أتذكر ، حينما كنّا في الدراسة المتوسطة أبان السبعينات من القرن المنصرم وتحديدا ً في قضاء الشيخان ، حيث ولحد الآن من المدن والقصبات ، التي كانت عَلى القائمة الرئيسيّة للوفود المتفاوضة مع الحكومات المتعاقبة في بغداد ، دافع القادة الكورد عن كوردستانية هذا القضاء وجل المناطق الأخرى ومنها مدينة الذهب الأسود ( كركوك ) ، حيث للأسف طبعا ً ، بأن هذه المناطق باقية ولحد الآن تحت رحمة المادة 140 من الدستور العراقي ، حيث خلطت الأوراق لأكثر من مرة حول الحدود الحقيقية الفاصلة بين إقليم كوردستان وعراق المركز … نعم حينذاك وفِي قضاء الشيخان وبعد إتفاقية آذار عام 1970 والهدنة ذات الأربع سنوات ، وحتى بعد انهيار الثورة الكوردية بموجب إتفاقية الجزائر عام 1975 ، حصلت جملة من المتغيرات في المنطقة حينذاك ، منها تدريس مادة خاصة باللغة الكوردية في المراحل الدراسية الابتدائية والمتوسطة وربما في مراحل دراسية أخرى ، هذا بموجب الخطوط العريضة المتفقة عليها بين النظام العراقي والقيادة الكوردستانية ، بقت البعض منها قابلة للتطبيق حتى بعد عام 1975 ، وتطبيق الحكم الذاتي ( الكارتوني ) مع شخصيات كوردية أخرى محسوبة على ومن صنع النظام البائد في أربيل والسليمانية ودهوك …
إذن ! حتى نلخص الموضوع ، سنقفز على مراحل ( عقود من الزمن ) ، لا سيما بعد سقوط بغداد عام 2003 ، وحدوث أزمات عصفت بالظروف الأمنية للعراق ، تغيرات سياسية وديموغرافية أيضا ، خاصة ً بعد دخول داعش الى العراق من سوريا ، لتخلط الكثير من الأوراق ، حيث خضعت غالبية المناطق المتنازعة تحت سيطرة وإدارة حكومة إقليم كوردستان بشكل أو بآخر …
هنا وفِي مجال التربية والتعليم ، انقلبت الآية تماما ً ، حيث تم تعميم وانتشار المدارس الكوردية ( بقاء مادة مهملة لتعليم اللغة العربية ) في الكثير من هذه المناطق وخاصة ً ذات الكثافة السكانية للمكون الأيزيدي ، للأسف طبعا ً بدأت المدارس العربية تغلق أبوابها تماما ً في البعض الكثير من القرى والمجمعات والأيزيدية ، في اعتقادي بأن مثل تلك أو هذه الخطوة لم تكن موفقة تماما ً ، كان المفروض بقاء المدارس العربية ، وفسح المجال أمام الذين ينوون التعليم في المدارس الكوردية لحين حسم مستقبل مثل هذه المناطق سواءا ً بإحياء المادة 140 أو بإجراء آخر ، حيث للأسف وفِي أقضية شنكال والشيخان وتلكيف وحتى بردرش ( بعشيقة تابعة ً لها ) ، وفِي هذه الأقضية ذات التواجد للمكون الأيزيدي ، تم افتتاح مديريات للتربية في كل قضاء ( مرتبطة بالمديرية العامة في دهوك ) ، تعنى بإدارة المدارس الكوردية في هذه المناطق ، علما ً بأن هذا التعميم ( المدارس الكوردية ) ، لم تشمل أو بالأحرى لم يقبلوا بها الأخوة المسيحيين إلا بما ندر في قضائي تلكيف والحمدانية ، حيث بقت غالبية المدارس العربية مفتوحة الأبواب في الحدود الإدارية لهذين القضائين ذات الكثافة السكانية للمكون المسيحي …
إذا ً ! طالما كان الصراع مستمرا ً والمواد الدستورية لم تطبق ، لا سيما المادة 140 الخاصة بالمناطق المتنازعة عليها ، منها غالبية المناطق ذات التواجد الأيزيدي من شنكال والقوش والشيخان وبعشيقة ، كان المفروض والأولى بالقيادة والإدارة الكوردستانية في أربيل مراعاة تلك الإجراءات المتخذة حيالها ، لا سيما في مجال التربية والتعليم ، بعد فتح المدارس الكوردية إلى أن تم إلغاء المدارس العربية فيها ، حيث من الجدير بالذكر ، بأن كان هنالك اعتراض من قبل بعض الشبان الغيورين والمتحمسين لمبادئهم ولبني جلدتهم ، قالوا بأن هذه الإجراءات وحسب قناعتهم حينذاك بأنها خاطئة ، هذا ما حدث في إحدى القرى الأيزيدية في الحدود الإدارية لناحية القوش ، واعتراضهم على محو المدارس وحتى مادة اللغة العربية في مناطقها … لكن ! للأسف تعرض هؤلاء الى المسائلة من قبل الأجهزة الأمنية ( الآسايش ) حينها ، من يدري ربما تعرضوا الى الضغوط وأساليب أخرى ، مما كانت تلك الإجراءات وراء هروب هؤلاء من الديار الى الشتات في بلاد الغربة بعد الخلاص من قبضتهم …
بعد مرور أكثر من أربعة عشر عاما ً على سقوط بغداد ، أرادت البعض الكثير من القادة الكوردستانين بقيادة رئيس إقليم كوردستان السيد مسعود البارزاني على إجراء الاستفتاء في إقليم كوردستان ، من ضمنهم المناطق المتنازعة عليها ، هذا رغم التحذيرات والتوصيات والقرارات والتهديدات من الكثير من الجهات ذات العلاقة في عموم العالم ، منها الامم المتحدة ، مجلس الأمن الدولي ، الاتحاد الأوربي ، كلهم أجمعوا بعدم الإقدام على مثل هذه الخطوة ، حيث تفوح منها رياح الخطورة على مستقبل إقليم كوردستان ، هذا ناهيك عن المعارضة المشددة من عراق المركز ذات الشأن ، الدول الإقليمية الحدودية منها تركيا ( صديقة نفط الإقليم ) ، وحتى الدول العربية ، نعم جلهم أعترضوا على مثل هذا الإجراء …
خلاصة القول … بعد الاستفتاء ، وقرار الحكومة الاتحادية ، بإخضاع كافة المناطق المتنازعة عليها تحت سيطرتها وإدارتها ، بدأت في كركوك وثم شنكال وبعشيقة ومخمور والزمار و … و … ربما سيصلون الى الخط الأزرق ، المرسوم للإقليم بعد الانتفاضة الآذارية عام 1991 ، أثر الهجرة المليونية الى تركيا وإيران ، والحماية الدولية من التحالف الدولي حينذاك بموجب قرار أممي …
إذن ! ما هو مصير طلبة المدارس الكوردية ، لا سيما طلبة المكون الأيزيدي ؟ خاصة ً بعد نفاذ المدارس العربية ، وبعد خضوع مناطقهم لسلطة عراق المركز ، حيث على حد علم الجميع ، بأن الدولة ستقوم بإعادة فتح المدارس العربية في كافة المناطق المتنازعة عليها ، لذا من المؤسف جدا ً ونتيجة السياسة الخاطئة ، أن تذهب مستقبل الطلبة وسنوات الدراسة سدى ً …
بقي أن نقول ، بأن الذي يتحمل المسؤولية ليست الإدارة الكوردستانية فحسب ، بل تتحمل القيادة الدينية الأيزيدية ( المجلس الروحاني واللجنة الاستشارية ) الموالية غالبيتها للأحزاب الكوردستانية ، لا سيما الحزب الديمقراطي الكوردستاني … هذا يعني بأن المكون الأيزيدي المغلوب على أمره ، يعاني وبامتياز من أزمة القيادة وعلى مدار عقود من الزمن ، مرتبطة ً مصالحها ، بكل الأحداث والمراحل مع الحكومات المتعاقبة في عراق المركز سابقا ً ، ثم حكومات وأحزاب إقليم كوردستان لحد الآن وعلى حساب أبناء جلدتها ، هذا ما نأسف عليها …
9 / 11 / 2017
h.nermo@gmail.com
www.hnermo.blogspot.com