جميعاً نعرف جيداً إن العراق الآن بحاجة الى إعادة بناء البنى التحتية واعمار ما دمرته الحروب وإنعاش القطاعات الانتاجية كالصناعة والزراعة وتقادم كثير من المشاريع الصناعية والتي تحتاج الى اعادة بناء وتحديث اضافة الى قطاع الكهرباء والماء ناهيك عن المديونية والتعويضات التي يعاني منها العراق والاقتصاد العراقي تحديدا وبنفس الوقت يعاني هذا الاقتصاد من الفجوة الكبيرة بين الايرادات والنفقات وعدم كفاية الادخارات لسد احتياجات عملية البناء والاعمار وصعوبة الحصول على قروض اضافية بسبب المديونية والشروط المطلوبة من المؤسسات الدولية وما يترتب على هذه القروض من فوائد اضافية ولم يكن امام العراق خياراً اخراً اذا ما اراد بناء وتنمية جميع قطاعاته الانتاجية والخدمية سوى اللجوء الى الاستثمارات الاجنبية لتامين الحد الادنى من الموارد اللازمة لإعادة البناء.
والإستثمار الأجنبي في إقتصاد الدول النامية والدول الضعيفة قديم ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية تغيَّر نمط الاستثمار الاجنبي المباشر اذ اصبحت الولايات المتحدة الأمريكية المصدر الرئيسي لتلك الاستثمارات واصبح الاستثمار في الصناعات التحويلية اكثر انواع الاستثمار شيوعا وقد ساد تخوفا بين البلدان النامية مبعثه الاثار السلبية المحتملة للاستثمار الاجنبي المباشر مثل خلق تبعيه اقتصاديه والتدخل السياسي وكان من شأن ذلك ان شهدت هذه الاستثمارات تراجعاً ملحوظاً في تلك الحقبة…وفي السبعينات تأثر الاستثمار الاجنبي المباشر بتحسن اسعار السلع الأولية سيما النفط والغاز وكذلك فوائض ميزانيات الدول المصدرة لتلك السلع الاّ أنها لم تكن لصالح الإستثمار الاجنبي حيث أُعيد تدوير تلك الاموال الى الدول النامية بشكل قروض قدمتها البنوك الدولية وأصبحت الدول النامية اكثر اعتماداً على تلك القروض واقل اهتماماً بالاستثمار الاجنبي المباشر ومما ساعد على ذلك استفادة الدول النامية من الزيادة في اسعار السلع الأولية بما يكفي لتلبية احتياجاتها الاستثمارية من المدخرات المحلية دون الحاجه الى استثمار اجنبي مباشر. والعراق بحاجه ماسّة للاستثمارات الاجنبية المباشرة لتدوير عجلته الصناعية والزراعية مما يزيد من فرص حصوله على العملات وتقليل خروجها منه وهذا يُحسِّن من وضعية ميزان المدفوعات لديه . وإذا أخذنا قيمة العجز في الميزان التجاري الغذائي مثلاً لما ذهبنا اليه في ضرورة استقدام الاستثمارات الاجنبية الى العراق لأحداث تنمية شامله وعاجله سيما في القطاع الزراعي الذي يُعتبر مصدراً لابأس به للعملات الاجنبية.
إذا أرادت الدول الھشة ما بعد النزاعا ت أن تجذب استثماراً جیداً وتنفِّذ مشاریع، فمن الأھمیة بمكان أن تُعزز جھود الحوكمة العامة ومكافحة الفساد، وتنمیة المھارات وتمكین المرأة, لتحفيز مناخ الاستثمار. وھي مجالات تُسجَّل فیھا غالباً إنجازاً ضعیفاً.وھناك مجالات أخرى للسیاسات تشمل تشجیع المشاریع الصغیرة والمتوسطة والابتكار وریادة الأعمال. وفي سبیل إنجاح جذب المستثمرین والاستثمارات التي ستدعم نمواً شاملاً واقتصاداً أقوى وأكثر مرونة وتكیفاً أن ینتھج نھجاً شاملاً في معالجة الإستثمار وأن یَعُد سیاسة استثماریة متماسكة تذھب إلى أبعد من سیاسة وتشجیع الاستثمار. والعراق حاليا وضعه هش، بعد هبوط أسعار النفط وتفشي جائحة كورونا ,لذلك هناك ضغوطاً غير مسبوقة على الاقتصاد العراقي. إن الوضع السياسي الهش، وضعف نظام الرعاية الصحية، وشبكات الأمان الاجتماعي غير الفعالة، والفساد المستشري، والخدمات المتداعية، كلها عوامل تزيد من حدة هذه الهشاشة وغذَّت الاحتجاجات الواسعة النطاق في جميع أنحاء البلاد. وستؤدي هذه الأزمات إلى تردي مستويات معيشة الأسرة العراقية. وبعد سنوات من الصراع والنزوح، أصبح الكثيرون معرَّضون بالفعل للحرمان، وستختبر الجائحة قدرتهم على الصمود. ورغم أن تعطُّل سلاسل الإمداد سيؤدي إلى زيادة الأسعار الأساسية، فمن المرجَّح أن يقل دخل الأسرة من العمل وغيره بسبب التباطؤ الاقتصادي وانخفاض التحويلات. وقد تفقد أسر كثيرة، ولا سيما تلك التي في القطاع غير الرسمي، كل دخلها، مما يجبرها على استنفاد مدخراتها واللجوء إلى وسائل أخرى للتأقلم مع هذه الأوضاع. ومن أجل المنافسة على الاستثمارات ّ بسطت الدول ھیكلھا القانوني والتنظیمي، وتقديم حوافز، وتجري إصلاحات لتحسین مناخھا الاستثماري، وتضطلع بجھود تشجیع وتسھیل الاستثمار. ویعني تشجیع الاستثمار الترویج لدولة أو اقلیم كمكان للاستثمار فیه. ویتعلق تسھیل الاستثمار بتیسیر الاستثمار أو توسیع نطاق الاستثمارات القائمة بالفعل. وتساعد ھیئات تشجیع الاستثمار على تنسیق التشجیع والتسھیل ولكنھا قد تؤثر أیضا على الإصلاحات الرامیة إلى تحسین المناخ الاستثماري وھو نشاط یُعرف “بتأیید السیاسات”. وفي دولة مثل العراق، یمكن لھیئات تشجیع الاستثمار أن تلعب دورا مفیدا في جذب الاستثمار اذا تم تكییف استراتیجتھا، وخدماتھا، ووسائطھا مع الوضع. ینبغي للعراق أن يكون مبتكراً، ولا سیما في مجال تسویق واستھداف الاستثمار، وذلك من خلال التركیز على الأسواق، والقطاعات، والمستثمرین الرئیسیین المختارین. ویمكن لھیئات تشجیع الاستثمار مساعدة المستثمرین على التغلب على مصاعب البیروقراطیة، وتخفیف عدم تناسق المعلومات، وخفض تكالیف الصفقات. كما یمكنه منح التأیید للسیاسات والمبادرات الرامیة إلى تحسین مناخ الاستثمار وتجانس السیاسة الاستثماریة، أي الاضطلاع بدور مفید في زیادة وعي المستثمرین ببعض التحدیات الكبیرة التي تتعلق بسلوك الأعمال المسؤلة التي قد تواجھه. إن تنفیذ مشروع في وضع ھش ومتأثر بالنزاعات یطرح تحدیات كبيرة.
والجھود التي بذلھا العراق في سبیل إصلاح الإطار القانوني الذي یحكم الاستثمار, وھذه الجھود نقطة بدایة مشجعة تنبيء بتحقيق مزید من التقدم في تسھیل الاستثمار من خلال تعزیز الحمایة، والحوافز والإعفاءات، بما یوازن المخاطر الأمنیة. یجب إدماج ھذه الجھود في إصلاح أوسع نطاقاً یجب أن یشمل تحدیث وإصلاح الإطار العام للقیام بأعمال من أجل تسھیل الاستثمار الأجنبي وتشجیع ریادة الأعمال المحلیة.
تركـز اعـادة الاعمــار فـي العـراق بعـد عــام 2003 علـى مشــروعات البنیـة التحتیــة ذات الجـودة العالیـة والمكلفـة فـي ً الوقت نفسه مثل اعمار البنیة التحتیة للقطاع النفطي وبخاصة شبكة الخطوط الناقلة للنفط. عـن اعتمـاد جـودة منخفضـة ورخیصـة بعـض الشـيء فـي اعمـار محطـات الصـرف الصـحي وتجهیـز المیـاه للمـواطنین، وترَّكـز الإنفاق الاسـتثماري علـى دعـامتین رئیسـتین، الدعامـة الاولـى تعتمـد علـى القطـاع الخـاص سـواءً كـان محلیـا ام اجنبیـا ویمـول اســتثماراته بطــرق مختلفــة ومتنوعــة ، فــي حــین یعتمــد القطــاع العــام علــى ایراداتــه الســیادیة مــن المدَّخرات فــي كافــة القطاعـات سـواءً كانــت انتاجیـة ام خدمیـة، وابـرز مـا یمثـل الحالـة فـي العــراق الاعتمـاد علـى الایــرادات النفطیـة فـي تمویل الانفاق الاستثماري ،إذ قدرت النفقات الاسـتثماریة بحـوالي 186 ملیـار دولار للمـدة 2010-2014تمـوِّل بواقـع ً الشــراكة الوطنیــة بــین القطــاعین العــام والخــاص.
وتُعـد القیـود المالیـة وغیـر المالیـة بمثابـة الحـواجز التـي تحـول دون جـذب المسـتثمرین الاجانـب او تشـجیع المسـتثمرین المحلیین على المـدى الطویـل لتمویـل مشـروعات البنیـة التحتیـة سـواءً القـائم منهـا او المسـتحدث، ولـذلك یتطلـب الامـر ً عـن التـأثیر النـاجم معالجة مجموعة متنوعة من القیـود غیـر المالیـة مثـل التسـعیر، والتنظـیم، وغیـاب المنافسـة، فضـلا من ضعف الممارسات الحكومیة في مجالات النزاعـات المتعلقـة بـالعقود، والملكیـة، والقواعـد التـي تحكـم إعـادة رؤوس الأموال، والتي تؤثر على استعداد القطاع الخاص للاستثمار في البنیة التحتیة حیـث لا یقـل ذلـك شـأنا عن ً المخـاطر غیـر المتوقعـة بمـا فـي ذلـك المخـاطر المالیـة، واسـعار صـرف العملـة المحلیـة والتحويل الى الخارج، فضـلا عن العملات الاخرى وانخفاض قوتها الشرائیة بسبب التضخم ، ومخاطر العملیة السیاسیة، وغیاب الـدور الفاعـل لأسـواق العملة .
أمّا المخاطر الخارجیة فهي احد اهم المخاطر التي تواجه الاستثمار في البنیة التحتیة للعراق، وبخاصة انخفـاض اسـعار الـنفط التـي تـؤثر بشـكل كبیـر فـي مـوارد المیزانیـات الاتحادیـة ممـا یضـطر الحكومـة الـى تخفـیض الانفـاق الاسـتثماري ً لهذا القطـاع الحیـوي، فضـلا عـن سیاسـات دول الجـوار وبخاصـة ً فیمـا یتعلـق بالسیاسـة المائیـة إذ تشـكل تحـدیاً خطیـراً وذلــك بســـبب الاســتخدامات الكثیـــرة للمیـــاه فـــي القطاعـــات الاقتصــادیة والخدمیـــة كافـــة وبخاصــة فــي تولیــد الطاقة ً الكهربائیة وحقن الابار النفطیة لأغراض انتاجیة ،واهمیة الماء الكبیرة للكائنات الحیـة كافـة وبخاصـة الانسـان ،فضـلا عن التلوث الناجم من مصادر المیاه بسبب انشاء محطات تولید الطاقة .
وتعـد المؤسسـات احـد اهـم المكونـات الاساسـیة فـي العـراق بصـورة خاصـة والعــالم بصــورة عامـة، حیـث ان قـوة هـذه المؤسسات او ضعفها یؤثر بشكل كبیر في عملیة الاستثمار بشكل عام والاسـتثمار فـي البنیـة التحتیـة بشـكل خـاص، بــل یــؤثر بشــكل فاعــل فــي هیاكــل الدولــة ومنشــاتها الحیویــة كافــة بوصــفها احــد المرتكــزات الاساســیة لعملیــة النمــو الاقتصادي. سعى مشروع العراق إلى بناء بیئة تمكینیة للحوار بین القطاعین العام والخاص في اجتماعات مجموعة العمل الخاصة بالمشروع. وقد أدى إشراك أصحاب المصالح العراقیین من غیر المنتمین إلى القطاع العام إلى تحسین النتائج حیث فتح المجال لمنظورات جدیدة وأكثر اتساعا لمناقشة السیاسات في الاجتماعات. كما دعا المسؤلون على الإستثمار بشكل منتظم ممثلي الشركات الأجنبیة المستثمرة في العراق – ولا سیما شركات دولیة كبیرة مثل شل وسیمنز – إلى المشاركة في الفعالیات التي نظمھا من أجل تبادل وجھات النظر، ومناقشة القیود المفروضة على الاستثمار في العراق وآفاقه.
وطالما يوجد نقص في مصادر تمويل التنمية واعادة الاعمار في العراق فلابد من اللجوء الى الاستثمار الاجنبي المباشر اذ يمثل احد مصادر التمويل الخارجي البديل للمصادر المحلية. وهناك مصلحة مشتركة بين المستثمر الاجنبي والبلد المضيف لان كلاهما يربح من عملية الاستثمار وان البلد المضيف هو اكبر الرابحين لان نتائج عملية الاستثمار ستبقى على ارض هذا البلد ويسجل لصالحه من خلال ما أحدثه من تطوير البنية الاقتصادية وتطوير المهارات ورفع مستوى الرفاهية. وتوجد محددات ومعوقات تواجه دخول وعمل الشركات الاجنبية وهي متعددة وشاملة تبدأ بضعف عوامل الجذب ولا تنتهي بالبنية التحتية والتشريعية ومن هذه المعوقات ,الافتقار الى الشفافية ,وشيوع الفساد الاداري والبيروقراطية وعدم الجدية والكفاءة في تطبيق التشريعات الجاذبة للمستثمر الاجنبي,عدم وجود دوافع حقيقيه لتحويل الفوائض المالية الى استثمارات, وهناك اختلالاً في التخصيصات في الموازنات العراقية لصالح النفقات التشغيلية على حساب النفقات الاستثمارية وهذا مناقض لمنطق القوانين الاقتصادية فالاستثمار أكان حكومياً او خاصاً هو الذي يمنح الاستمرارية والنمو ويخلق القيمة المضافة ويوفر فرص العمل.