من المستفيد من الاساءة للناشط المدني هادي نايف محسن الزبيدي؟! – صباح كنجي

 

هادي نايف محسن الزبيدي.. ناشط مدني من ابناء الصويرة ـ محافظة واسط .. من أسرة شيوخ برز كوجه من وجوه المجتمع المدني في بغداد.. وعرف من قبل ابناء المحافظات.. بحكم مشاركته في المظاهرات والاعتصامات في ساحة التحرير ..

تواصل نشاطه مع احتلال داعش لسنجار في 3/8/2014 ومناطق بعشيقة وبحزاني بأيام قليلة.. حيث برز كوجه مدافع عن الايزيديين يستنكر ممارسات داعش وسلوكهم الهمجي.. ويتضامن مع الضحايا عبر سلسلة نشاطات شملت بغداد والنجف وسنجار وبعشيقة والشيخان  وباعذرة..

كان نادراً ان تقرأ خبراً او تتفحص في وجوه معتصمين..  دون ان  تتوقف امام صورة له وهو يرفع لافتة.. او يجلس بين المجتمعين الذين يتداولون امر الايزيدية.. وما لحق بهم.. دون ان يغفلوا الاجابة عن سبل التفكير بدعمهم..

ومع الأيام برزت الى السطح والواجهة ما حل بالنساء والفتيات المستعبدات مع الاطفال من قبل مجرمي داعش .. وكان لهادي الزبيدي اهتمامه العميق في هذا الشأن ايضا..

 في غمرة هذه النشاطات التقيته في بغداد في 9 شباط 2017.. جمعنا شارع المتنبي.. كان عائداً للتو من نشاط جماهيري له مع الناشط المدني والكاتب خلدون سالم الياس النيساني .. وكنت حينها مع شقيقي كفاح كنجي وحكمت بشير الغني عن التعريف هو الآخر ..

بقينا لساعات نتجول بين الكتب في شارع المتنبي و اروقة وزارة الثقافة.. التي كانت قد عرضت الكثير من نتاجاتها القديمة للبيع في زاوية من زوايا صالة كبيرة دخلناها لاقتني منها اعداد مجلة سومر كاملة .. وحينها تبرع كل فرد منا بحمل جزء من الكتب الى مسافة بعيدة يتواجد فيها ممر يفضي لشارع عام يمكن استئجار تكسي فيه لنقل الكتب .. كان العزيز هادي يحمل رزمتين بدلاً من الواحدة لحين تأمين وصولنا لأقرب شارع مجاور للمكان ..

حينها كان اول لقاء مباشر لي معه.. ومن خلال هذا اللقاء تواصلت العلاقة..  وكان عدد من الاصدقاء يشاركوننا تبادل المعلومات والتنسيق لنشاطات قادمة.. في مقدمتهم خلدون و حكمت.. وبعدهم رزكي جوقي ـ ابو اشجان..

ورغم هذا الجهد الانساني الكبير وتواصل زياراته لسنجار والمخيمات وصرفه من جيبه الخاص على كل تحركاته بالإضافة الى تقديمه للتبرعات لأكثر من حالة .. وبالرغم من انحداره من وسط اسلامي فيه الكثير من المتزمتين .. ممن لا  يتقبلون هذا الاهتمام المتميز منه بالايزيديين ومعاناتهم ..

نجد ان بعض السهام الطائشة تطاله وتسيء اليه.. لا بل هناك من يهاجمه ويحمله جانباً من اخطاء وتصرفات من اساء من الايزيديين في فترات سابقة.. كأن يكونوا من جحوش صدام.. او من المقامرين بمعاناة ذويهم.. والمتاجرة بآلام الضحايا.. كأنه هو الآخر منتفع من نشاطاته .. ويخلطون الاوراق ويتمادون في الاوصاف واستخدام العبارات المسيئة.. كما حدث قبل فترة إذ نشطت بعض الاقلام الساذجة في كيل المزيد من التهم له ..

مما دفعني للاتصال به وطلبي منه أنْ لا ينجر وراء هذه الاساءات وينساها .. لأنها تصدر من جهلة.. لا قيمة لها امام ما يفعله من نشاطات انسانية راقية .. خاصة وانه ابن شيخ معروف من شيوخ مدينة الصويرة جنوب بغداد كما كنت اعرف.. لكنه لا يستخدم هذا اللقب و يتفاداه .. ومع هذا حاولت الغوص في اعماقه لمعرفة الدوافع التي تجعله يتواصل مع الضحايا بهذه الروح الانسانية الراقية.. وكانت حصيلة حديثنا الاخير المزيد من كشف الاسرار عن حياته وسر تعلقه بالايزيديين واندفاعه للتضامن معهم..

قال لي :

 ـ هذا دين في عنقي .. أنا مدين بحياتي للإيزيديين.. اخذ يحدثني عن تفاصيل ما مر به في العهد المقبور من صعوبات ومخاطر ذاكراً التواريخ والاسماء والاماكن .. انصتُ له لأسجل جزء مما يقول عن تلك المرحلة .. ابتداء من حدوث هجوم ايراني على اللواء 37 مغاوير بتاريخ 21/1/1987 في منطقة ماوت واسر جندي عراقي ورداً على ذلك كلف اللواء الثاني.. من الوحدة العسكرية العراقية ـ في منطقة نهر جاسم بخطف جندي ايراني في البصرة للتفكير بالانتقام من الايرانيين والسعي لأسر جنود من الوحدات المقابلة لوحدته بدلا من الاسير العراقي في ماوت..

وقد اختيرت مجموعة من تشكيل الفصيل العميق الذي كانت مهمته تعويض النقص في ملاك التشكيل العسكري.. الذي يشرف عليه مقدم الاستخبارات ناصر يشوع يوحنا من تلكيف.. والذي كان قد استقبل مجموعة جديدة بينهم ايزيديين اثنين من مجمع الاندلس في سنجار ليدمجهم في الحضيرة ليلا.. هي ذات الليلة التي وصلت فيها برقية تطلب خطف جنود ايرانيين..

تمكنا من تنفيذ المهمة.. اسرنا خمسة جنود ايرانيين .. كنت حينها امر المجموعة المنسحبة مع الجنود الايرانيين.. لكن اشتد القصف علينا وتواصلت الانفجارات ونحن وسط حقول الالغام .. حينها تمكن البعض من الوصول والنجاة.. وبقيت مطروحاً على الارض انزف لوحدي..

وحينما حاول في اليوم الثاني عريف من الناصرية انقاذي ـ اسميناه ابو الثنيوين لأنه قال لآمر اللواء الذي التقى بنا لشحذ هممنا قبل التنفيذ سيدي انا عليّ ثنيوين أي اثنين ـ بتاريخ 27/1/1987 انفجر به ومجموعته لغم.. بترت رجل العريف وكان معه الايزيديين الجدد.. ممن شاهدتهم لساعات لم تتجاوز وجبة العشاء الذي قدمته لهم .. قبل ان ننطلق في مهمة اسر الجنود الايرانيين..

هؤلاء الايزيديين من الجنود الاوفياء تمكنا من انقاذنا نحن الاثنين .. حمل احدهم العريف المصاب وحملني الآخر .. كنت في حالة غيبوبة ولم احس على نفسي الا في  مستشفى الرشيد في بغداد.. بعد استعادت الوعي وتحسن حالتي عدتُ ثانية لوحدتي .. قال لي الجنود:

ـ نقلك وانقذك من الموت الايزيديين الاوفياء الذين قدمت لهم العشاء ولم يخونوا الزاد والملح..

تنفس هادي بعمق .. تحسر وهو يسترسل بألم ليستكمل بقية حديثه ..

ـ اتذكر هذا الآن .. استرجع في ذاكرتي وانا اقارن بين هذا الموقف الانساني النبيل لهؤلاء الجنود من اهالي سنجار .. في ذلك الوقت .. وما لحق بأهلهم وذويهم الآن.. على يد الدواعش وخونة الزاد والملح من جيرانهم البدو العرب.. في اطراف سنجار وهم يأكلون من زاد و ملح الايزيدية لسنين .. خانوهم تلك الخيانة التي لا يمكن وصفها ..

و واصل ..

من اول يوم حينما سمعت التفاصيل واضبت على المشاركة في تظاهرات ساحة التحرير بلا ترخيص اولا.. واعتقلت لثلاثة ساعات للتحقيق قبل ان يطلقوا سراحي في تلك الاوضاع الامنية غير المستقرة والملتبسة..

أنا انظر للسنجارجيات من الايزيديات وكل عراقية بنظار وقدسية البنت والاخت واعتبرهم اهلي .. لا افرق بين دين وآخر بحكم انسانيتي ..

لقد انقذني الايزيديون من الموت في الحرب الملعونة التي اشتركنا فيها رغم معارضتنا للحرب.. وها انا ارد بعض الدين في عنقي لمن وهبوني الحياة بفضل الله وفضلهم ولا مزايدة على و طنيتهم .. أو انسانيتهم فهم سبقوني ..

ليس امامي الا ان أقول للذين يتهموني ويوجهون سهامهم الخاطئة نحوي.. سامحكم الله.. أنا لست طرفاً في صراعاتكم الاجتماعية والعشائرية والحزبية.. سأواصل تأدية رسالتي الانسانية بذات الروح التي تجعلني اتواصل و اتفاعل مع جروحكم و آلامكم واواجه الظلم الذي لحق بكم.. تلك هي غايتي وهذا هو هدفي الانساني الذي لا احيد عنه مهما اشتدت المحن وتكاثرت فيه الاوجاع في هذا الزمن..

وليعلم الجميع ليس لي عداء مع أي شخص او جهة.. وابادر للعمل والمشاركة بالنشاطات بشكل طوعي.. ولست مدعوماً من اية جهة.. واعتمد على امكانياتي المادية فقط .. ندائي لأخوتي و شركائي في الوطن من الايزيديين .. وحدوا صفوفكم وكلمتكم ولملموا جراحكم ..

فقوتكم في وحدتكم.. لأنها مرحلة اثبات وجود.. أكون أو لا اكون ..

ليكن كل فرد منكم المكافح الذي لا يتعب ويكل ويبذل اقصى الجهود الممكنة في البحث والتقصي ومتابعة اوضاع خواتنا وبناتنا المختطفات فهم شرفنا وكرامتنا.. وشرف كل عراقي وطني غيور على ابناء وبنات شعبه في هذه المرحلة الصعبة من تاريخنا  الدامي والملتبس..

ـــــــــــــــــــــ

صباح كنجي

15/7/2019