في احضان العاصفة، مجموعة شعرية للشاعرة الكردية الشابة نجاح عبد الرحمن هيفو من مدينة قامشلي، وهذه اول تجربة شعرية تخوضها في هذا المضمار الى جانب كونها كاتبة وناشطة حقوقية في مجال مناهضة العنف ضد المرأة وبنفس الوقت مسؤولة الاتحاد النسائي الكردي في سوريا- رودوز.
من خلال قراءة المجموعة والابحار في طيات صفحاتها، نجد بانه مكتوب بأسلوب سلس وبكلمات قريبة من القلب لاتحتاج للكثير من الجهد حتى تشعر باحساسيس الشاعرة تلف حولك وتنقلك معها في اجواء الحرب السورية والخوف من المجهول الذي يترقبها ويدفعها دفعا الى حيث لاتدري الى اين، وتبدأ بلملمت اشياءها الضرورية للهروب من كل شئ حولها الى اي مكان كان المهم تبتعد عن الخوف وعن رائحة البارود حيث تقول: ( اسافر الى حيث لا ريح )، وفي رحلتها هذه الى المجهول تتذكر امها وتحن لحضنها حيث الامان والدفئ وتطلب دعواتها وتقول :
انفاسكي مسكي
اجده على سفح القلب
وعندما
اتوه في الدجى
وحده مرشدي ودليلي.
هنا تغمض عينيها وتسلم مصيره للاحلام في حضن امها لاتريد ان تعود للواقع المأساوي والمر الذي تعيشه، ولاتستطيع الاستمرار باغلاق عينيها، للحظة تعود للواقع وتتذكر الحواجز المخيفة من كل الاطراف، حيث لاتدري من ينتظرها وتقول هنا في قصيدة الشوق للألم :
آخر جندي
يصرخ عاليا
قف!
امامك حاجز
حاجز الوجع.
وبعد هذه الحالة من الخوف والهلع والهروب من الوطن، تصبح لاجئة ومن هنا تبدأ معاناة اخرى اكثر ألماً، يبدو ان هذا هو قدر الانسان الكردي الذي لايستطع الهروب منه وتصف اللجوء بالمحشر وتقول:
انه الحشر
باتت قريبة .
في خضم هذه الاحداث المتسارعة والمتلاطمة تتذكر مدينتها وتقول:
قامشلو
هل لي من عطرك
يجوب ثنايا غربتي
رائحة اعشقها.
لاتكتفي الشاعرة بمدينتها فامشلو وتتذكر محافظتها الحسكة وهنا يظهر حيرتها ماذا تختار وهل هناك مجال للاختيار ولكن المرأة عاطفتها جياشة ويغلب على عقلها أحياناً وتقول: حسكتي
بلاد الخير والخابور
في زحمة الجراح
نازح انا لايحق لي إلا البكاء
لايحق لي سوى زوايا الجيران
واقبية الغرب.
بعد ان يستقر لها الجو، تبقى متعلقة بالوطن ومرتع الصبا، تصرخ:
قامشلو سأعود.
حلم العودة يلاحقها في كل مكان، ولا تستطيع التخلص من حب الوطن، حيث تبحث عن الهوية الضائعة في بلد اللجوء يصعب عليها الإنسلاخ من ماضها ولا عن هويتها الجامحة وتقول مرة اخرى:
لينبض في فؤادي
حساباتي كانت خاطئة
شرقية الاب والام انا
كوردية الهوية
والجبال
ألتحف اوربا خجلا.
وحلم العودة لايتحقق بعد طول الغياب وتتذكر وتقول: طال الغياب.
وبدأت تستفيق من الاحلام الوردية والحنين للوطن وتعود رويداً رويداً للواقع وبصوت منخفص مستسلم :
وطني القريب
اصبح بعيداً
لاأزال انتظر.
وهل سيطول انتظارها ؟!. لقد اصيبت بالخذلان بعد طول انتظار وتردد مرة اخرى:
تمر الساعات بكسل
ولا بوادر للعودة
تكبلني الحدود
يرغمني الخنوع.
هنا نلاحظ الاستسلام للقدر واللغة تصبح اقل حدة وهكذا ننتقل معها عبر الصفحات والقصائدة المتنوعة ونصل الى لحظات الهدوء والسكنية، حيث الحب الابدي وتنسى كل همومها بموجئ الفرج ويتحلى كل شئ في عيونها وتغرد في قصيدة عرّابي وتصف حياتها ومشاعرها وتقول:
مع مجيئك المتأخر
في لحظة ضعفي وانكساري
وهبتني عشق الحياة
عشق الوجود.
ونجد بان الشاعرة تتصالح بمرور الايام مع ذاتها ووقعها وعالمها الجديد وتنسجم معه ولكن عشق الوطن لايفارق روحها، وتبدأ سيرتها مع الوطن باشكال جديدة ومختلفة حيث تتفاعل مع احداثة وتشارك فيها وتناضل حسب الظروف المتاحة بطرق اخرى اكثر فائدة او مكملة لما يحدث في الوطن حيث تشارك في المظاهرات المؤيدة للوطن وتقول:
بقوة حبي لوطني
مظاهرة
اسيرها معك
من حب الوطن نسقيها
نبيذ كروم العشق
في نشوة الامل
على عتبة خلاص.
وفي صخب الحياة الجديدة وتلاطم امواجها، لاتنسى الشهداء وألآم امهات الشهداء في قصيدة – كبوة ام الشهيد – وفيها تصف عواطف الام كيف تربي طفلها كما يقول المثل الشعبي: كل شبر بنذر، وتنظر كيف يكبر امام عينيها، وعندما يحين الوقت لكي تفرح به يسقط شهيداً.
على رغم ان كل المجموعة باللغة العربية ولكن هي تأبى الا ان تضيف لها نكهة كردية وتنهي القصيدة باللغة الكردية ( لوري لوري برخكة من لوري).
أثناء مراحل تطور حياتها في الغربة، يبدأ نوع اخر من النضال وهو النضال من اجل حقوق المرأة والدفاع عنها وخاصة المرأة الكردية وهنا لاتنسى ذلك بان تدونه في قصيدة بعنوان الرجولة ونرها تقف بوجه جبروته وتتمرد عليه وترفض الانصياع وتصبح نداً له وتريد مشاركته في كل شئ وتتقاسم معه اعباء الحياة وهنا يحدث صراع أزلي داخلي، ولكن رغم كل هذا التمرد ينتصر عليها انوثتها وتقول: ( اهلا بك نصفي الثاني).