رواية وتاريخ وعشق وتراجيديا وإعتقاد ديني, أَوجز فيها الأُستاذ الفاضل, المُؤلّف حمودي عبد محسن الفولكلور الئيزدي وقصصه, فمزجها كُلّها في تجانس أدبي بديع قل نظيره وبأسلوب مأساوي صوفي ديني لم يسبقه إليه أحد, عرض فيه جزءاً من التاريخ وجانباً من المعتقدات الدينية التي لم يُحِط بها كثير من الئيزديين المُهتمين وهم أصحاب الشأن ، وقد وفّق في عرضها توفيقاً ممتازاً, على قدر ما توفّرت له من مصادر أملت عليه إنطباعاً مُعيّناً, وإن لم يعرض كامل الحقيقة أو شابها بعض الثلمات ، فقد بدا لنا أنه كان أسير إعتقادٍ خاطئ في بعض الملاحظات والأفكار عن الئيزديين وتاريخهم ودينهم, قد ترسّخت عنده قبل معرفة الئيزديين, وقد حصل عليها من كتب التاريخ العربي الإسلامي القديمة, الذي لم يكتب شيئاً صحيحاً عن الشعوب التي زحف عليها ، كُنت أتمنى أن يتصفّح الأستاذ بعضاً من مؤلفات الدكتور طه حسين لعلها كانت تفيده في فهمٍ أفضل للتاريخ الذي صنعه السيف, فتساعده على إعادة قراءة تاريخ الشرق الأوسط بعد الإسلام وتقييمه,خاصة ما يخص التاريخ الئيزدي .
إنه مجهودٌ كبير نشكره عليه كثيراً رغم الأخطاء التاريخية التي وردت بين سطور الكتاب, سواءٌ أكانت ناجمةً عن جهل مصدره الئيزدي بها أم من مصادره السابقة, ما أجبرنا على ذكر بعضٍ منها وتوضيحها فهو تاريخنا وعلينا مسؤوليّة إظهار حقيقتنا كاملةً صريحة : ــ
1 ـ في ص 69 يُريد أن يربط السرصال الئيزدي بأحداث عربية لا علاقة لنا بها غير المآسي, وزهرة النيسان يُنسبها للنعمان على أساس إسمها العربي شقائق النعمان دون أن يعلم بان سكان بعشيقة لم يكونو يتكلمون العربية قبل الزحف الإسلامي, وحتى بعد تعريبهم على يد الرشيد في العهد العباسي فهم لا يُسمونها شقائق النعمان إنما زهرة النيسان ، ثم قصة هند بنته التي إختلقها التاريخ العربي لا أساس لها من الصحة, الحقيقة أن أسرة الملك خسرو برويزقتلته فور عودته من حروب الروم وتقاتلت فيما بينها حتى لم يبق وريث للتاج ، بحيث قتل وأُطيح ب12 شاهاً خلال 5 سنوات فهجم عليهم العرب ولم يكن هناك جيش ساساني يتصدى لهم فهربوا من نواحي الكوفة قبل القادسية بخمس سنوات في 630 ميلادية في ذي قار .
2 ـ في ص 81 يذكر أن الثور يُقدّم قرباناً لمردوخ في عيد للبابليين وترمي جثته في الفرات ، وما شأننا به ؟ جميع الشعوب القديمة تقدم قرابينها للآلهة التي تؤمن بها وفق طقوسها وعلى مزاجها ، أكيتو هو ليس سرصالأ ، كل شعب له طقوسه وأعياده سواءٌ أأتفقت زمنياً أو تقاربت فهي ليست معجزة, كلها في دائرة السنة التي لا تزيد على 366 يوماً وهناك المئات من الشعوب والطوائف ولكل منها عشرات المناسبات معظمها تتركرز في التحولات المناخية الفاصلة, لاسيما أن الإقتباس بالتجاور يحدث بين الأُمم وأن الكيشيين الكورد ( الآن ئيزديون ) قد سكنو وحكموا في بابل جنباً لجنب مع الساميين، ومنهم إقتبس حمورابي شريعته من إله الشمس ئيزيد ، زروان , وسماه مردوخ بلغته فالمعروف أن الشعوب الساميّة لم تُقدّس الشمس كأعظم إله عدا حمو رابي هذا ..
3 ـ في ص 100 س 16 ــ 19 ( ….. يسجيه إخوته على المصطبة لتأكل لحمه النسور … لأنهم كانوا يعتقدون أن الأرض طاهرة …. والجثة غير نقيّة … ) كنت أتمنى من الأستاذ لو تفضّل وذكر لنا إسم دليله إلى تلك المصطبة ومصدر معلوماته عنها ، فكان بذلك يُساعدنا على إلقاء المزيد من الضوء على تاريخنا ويُسهّل لنا كشف الحقائق الضبابية والغائبة ، إن ذلك كان في زمن سحيق سبق تعريب بعشيقة وبحزاني بكثير, ولابد أنها كانت مرحلة سابقة للدفن عندما لم تكن هناك عُدد للحفر في تربة شمال العراق الصلبة بينما في جنوبه كانت رخوة يسهل حفرها بأبسط عظمة ولذلك السبب فقط, عُرف الدفن ومن خلاله العالم السفلي في جنوب العراق في وقت أبكر من شماله بكثير .
4 ـ في ص 140 يذكر (… الملك الأصفر …الظالم داريوس كانت له بنتاً تزوجت من مناوئ إسمه محمد بعد قتله …. )
بدايةً : الأصفر هو ليس أصفر ، والفرق بينهما كبير ، الاصفر هي صفة لملك إيراني يعبد الشمس الصفراء فهو مجوسي وكافر ، أما أصفر فهو إسم علم عربي لإنسان ، يُذكر في القصص الئيزدية التاريخية أنه كان قائداً كبيراً يُقاتل للروم الكًاور ضد الساسان ( الئيزديين الآن ) قبل الإسلام, ربما كان من عرب الغساسنة, وبحسب ما يُذكر في قصصنا ، قتله صهر كسرى أنو شيروان الساساني الذي عاش في أواسط القرن السادس الميلادي ويُسمى عندنا وعند الشيعة بكسرى العادل بينما جعل السنة عُمر بن الخطاب مكانه ، وكان البرهان على من قتله هو رفع رأسه عن الأرض فرفعه حمزة البلوان وهو إسم مُبدّل بسبب التعريب القسري للدين والأسماء واللغة بعد الإسلام ، أسم حمزة لم يكن وارداً بين العجم في ذلك الزمن ولا إسم محمد ولم يكن عم الرسول قد ولد من أمه بعد ، وبذلك نال يد ميهري مينكًار إبنة نوشي روان المشهور جداً عند الئيزديين حتى اليوم ، كذلك إسم داريوس / داريوش ليس غائباً في التراث القصصي الئيزدي وهو يُذكر بلقب درويش آدم وهو الجد الأعلى لبيت الإمارة الئيزديّة ، كما أن داريوس الأخميني, الميدي الأصل, هو نفسه الجد الأعلى للأُسرة الساسانية الحاكمة …..… التاريخ الئيزدي بحاجة إلى دراسة مستفيضة إختصاص بتعمّق وفي إيران بالذات .
5 ـ في ص 254 يذكر أن القوّال الكبير في أثناء دُعائه يقول ( .. ساعدوا الفقراء والمحتاجين من أبناء أُمّتكم …. ) هذا ليس دُعاءً ئيزديّاً فللدعاء صيغة خاصّة عندنا مهما كان, وهي : أولاً الدعاء لجميع المخلوقات ثم لجميع البشر ثم للئيزديين ثم لنفسك هذه هي الصيغة المتبعة بغض النظر عن المواقف الإستثنائية ، التي لا ينجرّ إليها إمام ديني عام ، أما طلب المساعدة لفئة معيّنة كالاقارب أو مجموعة منكوبة كما حدث في سنجار ، فهي توصيات ونداءات وليست أدعية ، ولا تكون في لالش أو بيوت العبادة تخصيصاً, إنما في كل مكان عام أو خاص
6 ـ في ص 261 يصف القاباغ فيقول ((….. .حتى فقد الثور نفسه تحت ضربات السياط …… )) وهو على المذبح, وكأنه يُعاقب الثور المقدس على تمجيده ، هذه بالضبط كلمات المرحوم عبدالرزاق الحسني المعروف بإنحيازه الشديد ضد الئيزديين إقتطفها من كتابه (اليزيديون في حاضرهم وماضيهم ) وقد علقنا مراراً على هذه الإتهامات والإدعاءات الباطلة, الشباب يُوجهون الثور في طريق غير معروف ومحاط بجموع غفيرة وسط الهرج والمرج فيخرج عن المسار فيوجَّه بأية وسيلة كانت وليس الضرب من أجل الضرب ولا ضرب بعد وصوله الهدف نهائيّاً .
7 ـ للأديب الحق في إبتداع ما يشاء من وسائل التعبير والتشبيه يُزيّن بها كتاباته ونحن لا نلومه على إبتداع المخطوطين بل لتخصيصهما لفرمانات محددة متحيّزة ضد الكورد والعثمانيين وبدردين الأرمني الأتابكي وغض النظر عن ستمئة سنة من فرمانٍ واحد متواصل أسوأ من فرمان داعش بكثير في عهود الخلافة العربية : الراشدي والأُموي والعباسي حتى تمت تصفية الئيزديين الداسنيين من جنوب ووسط العراق وأسلم من بقي هناك واستعرب, وما بقي بدينه إلاّ من هرب إلى الجبال حيث هم الآن بمن فيهم القلة القليلة المستعربة الناجية بدينها من أكراد الموصل المستعربين الذين طردهم لُؤلؤ وتعقبهم وكاد أن يقضي عليهم جميعاً لولا نجدة هولاكو فاستقروا في بعشيقة وبحزاني حتى اليوم .
حاجي علو
5 . 3 . 2018