كثيرآ ما يتحفنا المسؤولين الكرد، بمصطلحات وطلاسم هم أنفسهم لا يفقهون معناها، ولا يكلفون أنفسهم يومآ بدارسة هذه المصطلاحات والمفاهيم وفهمها ومن ثم شرحها وتوضيحها لعامة الكرد. ومن هذه المصطلحات مصطلح “الكردايتي” الذي يردده جماعة البرزاني بكثرة، ويدعون أن شيخهم: مصطفى البرزاني كان ينتهجه، وهذا غير صحيح على الإطلاق. والأنكى من هذا كله هناك ببغاوات يسمون أنفسهم مثقفين، يأخذون هذه المفاهيم والمصطلحات ويرددونها دون معرفة مضامينها، وضبط معانيها العلمية.
من دون ضبط المفاهيم والمصطلحات، لا يمكن تقييم سياسة وعمل أي حزب أو مؤسسة وحكومة ما، والتقدم خطوة للأمام. علينا أولآ ضبط المصطلح ومن ثم البدء بتقييم عمل وسياسة مؤسسة أو حزب معين ما، وهذا يشمل أيضآ تقيم وضع بلدٍ ما. وحتى نستطيع تقييم سياسة ونهج كل حزب كردستاني، بغض النظر عن حجمه كبيرآ أكان أم صغيرآ، علينا أولآ ضبط معاني المصطلحات السياسية والفكرية التي نستخدمها، وفي موضوعنا اليوم هو “الكردايتي”.
أهمية المصطلحات هي أنها مفاتيح العلوم على حد تعبير الخوارزمي. وإن فهم المصطلحات هو نصف العلم، لأن المصطلح هو لفظ يعبر عن مفهوم ما، والمعرفة عبارة عن مجموعة من المفاهيم، التي ترتبط ببعضها البعض على شكل منظومة فكرية. وقد ازدادت أهمية المصطلح وتعاظم دورها في المجتمعات المعاصرة، التي أصبح توصف بأنها “مجتمعات المعلومات” أو “مجتمعات المعرفة”، حتّى أن الشبكة العالمية للمصطلحات، التي تأخذ من فينا بالنمسا مقرآ لها، إتخذت شعار “لا معرفة بلا مصطلح” شعارآ لها.
كما أن أهمية المصطلحات عمومآ تنبع، من أنها الوعاء الذى تطرح من خلالها الأفكار والرؤى، فإن لم يتم ضبط هذه المصطلحات إختلطت الأشياء بعضها ببعض، ومعه إختلطت دلالاتها التعبيرية وإختل البناء الفكرى من أساسه، وعندها تعم الفوضى الفكرية، ولا يمكن حل أي معضلة. فضبط المصطلحات والمفاهيم ليس إجراءً شكليآ ولا شيئآ مصطنعآ، بقدر ما هي عملية علمية تمس صُلب الموضوع، ولها نتائج وأبعاد منهجية وفكرية.
الأن ماذا يعني مصطلح “الكردايتي” وكيف تكون الوعي القومي لدى الكرد؟
مصطلح الكردايتي:
بإختصار شديد يعني المشتركات الجامعة بين أفراد المجتمع الكردي. واللغة الكردية هي الوعاء، الذي إجتمعت فيها جميع المشتركات، وتفاعلت مع بعضها البعض، وأنتجت عبر الزمن هوية خاصة مميزة بهذه المجتمع البشري، الذي نطلق عليه اليوم الشعب الكردي، وميزته عن بقية الشعوب المجاورة له،
بما في ذلك، تلك التي تنتمي إلى نفس المجموعة العرقية.
وهذه المشتركات هي: “العادات، التقاليد، الأغاني، الرقص، الأعراف، نمط الحياة، التاريخ، الجغرافيا،
العقائد الدينية، الهموم المشتركة، ذات الطموحات والأهداف، التعاضد فيما بينهم، مواجهة الأخطار معآ، الإحتفال بنفس الأعياد، نفس الأساطير والأبطال، ذات القيم والمبادئ، نفس الحكم والأمثال والحكايات”.
اللغة بالنسبة للكرد هي الإكسجين، الذي يتنفسونه ويمنحهم الديمومة، لأنها الخاصية الابرز التي تميزهم عن القوميات المجاورة وتمنعهم من الإنصهار في بوتقتهم. وقد أدرك الكرد والدول التي تحتل كردستان، أهمية اللغة في تحديد الهوية الكردية، ولهذا حارب أعداء الكرد اللغة الكردية أكثر من الكرد ذاتهم.
وتاريخيآ معلوم كيف توحدت القبائل والعشائر الكردية الميدية في منتصف الألفية الأولى قبل الميلاد، نتيجة الظلم والقهر والبطش، الذي تعرضوا له على يد الدولة الأشورية، وفي النهاية إستطاعوا أن يتحرروا من سيطرة الأشوريين ونيل حريتهم، وأقامة دولتهم الميدية الكردية على تراب كردستان.
بناءً على ما ذكرناه أنفآ، فإن الكردايتي هي هوية الشعب الكردي، وليست برنامجا سياسيآ أو نهجآ فكريآ لحزبٍ سياسي ما. والدفاع عن الهوية الكردية، سياسيآ، وعسكريآ، إعلاميآ، وفكريآ، كان الهدف منه هو الحافظ على وجود هذا الشعب جسديآ، وحماية هويته القومية من الضياع، وتحقيق الاستقلال الوطني وتحرير كردستان من المحتلين، بدءً بالفرس ومرورآ بالبابليين والأشوريين، ثم الغزاة العرب المسلمين، فالتتر والمغول وإنتهاءً بالعثمانيين.
وثانيآ، السعي لإقامة مجتمع يسوده الحرية والمساواة والعدالة الإجتماعية، والعيش بعيدآ عن الإستبداد الإستغلال، الظلم، والتعلم بلغته الكردية، والإحتفال بأعياده القومية، وممارسة عباداته الدينية بحرية، أي مجتمعآ لا يعرف الخوف والعوز.
لكن بعض السياسيين الكرد، ولمأرب شخصية وحزبية ضيقة، أخذوا هذا المصطلح الفكري، وإستخدموه في صراعاتهم الحزبية اليومية، وألبسوه ثوبآ أخر ضيق للغاية. مصطلح “الكراديتي” في السياسة، يعني خدمة الشعب الكردي في كافة المجالات، وفي مقدمتهم تحريره من العبودية، وحمايته من القتل وعمليات التهجير، الجوع، الخوف والفقر وإيصاله للحرية، كي يعيش حياة كريمة بعيدة عن الذل والتهديد وإختيار حكامه بحرية، ويكون سيدآ في وطنه، لا عبدآ عند هذا الملا ولا عند ذاك الشيخ والزعيم من بني جلدته.
تكون الوعي القومي لدى الكرد:
تكون الوعي القومي لأي مجموعة بشرية، تتكون عبر معرفتها بماضي أجدادها البعيد والقريب، وفهم العوامل التاريخية والجغرافية والإجتماعية، التي تكونت منها فهمآ جيدآ، كي تستوعب الشكل الحالي الذي أصبحت عليه في الوقت الراهن. ومن ثم التعرف على مصادر قواها الروحية، التي ميزتها عن غيرها من الإمم والشعوب عبر التاريخ، وفي حالة شعبنا الكردي، نتحدث هنا عن الديانة الميثرائية، الكاكائية، الأزدائية وأخيرآ الزاردشتية.
وهذا الوعي يتجسد في الشعور الفردي بالفخر والإعتزاز بالإنتماء إلى هذه الإمة، التي تمنحه هويتها القومية وتقدم له الحماية والإعتبار، وتعبر عنه وتمنحه الشعور بالقوة. وأخطر ما في النفس القومي، هو التحول من إعتزاز الفرد بقوميته، إلى التعالي على القوميات الأخرى وإحتقارها ومحاولة إلغائها ونبذها، وهذا التعصب الأعمى خطير على أصحابه قبل الأخرين، وخير مثال على ذلك هو التعصب القومي لدى الألمان والأتراك.
لدى خضوع قومية أو جماعة بشرية ما، لحكم أمة أخرى، تتعرض للاضطهاد المعنوي، والاجتماعي، الثقافي، السياسي والاقتصادي، الأمر الذي يؤجج الحسي القومي عندها، والرغبة الشديدة في التخلص من سطوة الأمة المسيطرة، ويسيطر على فكرها وإحساسها، فكرة تأسيس دولة خاصة بها، ويصبح مطلب وهدف رئيسي لها.
بناءً على ما تقدم، لا يمكن القبول بأي حالة من الأحوال التلاعب بالهوية القومية للشعب الكردية، من قبل السياسيين الكرد لتحقيق مأرب شخصية وحزبية مقيمتة. الكردايتي هي إحساس وشعور داخلي خاص بكل شخص، لذا لا يمكن قياسه ومعرفة نسبة هذا الإنتماء، تمامآ كالإيمان والحب. هل يمكن قياس إيمان شخص ما؟ الجواب لا. ونفس الشيئ بالنسبة للإنتماء القومي والحب. لذلك يجب أن يتوقف السياسيين الكرد عن المتاجرة بالهوية القومية وتلويثها.
إن كان فعلآ هؤلاء السياسيين، يريديون خدمة شعبهم الكردي، عليهم أن يضعوا برامج سياسية وعسكرية لتحريرهم من العبودية ونير الإحتلال، ومن ثم بناء دولة كردستان المستقلة ذات الإقتصاد القوي، ونظام تعليمي جيد، ونظام مالي متطور وحدث، وبناء صناعات وطنية، وبناء نظام صحي حديث، ونظام سكني وخدمي، ويعرضوها على الشعب الكردي، ويحالوا إقناعه بها وكسب أصواته في الإنتخابات. وليس عن طريق تلويث وتلطيخ “الكردايتي”، والكذب على الناس وخداعهم بهذا الثوب النقي.
28 – 06 – 2020
السيد بيار روباري المحترم
تحية
“الكرد ومفهوم الكردايتي”
“كثيرآ ما يتحفنا المسؤولين الكرد، ”
كثيرآ ما يتحفنا المسؤولون الكرد، الفاعل بالرفع وليس بالنصب أو الكسر
كوردايه تي في الكردية نظيره العروبة في العربية
محمد توفيق علي