تشهد المناطق الكوردية في كل من جنوب وغرب وشرق كوردستان موجة حرائق تلتهم الاخضر واليابس من المحاصيل الزراعية، والقرى المتاخمة لها، وتحت الانظار الدولية والاقليمية دون اي حراك وسعي منها ومن المنظمات الدولية لوضع حد لتلك الحرائق التي التهمت لحد الان الاف الهكتارات من الاراضي الزارعية، وتتباين الاراء حول مسببي تلك الحرائق، بين من يرى انها من اعمال داعش الارهابي، واخرون يرونها انها ممنهجة ومنظمة وموجهة من قبل السلطات والحكومات المعادية للكورد في اجزاء كوردستان المقسمة، وهناك من يرى بانها مفتعلة من قبل بعض الاشخاص الخاضعين لاجندات فكرية وحزبية معادية للتوجهات الكوردية الساعية لنيل الاستقلال ونيل الحقوق القومية، وفي كل الاحوال يبقى هناك عامل مشترك وهو ان المتضرر الوحيد من تلك العمليات ” الحرائق ” هو الكوردي او لنقل الفلاح الكوردي الذي كد واجتهد وصارع الوقت من اجل الزرع ليحصد فيما بعد ثمن ذلك الكد.
تنتشر في وسائل التواصل الاجتماعي فديوهات وصور ، تمنطق ما يحصل بشكل شبه قطعي، وليس هناك الا صوت واحد يعلو من خلال تلك الفديوهات وهو صوت الحقد الموجه للكورد سواء من الجنود الاتراك الذين يحاولون حرق المحاصيل المتاخمة للحدود، او من الدواعش الذين تبنوا اكثر من حريق كاحدى عملياتهم الجهادية المؤدية الى الجنة والمزيد من حور العين اللاتي ينتظرونهم هناك، او حتى من القرى العربية المتاخمة للقرى الكوردية لاسيما في جنوب كوردستان حيث كانت تلك القرى باهلها جزء من عمليات الدعشنة التي اجتاحت الكثير من المناطق الكوردية اثناء الحرب الضارية التي خاضها الكورد ضد امتداد جبروت وطغيان داعش، فضلاً عن الممارسات الايرانية في شرق كوردستان والتي هي الاخرى ليست الا جزء من عمليات الابادة الجماعية التي تمارسها هذه الجهات ضد الكورد.
حين انتشرت حرائق اسرائيل قبل سنوات لامست من الاعلام العربي بالذات توهجاً وبريقاً وكأن لسان حالهم وقتها كان يقول طالما لانستطيع ان نواجههم وجهاً لوجه، فلندعوا من الله – الرب ان ينتقم لنا منهم بالحرائق ولااخفيكم سراً اني حين كتبت مقالي (حرائق اسرائيل هل هو الانتصار العربي المنشود..؟..) كانت امام عيني تلك التغريدات وتلك المقالات وتلك المقابلات التي تنوعت في الوسائل الاعلامية سواء مواقع التواصل الاجتماعي ام المرئية والفضائية والسمعية، حيث كان غالب اعتقادهم بأن تلك الحرائق هي غضب السماء على اسرائيل والتي تبين فيما بعد بانها كانت غير ذلك اكيد، انما كانت غضب وحقد الانسان على الطبيعة وعلى الانسان المقابل لكونه لاينتمي لدينه وعرقه قوميته، وعلى ذلك المسار اشاهد واعي ما يحدث لنا الكورد، حيث تتضاعف الاحقاد يوماً بعد يوم تجاهنا لكوننا لاننتمي – للعرق والقومية – ولكوننا نريد العيش بحرية واستقلال بعيداً عن الثورات التي حولت الربيع الى حلقة دم مثل قلوبهم الممتلئة بكل ما هو لاانساني تجاه كل من لاينتمي اليهم، بل ضد كل من لا يخضع لشهواتهم السلطوية ولشهواتهم الاقتصادية ولشهواتهم المذهبية الدينية.
ان ما يحدث للكورد وللمناطق الكوردية ليس الا خليط حقد متوارث من ( الفرس – الاتراك – الاعراب “العرب ” ) الذين تاريخهم يشهد لهم افعالهم البشعة تجاه القوميات الاخرى ممن لاينتمون اليهم سواء باسم الحضارة او باسم القومية او باسم الدين ، (نحن هنا لانعمم القول بلاشك)، لكننا فقط نحاول اظهار عمقه التاريخي الذي بدأ بما كان يسمونه توسع الامبراطوريات الكبرى ( الفارسية ) صاحبة التاثير على اغلب المكونات الشرقية لاسيما اثناء صراعها المستميت مع الامبراطورية البيزنطية، ومن ثم صراع الامبراطوريات الفتية والتي تمثلت بالعرب المسلمين حيث هي الاخرى تبنت نفس النهج التوسعي ولكن ليس باسم نشر الحضارة لانها في الاصل اقتبست فيما بعد جل معالمها الحضارية سواء الادارية او المراسيم من الفرس والبيزنطينيين، انما باسم نشر الدين ولطاما استشهدت بمقولة اوردها احد الكتاب المجتهدين ” عبدالزراق الجبران ” حول العجوز التي قالت لقائد جيش الاسلام لم أكن اعلم بان لله لصوص ، هذا العمق التاريخي لمحاولة وأد الاخر لم تتوقف ليومنا هذا، وهو يلبس في كل مرة لباساً كريهاً ملطخاً بالمزيد والكثير من دماء الابرياء والفقراء ” وقود الثورات ” ، ولم تنتج الا البلاء والوباء للناس وللامم الاخرى التي لاتنتمي الى امتهم وعرقهم وقوميتهم ومذهبهم.
تتمثل عمليات ” حرائق كوردستان ” احدى المراحل التاريخية الهامة لعمليات الوأد القومي العرقي المذهبي الذي تتبناه تلك القوى وتلك الاعراق ضد الكورد، وهي لم تزل تحمل نفس العمق التوسعي ، حيث تركيا لم تزل تريد استرجاع ما فقدته جراء هزيمة العثمانيين الطغاة على يد الحلفاء، في حين الامة العربية المقسمة على نفسها تريد استرجاع بهرجة الخلافة الاسلامية وقت ما كانت محصورة في بني قريش وبني امية، اما الفرس هم الاقدم وهم من رفدوا الاخرين بمعطيات الثقافة والحضارة واسس النظم والادارة فكيف يسمحوا بمن ينادي بغير اسمهم، على هذه الشاكلة تبدع هذه الامم في خلق الافات للاخرين ممن لاينتمون اليها من الامم، سواء بالقتل المبرمج والمنظم وفق اجندات خاصة تتمثل بالحروب او زرع الفتنة او الاعتقالات وزج القادة والمناضلين الثوار في السجون او الضرب بالاسلحة الكيماوية او اطلاق علميات الابادة الجماعية ” الانفال ” او من خلال الاضطهاد الاقتصادي وضرب الحصار حولهم، او التدخل السافر والمباشر في شؤونهم، بل وصل الامر بهم لتقديم التنازلات لاعدائهم وتقبل المذلة فقط لضرب الحركة التحررية الكوردية، واخيراً وليس اخراً حرق قوت الفقراء ، وبالطبع لا تهمهم القيم الانسانية حين يختلقون هذه الافات، فكل الوسائل مباحة لوأد المخالفين المارقين الملحدين الانفصاليين، حتى ان اعراضهم واموالهم وارضهم غنائم للفاتحين الجدد، وكأنهم بذلك يريدون طمس معالم السعي الكوردي لنيل الحرية، متجاهلين بأن الكورد مروا بظروف اصعب من هذه وتجاوزوا الامر بصمودهم وعزة نفسهم، وان لاشيء سيثني الكوردي عن سعيه لنيل حريته، فكلما كان الطغاة اكثر دموية كان في اعتقاد الكوردي ان طغيانهم دليل ضعفهم ودليل استنزافهم الداخلي.