مابين افرازات مابعد حادثتي البوعزيزي و فلويد- عماد علي

 

يبدو ان الثورة التي حدثت في العالم العربي مابعد حرق محمد البوعزيزي لنفسه في مدينة سيدي بوزيد التونسية كانت نتجية التراكمات الكبيرة للاعتراضات و ما نتج نتيجة الكبت المزمن جراء الظلم و ما اقترفته الايدي الدكتاتورية و من ثم انتشرت كالنار في الهشيم نظرا لتشابه الواقع العربي الى حد كبير من حيث السطلة و ظروف الشعوب السياسية و الاقتصادية و الثقافية والاقتصادية و نظرة الفرد الى الحياة و ثقافته الخاصة و و توجهاته و ما فرض نفسه  عليه عقلا و فكرا و اخلاقا و نشأة  من حيث المعيشة  و التربية سواء من قبل العائلة او الشارع و ما فيه.

اما ما نراه اليوم, اي مابعد مقتل جورج فلويد في مدينة مينابولس الامريكية لم يكن حادثا عرضيا  و فرديا بحتا كما يحلو للبعض تسميته بل هو ايضا نتيجة للتراكمات العقلية و النظرة الى الاخر اي من قبل الامريكي الابيض و نظرته الى الاسود كفرد او مجتمع او من قبل فئة معينة لاخرى مختلفة عنه . ربما الفرق الكبير بين الحادثتين الشرقية و الغربية هو في الارضية التي حدثت فيها, اي الواقع و الزمن و الظروف السياسية الاجتماعية مع ما هو عليه النظام هناك و ما كان عليه هنا و نظرة المجتمع الى سلطتهم و الروابط التي تربطهم, اضافة الى التشابه النسبي في مستوى المعيشة بين الشريحة الكادحة في البقعتين و مدى اختلافهما من حيث العقلية واللذان يؤديان بالفعل الى الحصول على النتيجة المختلفة.

النظام هناك الى حد ما ديموقراطي و في نسبة من الحرية التي يمكن ان تتحمل جدل واسع من حيث حقيقتها او ما فرض ما يمكننا ان نسميه المظهريات في الفعل المقصود و بشكليات تبان و كانها المفهوم الذي يروج له بينما تفرض السياسة المقضودة من قبل دائرة ضيقة و هي التي تحكم العالم و ليس الولايات المتحدة وحدها فقط، اي ان الديموقراطية التي تمر في الغرف الخاصة و توجه و يلعب بها بمن يضمن بها مصلحته هناك مع الدكتاتورية هنا و التي تنعدم ما يمكن ان نسميه غرفة الطبخ السياسي نتيجة خضوعه لمن فيها هناك او ما يُقرر لمن هو موجود هناك و ليس هناك ايضا, اي هو من يفرض نفسه في القرارات و يقف بعيدا و مخفيا عن الجميع.

الاحتجاجات التي يمكن ان نسميها ثورة الزنج العصرية مع من يشاركهم من البيض ان صح التعبير, مع الاختلاف لما حدث من قبل ابان التحرر و التطور الذي حصل و تاثيرات التقادم على واقع الحال. فيمكن ان يتوقع اي منا اخماد ما يحصل هناك في النهاية نتيجة ما يفرزه الواقع هناك و ما تفرضه اللعبة التي تدار من قبل المخفين  و يفرضون ما يريدون على اللاعين و يمكن توجيه المنتوج لمسارات يخططها هؤلاء الجشعين في الغرف المظلمة.

تحدث الكثيرون عن ثورة اليسار و ما يشبهها على ما يحصل في امريكا دون ان ياخذوا بنظر الاعتبار ماهي المرحلة عليه و الارضية التي لم تتمخض فيها ما يُظهر لنا بانها نهاية المطاف او بداية ما تحدث عنه ماركس في نظريته و ما نسميه من حفر القبر المنتظرمن قبل الراسمالية نفسها. انها مقدمات لبيان الظلم و الجشع المرادف للنظام الراسمالي او ما يفرزه بشكل طبيعي ان اختصرنا ما يحصل.

حدثت تغييرات مختلفة الشكل و المحتوى فيما بعد ثورة ما تسمى بالربيع العربي و لازالت افرازاتها مستمرة و لم تستقر الحال لهذه اللحظة.

تبرز لدينا الاسئلة التي يمكن البحث عن اجوبتها لبيان ما يمكن ان نتوقعه او نستدله و نستقراه لمابعد ما يحصل في دولة راس الراسمالية العالمية، ومنها:

هل تؤدي الاحتجاجات و الخشونة التي تحصل ال ىتغيير داخلي في امريكا و بدورها يمكن ان تؤثر لدرجة و اخرى على العالم؟

هل تخمد الاحتجاجات و يمكن ان تكون سببا لما يمكن ان نعتبره تراجعا او خطوة للوراء فيما ينتظر من تقدم سير الراسمالية العالمية؟

هل توثر على الديموقراطية الامريكية و طبيعة الحرية الموجودة ام الانسانية وصلت الى حال يمكن ان تدفع الراسمالية المصلحية الى الخضوع لما تفرضه حياة الكادحين؟

هل ما يعد الاحتجاجات تختلف ولو جزئيا عما قبلها من حيث الوضع السياسي و الاقتصادي ان دعنا مؤثرات ما يخلفه فايروس كورونا على كافة الدول و منها امريكا في هذه المرحلة ايضا؟

هل طبيعة  ما يحدث يمكن ان تشابه ما تسمى ثورة الربيع العربي و لكن بسلمية و تقدم نحو الامام و ليس كما حصل هنا نتيجة لما لاقته من المعوقات الكبيرة ؟

هل نحن امام انعطافة عالمية بعد كورونا و ما حدث في امريكا معه؟  و هل انها المرحلة المنتظرة و لكن بمواصفات مغايرة لما انتظرناها او توقعناها من مما يمكن ان يحدث لحياة الناس  كام فهمناه في النظريات الماركسية حول التسلسل المرحلي للتغييرات و التنقل نحو ما لا يدع اي احتمال للتراجع؟

اما ما حدث في هذه المنطقة لما بعد ما سميت ثورة الربيع العربي يمكن ان نقارنها لما قبلها و نسال حولها ما يلي ايضا:

هل كانت بداية للتغييرات و لكن الواقع الاجتماعي السياسي لم يكن مهيئا ليتقبل التغييرات نتيجة الدوغمائية و الاسلام السياسي المسيطر؟

هل بات مفتاح التغييرات في جعبة من لم يكن اهلا له و اما دفنوه او غيروا مساره ما حدث به و استغلوه لهدف خبيث وغير ملائم للعصر؟

هل يمكن ان نعتبر ما حدث انعطافة و شوّه مسارها و لم يتقبلها المتشبثون بالافكار و العقائد الجمودية ؟

و اخيرا يمكن ان نسال فيما له العلاقة مابين الحتدثين سوية:

هل يمكن ان يتلاقى الحادثان اللذان يسميان ثورة هنا واحتجاجا هناك و اللذان بدءآ بشرارتين مختلفتين في الشكل و متشابهتين في المحتوى و العامل الفعال فيهما هو الواقع المزري للطبقة الكادحة؟

يمكن ان ننتظر  لمدة قصيرة جدا كي نلمس الواقع المتغير و عندئذ يمكن ان نقيّم الحال و نجد انفسنا في اية مرحلة و وصلنا الى اي واقع و نصل الى اي مرحلة فيما بعد و متى و كيف تكون هذه المرحلة من كافة الجوانب.