منذ دخول القوات الشيعية “العراقية” الى مدينة كركوك قبل شهر، بفضل عامل الخيانة والنكاية والصراع على النفوذ، الذي ينخر في جسد السلطات الكردية، والقائمين عليها من العائلتين المتحكمتين بمقاليد الحكم في إقليم جنوب كردستان، والسلطات المركزية تمارس سياسة الإذلال والتشفي بحق الشعب الكردي. حيث أغلقت الحكومة العراقية أجواء الإقليم أمام الملاحة الجوية الدولية، وغلق العديد من المنافذ البرية، ومصادرة رزقه الوحيد أي البترول، وقطع رواتب الموظفين وقوات البيشمركة، وأخيرآ ليس أخرآ تخفيض حصة الإقليم من الميزانية العامة للدولة من 17% الى 12%.
الكرد حاليآ في مرحلة الصدمة، ويحاولون إستيعاب نتائج هزيمتهم المخزية والغير متوقع أساسآ. إن ما يوحد عموم الشعب الكردي في هذه المرحلة، هو إحساسه بالمرارة والغضب الشديد تجاه قياداته الحالية والساقطة أخلاقيآ. إن لهجة التشفي، التي يتحدث بها قادة الشيعة، من مسؤولين حكوميين ونواب، وقرارات الحكومة التي تتعمد إذلال الكرد، يزيد من إتساع الفجوة بين الطرفين.
إن موجة الفرح والبهجة التي تسيطر على تصريحات المسؤولين الرسميين الشيعة في العراق، وكتابات كتابهم وتعليقات صحفهم الساخرة من الكرد، تدل وبشكل قاطع على النشوة التي يحسون بها، كيف لا وهم الذين إستعادوا مناطق مهمة شاسعة وغنية، دون إطلاق رصاصة واحدة. سياسة التشفي هذه، والهادفة إلى زعزعة نفوس الكرد، كفيلة بزيادة الحنق والحقد الكردي على العراقيين بسنتهم وشيعتهم ومعهم العراق، وتشعره لا مكانة له في هذا البلد، إلا كعبد ذليل ومواطن من الدرجة الثانية، لا حقوق له ولا هوية قومية.
إن وضع الكرد بعد هذه الهزيمة الأخيرة، تذكرني بحال العرب المخزي بعد حرب الأيام الستة، أي حرب تموز عام 1967، ضد اسرائيل، والتي خسروا فيها كامل سيناء، وهضبة الجولان، والضفة الغربية كاملة، إضافة للقدس الشرقية. ومع ذلك حاول بعض الساسة العرب حينذاك، تسويق الهزيمة على أساس أنه إنتصار، لأن النظام في كل من سوريا ومصر لم يسقط، وهذا ما كان يهدف إليه اسرائيل حسب إدعاءات اولئك الساسة المنافقين وعديمي المسؤولية. وهذا ما يسعى إلى تسويقه اليوم بعض السياسيين الكرد المسؤولين عن الهزيمة، ومن بينهم نجيرفان البرزاني وقباد طالباني للشعب.
الغريب بعد كل ما حدث في الإقليم، وخسارة الكرد لمكتسبات هائلة، لم نشاهد خروج مظاهرة واحدة، ضد الطغمة الحاكمة العفنة، وتطالب بتقديم المسؤولين عما حدث إلى المحاكمة، والمطالبة برحيل كل القيادات الحالية الفاسدة، والتي تعود حكمها إلى خمسة وعشرين عامآ خلت. لم يحدث ذلك في السليمانية، ولا في عاصمة الإقليم هولير، ولا في دهوك وكركوك. وكأن الأمر لا يعني الشعب الكردي، لا من قريب ولا من بعيد!!!
والأنكى من ذلك، هو تبرير بعض المثقفين والكتاب الكرد، لإؤلئك المسؤولين عما فعلوه والفساد المستشري في جسد السلطة الكردية، بدلآ من القيام بنقدهم والمطالبة بمحاسبتهم وإنهاء ثنائية الحكم العائلي البغيض بشكل نهائي. والقيام بإجراء مراجعة نقدية شاملة وموضوعية لهذه التجربة، والتي يعود عمرها إلى عام 1991.
بهكذا مجتمع خامل، ومعارضة ضعيفة وهزيلة، وبطبقة مثقفة إنتهازية همها الوحيد المحافظة على مصالحها الشخصية، كالموجودة حاليآ في جنوب كردستان، لا يمكن إنهاء تلك الحالة المأساوية، التي يعيشها الكرد هناك. ولا رفع المهانة عنهم، جراء ضياع الكرد “للمناطق المتنازع عليها”. ومن هنا لا أجد بصيص أمل في حدوث أي تغير جدي في المشهد القاتم، الذي يعم الإقليم في المدى المنظور.
23 – 11 – 2017
فعلا غريب جدا، وكأنه لا يوجد شعب ونخب في اقليم كوردستان، والكل يشعر منذ عقود الفساد الهائل والنهب المليوني والهيمنةالعائلية القبلية لآل برزاني وطلباني، واخيرا وليس باخر هو الكارثة الاخيرة والتي ارجعت الاقليم الى المربع الاول!