد، والذي يدقق في البعض من الخطابات يجدها تتضمن الرقص على الاسطوانة القديمة بالتخلص من الكرد بواسطة إلغاء الآخر وعدم الاعتراف بحقوقه المشروعة والسعي لإعادة الأوضاع إلى الماضي بفرض شروط غير مقبولة ولا معقولة، ومازال هؤلاء يراهنون على تأزم العلاقات وصولاً إلى أهدافهم بجر البلاد إلى حرب مع الإقليم ثم توسيعها لتكن حرباً أهلية، بينما دعت القوى الوطنية والديمقراطية إلى التأني في اتخاذ القرارات التي لا تخدم ليس الطرفين ” الحكومة المركزية ولا حكومة الإقليم ” فحسب بل ستكون وبالاً على البلاد والشعب العراقي الذي اكتوى بالحروب والقرارات المجحفة. الاستفتاء أصبح كأجراء آحادي من الماضي لكنه يبقى حقيقة لا يمكن أن تلغى بقرار فردي أو جماعي، والمطالبة بإلغاء النتائج كما أشار إليها رئيس الوزراء حيدر العبادي وطبل لها البعض بدون رؤية واقعية أن “شروطنا إلغاء نتائج الاستفتاء وليس التجميد ويجب محو آثاره ولا تفاوض إلا بعراق موحد ذات سيادة وهذا شرطنا وفق الدستور”. نقول بصراحة انه مطلب تعجيزي لأن آثاره ستبقى لأنه رؤيا فكرية شارك فيها مئات الالاف بين نؤيد أو معارض، ونتائجه لن تلغى بجرة قلم وهي باقية في أروقة أكثرية المنظمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني بما فيها الأوضاع القطرية والدولية والمنظمات العالمية وفي أذهان الناس، فإذا ما أسلمنا أن رئاسة الإقليم وحكومة الإقليم أعلنتا الإلغاء فهل سيلغى حقاً وتنساه الأجيال؟ وهل التاريخ سينساه وينسى نتائجه إلى الأبد؟ وما قاله رئيس الجمهورية فؤاد معصوم مستشهداً بالدستور كان صائباً ” أن الاستفتاء في إقليم كردستان العراق إجراء دستوري لكن الانفصال غير دستوري” وأكد ” من الخطأ الاستعانة بالخارج ودول الجوار من أجل تهديد مواطني الداخل” ، وأوضح في هذا الصدد أنه يرى “خطر الاستعانة بدول أخرى على ظن استتباب الأمن، وهذا خطير”. وهو يقصد تركيا التي تحتل البعض من الأراضي العراقية ولديها قاعدة عسكرية وطيرانها يجوب الأجواء العراقية متى تشاء أما إيران فتدخلاتها معروفة ولا حاجة إلى ذكرها فأكثرية الشعب العراقي وقواه الوطنيين تعرفه وتعلم علم اليقين هذه التدخلات وآخرها نشر بتاريخ 5 / 11 / 2017 أن الغد بريس أن” طائرات حربية قادمة من الجانب الإيراني قامت بقصف جبل أسوس التابع لسلسلة جبال (شارباجير) في محافظة السليمانية على الحدود بين العراق وإيران” وهو آمر يتكرر باستمرار بحجة المعارضة الإيرانية.
إذن هل كان الاستفتاء جريمة وطنية وخيانة للوطن أو كارثة مثلما جرى ويجرى لأي مخالفة بالرأي حيث تكال الاتهامات بالإرهاب أو العمالة أو الارتباط بإسرائيل؟ .
الاستفتاء بكل أشكاله حق طبيعي تمارسه الدول والشعوب على أسس وأهداف تخضع لظروف ومتطلبات آنية ومستقبلية ولكل استفتاء مهمة محددة ولكن يجب أن لا تكون فرضية ويحظى بالاتفاق الوطني مع أكثرية القوى الوطنية، ونقول ليس فرضية بالمعنى عدم فرض الأمر الواقع بدون الحساب للظروف الذاتية التي تعني القوى السياسية والاجتماعية داخل البلاد وداخل المكان المحدد ثم عدم الاهتمام بالعوامل الخارجية الموضوعية التي تمثل دول الجوار والمنطقة والعالم ، ومازلنا نعتقد أن الوقت لم يكن مناسباً ولا يمكن أن يحقق نتائجه التي خلقت أوضاعاً استثنائية، وبمجرد الإعلان عنه وقفت بالضد منه أكثرية القوى والدول ولم يحصل على أي تأييد لا معنوي أو مادي ولم يحصل على توافق وطني وقومي داخلي أو توافق دولي في مقدمته رفض مجلس الأمن في 22 من سبتمبر/أيلول/ 2017، مع العلم أن الدستور العراقي الدائم لا يذكر موقفاً مضاداً لقيام الاستفتاء مثلما حاول البعض الادعاء والتفسير حسب هواه وحسب متطلبات سياسية هدفها تشويهه، والاستفتاء لا يعني بالضرورة تحقيق نتائج فورية وقد يكون لاستبيان الآراء ويكون من الأفضل إذا ما يتم الاتفاق عليه في حالة تقرير المصير والحقوق القومية أو الدينية والعرقية…الخ إلا أن الانفصال أو قرار قيام دولة يحتاج إلى ظروف ذاتية وهي وحدة القوى السياسية الفاعلة والتفاف الجماهير حولها ثم الظرف الخارجي الموضوعي أي الرأي العالمي والقطري ونسبة الدعم والمساندة والتضامن إضافة إلى التفاهم والحوار مع الطرف المباشر ضمن البلد الواحد وهذا ما دعا إليه وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون” إلى إطلاق حوار سياسي بين أربيل و بغداد بهدف حلّ المشاكل بين الجانبين” فضلاً عن دعوات من قبل الاتحاد الأوربي ومجلس الأمن وغيرها
اليوم وبعد أن انتهت عملية الاستفتاء وظهرت حقائق جديدة كان المفروض رصدها منذ زمن بدلاً من الاستخفاف وسد الأذان وإيجاد الطريق الصحيح طريق الحوار الموضوعي الذي يحقق التفاهم والوصول إلى قواسم مشتركة تخدم العراق، وليكن في علم من يسعى للاستمرار في رفع الشعارات المعادية أن الأوضاع الداخلية مازالت هشة وقلقة وفيها من المطبات العديد والتي تنتظر اشتداد الخلافات بين الحكومة المركزية وأطرافها ومع حكومة الإقليم والشعب الكردي لكي يتحركوا أكثر ويخربوا أكثر حتى لو دمر العراق برمته، والذين كانون يراهنون على الأوضاع الداخلية في الإقليم وعلى الأوضاع الخارجية فهناك تغيرات نحو الإصلاح والتصالح وهو اختيار وطني مسؤول ، كما أن الموقف الدولي تغير بشكل كبير عما قبل الاستفتاء ونتائجه فقد شدد على نبذ الحرب مع الإقليم وتبني لغة الحوار ورفض أي عمليات عسكرية مع الإقليم وحذر من نتائجها لان هناك تعاطف مع دعوات الإقليم للحوار والتفاهم بدون التأكيد على الاستفتاء ومناقشة نتائجه خير مثال على مشاركة التحالف الدولي بزعامة الولايات المتحدة في المفاوضات بين الحكومة المركزية والإقليم لإيقاف الحرب وكشف خسرو عبد الله النائب عن التحالف الوطني في 4/تشرين الثاني / 2017 عن ” وضع خطط لانتشار قوات البيشمركة والجيش العراقي في المناطق المتنازع عليها وفقا ً للدستور، بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، تجري حاليا ً بين المسؤولين الأمنيين من الطرفين، وقوات من التحالف الدولي ضد الإرهاب”.
نقول بمسؤولية وطنية حريصة أن الفرصة متأتية لإقامة السلام وعقد اتفاقيات وفق الدستور العراقي ولجم القوى المتطرفة والطائفية وتدارك الأزمة الأخيرة ومثلما أكده الحزب الشيوعي العراقي ” التوجه الجاد نحو معالجة أزمة الحكم أساسا، القائم على المحاصصة الطائفية – الاثنية، ونبذ المنهج المتبع الذي لم يوفر، كما بينت التجربة الماضية، ضمانات وإمكانيات الحؤول دون تكاثر الأزمات” إن دعوات الإقليم للحوار لحل المشاكل والأزمة الراهنة بدون شروط مسبقة وضع الكرة في ساحة رئيس الوزراء حيدر العبادي من اجل التحرك الجدي لسد الطرق أمام التدخلات الخارجية وفي المقدمة تركيا وحكومة اورغان وإيران، وأمام القوى الكارهة لوحدة العراق الفيدرالي الديمقراطي المدني.