منذ اكثر من سبع سنوات ومهرجان القتل وسفك الدماء مستمر في سوريا تحت مسميات متنوعة بتنوع مكونات المنطقة وإنتمائتهم العرقية والإثنية والدينية والطائفية , دوامة القتل في سوريا ما هي إلا حلقة من سلسلة طويلة من الحروب في منطقة الشرق الاوسط , فقبل الحرب السورية كانت الحرب العراقية , واللبنانية وغيرها من الحروب التي رح ضحيتها الملايين من البشر , ومن يراقب مجريات المنطقة لا يجد صعوبة للوصول لنتيجة مفادها بأن ثمة حروب قادمة لا يعلم بنهايتها غير الله , وما هذة الحروب إلا إمتداد لحروب وصراعات جذورها ضربة في عمق التاريخ
لعله من السذاجة القول إن أسباب شلالات الدم هذة هي التدخلات الخارجية وأطماعهم في نهب ثروات المنطقة على الرغم إن التدخل الخارجي ظاهر للعيان في تأجيج هذة الصراعات , ولكن التدخل الخارجي وأنظمة الاستبداد ماهي إلا نتيجة وليست الأسباب , وأختفاء هذة النتائج مرتبط إرتباطاً وثيقاً بأنتهاء المسبيبات الحقيقية لهذة الصراعات .
التنوع الاثني والانتماءات الدينية والطائفية في منطقة الشرق الاوسط تربة خصبة لزرع روح العصبية والتطرف بين هذة المكونات , هذة العصبية الانتمائية وبكافة اشكالها كانت ولا زالت من أهم مقومات قيام الانظمة الاستبدادية , والعلاقة بين انظمة الاستبداد والعصبيات القومية والدينية علاقة وجودية متلازمة بحيث لا يمكن وجود إحداها دون الاخرى , ففي المجتمعات المنفتحة على الاخر والتي يسود فيها قيم العيش المشترك لا يمكن للاستبداد بالظهور والنمو, وكذلك وجود الاستبداد متلازم بوجود الحروب فبدون الحروب لا يمكن للمستبد السيطرة على الشعوب وحكمها ومن أهم مرتكزات المستبد هو بث شعور التعالي والتمايز على الاخر من جهة ومن جهة اخرى بث الشعور بالخطر من الاخر الشرير الذي يريد القضاء عليه , اما التدخلات الخارجية تكون من خلال التحالفات التي يحتاجها المستبد في حروبه المقدسة التي تأخذ اشكال متعدة منها الحروب الباردة أو اللا حرب واللا سلم أو الحروب التقليدية التي يذهب ضحيتها الملايين .
الإعلان عن تأسس حزب سياسي في مدينة الرقة السورية تحت اسم حزب سوريا المستقبل قد يبدو خبراً مألوفاً وسط الكم الهائل من التفريخ للمنظمات والمجموعات السياسية والمسلحة على مر الازمة السورية ولكن ما يلفت النظر لظهور هذا الحزب وحسب المعلومات المتوفرة إن هذا الحزب سيكون الجناح السياسي لقوات سورية الديمقراطية التي لها تجربة ناجحة نسبياً في نشر قيم العيش المشترك والتعددية في شمال سوريا , وخاصة إن الحزب يضم طيف واسع من مكونات الشعب السوري , ولكننا ايضا لا نستطيع الافراط في التفاؤل حيث إن الحزب لا يملك عصة سحرية توقف نزيف الدم السوري , والمهاهم التي أمام الحزب ليست بالسهلة على الإطلاق , حيث إن مستبدو المنطقة في أوج نشاطهم في نشر روح الكراهية بين شعوب المنطقة وإفتعال حروب لا نهاية لها فمنهم من يريد إستعادة أمجاد السلطنة العثمانية ومنهم من يريد نشر رسالة العرب الخالدة , ومنهم من يريد إحياء أحقاد طائفية وخوض حروب مقدسة إلى ما شاء الله , كما إن تجربة كهذة سوف تشكل خطراً على كل مستبدي المنطقة وسوف يتكتف الجميع لخنقها في مهدها, فضلاً عن إن نشر قيم التعددية وثقافة العيش المشترك بين مجتمعات أدمنت التعصب تحتاج لجهود جبارة في كل المجالات منها السياسية والإعلامية والثقافية , نحن بجاجة إلى ثورة حقيقية تبداء من دخل عقل الإنسان السوري .
هل ستنجح هذة التجربة في أن تكون الخطوة الاولى نحو سوريا المستقبل ؟ نتمنى ذلك مع العلم إن الامر يحتاج إلى ما هو أكثر من التمني , وهو الدعم والعمل على مساندة اي تجربة تسير بنا نحو مجتمع معافى من العصبيات والهويات الانتمائية