رسالة خاصة الى الشيوعيين في العراق.. صباح كنجي

 

اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي ـ بغداد

اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الكردستاني ـ أربيل

مندوبي المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي العراقي

مندوبي المؤتمر السابع للحزب الشيوعي الكردستاني

بقية التنظيمات الشيوعية في العراق

 

بناء على طلب والحاح مجموعة من رفاق وأصدقاء الحزب الشيوعي العراقي.. ممن عملوا وكافحوا تحت رايته لسنوات طويلة سابقاً.. وبعضهم ما زال يواصل كفاحه في صفوفه.. تم أعداد هذه الرسالة الموجهة الى قيادة الحزب ومندوبي المؤتمرات القادمة..

يحدونا الأمل ان تلقى هذه الرسالة اهتمامكم.. وأنتم تتوجهون لعقد مؤتمرات الحزب في العراق وكردستان خلال الأيام او الأشهر القادمة..

ونتطلع من خلالها بثقة الى ما نصبو اليه من متغيرات.. يلعب فيها الشيوعيون دورهم الفاعل فيه من خلال استقراء الوقائع.. وتشخيص المتغيرات الهائلة في الأوضاع العالمية والإقليمية.. وما له خصوصية بأوضاع العراق المحلية.. والحاجة لتطوير وتجديد وتفعيل وسيلة التغيير المطلوبة والملائمة للعمل في هذه المرحلة المعقدة والمتشابكة..

 برؤية تستند لقراءة واعية لطبيعة الصراعات في العالم.. التي تشهد تحولات سريعة وعاصفة.. بفعل التقدم العلمي والتطور التكنولوجي وزيادة وسائل السيطرة على الطبيعة.. التي عكست تأثيراتها على موازين القوى وطبيعة الصراعات الاجتماعية ومحتواها.. وأدت الى تخلخل في وضع الطبقات وتمركز رأس المال المعلوم.. وانتجت علاقات متشابكة مع منظومة الفساد في العالم.. وأصبحت تتحكم في أوضاع الكثير من البدان.. من ضمنها العراق الذي يشهد:

1 ـ مظاهر انهيار الدولة..

2ـ تراجع دور الأحزاب السياسية المحلية..

3ـ تفكك وتصدع بنية المجتمع..

4ـ سقوط وانحلال منظومة القيم الأخلاقية..

5ـ تدخلات إقليمية ودولية سافرة في شؤونه تخطط لمستقبله بالضد من مصلحة الشعب العراقي..

 

وبعد تحول العديد من الأحزاب السياسية.. الى مافيات مملوكة لعائلات وكتل معرقلة للتطور.. تتقاسم خيرات البلد.. وتتحكم بالسلطة من خلال علاقاتها الإقليمية والدولية.. وشبكة أجهزتها المخابراتية وأذرعها المسلحة..

ناهيكم عن انعدام الخدمات.. من كهرباء وماء وخدمات صحية وبلدية وتعليمية تليق بالبشر في كافة المجالات.. وضعف الاهتمام بالزراعة وتحديثها.. وهكذا الحال بالنسبة للصناعة.. مع استفحال مظاهر العنف بكافة اشكاله.. من عنف الدولة الى عنف الأحزاب والميلشيات.. والعنف الموجه ضد المرأة.. ناهيك عن العنف الديني المنفلت..

وبالرغم من تواصل الاحتجاجات الثورية.. التي يلعب فيها الجيل الجديد ـ جيل الالفية.. الدور الحاسم في ديمومتها.. وتتطلب الدعم والمساندة والمشاركة الجدية من قبل الشيوعيين..

الا اننا لا نلتمس هذا التوجه الجاد في سياسة الحزب الراهنة.. ونرى في تحالفاته المعيبة.. ومشاركاته الخجولة في مؤسسات السلطة.. بما فيها المؤسسات التشريعية التي لم تشهد دوراً فاعلا ومؤثراً يعكس جوهر موقف الشيوعيين الداعي للتغيير وخلق البديل الأفضل.. لأسباب كثيرة في المقدمة منها:

 

1ـ التراجع في وضع الحزب في كافة الميادين ـ السياسية والفكرية والاجتماعية والتنظيمية والإعلامية وفي المختصات المهنية وغيرها من مجالات العمل والكفاح. ولهذا التراجع أسبابه المعروفة.. ويتطلب إعادة تفعيل دور الحزب.. الى مراجعة شاملة وجدية..

ولا بد وان تكون ـ المؤتمرات القادمة ـ محطة تغيير تستند الى قراءة واعية لطبيعة المرحلة.. وتشخيص وسيلة التغيير المناسبة.. وهذا يتطلب العمل على خلق أرضية وأسس تحول الحزب الشيوعي في العراق وكردستان.. الى مؤسسة حيوية فاعلة تعبر عن الأمل الاجتماعي ومتطلبات المرحلة بجرأة ثورية.. تستوعب طبيعة المتغيرات الكونية والمحلية.. والحاجة الضرورية لوسيلة التغيير الملائمة لمتطلبات هذه المرحلة في هذا العصر..

2ـ نفض اليد عن السياسات الخاطئة التي انتهجها الحزب في مجال التحالفات. التي لم تجلب الا الكوارث والمحن للشيوعيين والشعب العراقي.. واضاعت الكثير من فرص التغيير الممكنة. وانتهاج سياسة تستند على تجميع القوى الحيّة في المجتمع.. وفقاً لمعايير المرحلة.. وقيم الحرية.. والعدالة الاجتماعية وكل ما له علاقة وصلة بنبذ العنف.. وتحقيق الاستقرار والسلم الاجتماعي.. وإعادة بناء الدولة.. وفقاً لمفاهيم المواطنة.. والتصدي لمظاهر الاستعباد الديني ومخلفات الصراعات الطائفية والقبلية..

سياسة تستند لرؤية استراتيجية.. تشخص ولادة الجديد وترعاه.. ابتداء من التحولات التي يشهدها العالم من استفحال مظاهر الأزمة العامة.. التي تعصف بالمؤسسات الاقتصادية والصناعية والمالية وتحولها الى ازمة بنيوية.. لا حلول لها مع تواصل المجمعات العسكرية المنتجة للذخيرة والسلاح.. التي تشعل الحروب والنزاعات بين الدول.. وباتت لا تكتفي بالصراعات الطبقية.. واستغلال الطبقة العاملة وبقية الفئات الكادحة في المصانع والمعامل..

واستبدلتها بالتوجه الوحشي لتفكيك العديد من الدول.. بتفتيتها وابتلاعها.. وتدمير بنيتها التحتية ـ بالضد من مصالح شعوبها.. التي شملت فيما شملت.. القضاء على الطبقة البرجوازية وتحجيم دورها ـ والهائها بنزعات محلية.. كما هو الحال مع ظاهرة داعش ونمو التطرف الديني في العراق وبقية بلدان الشرق الأوسط..

لكي يسهل لهم أمر التحكم بأوضاع هذه البلدان.. ووضع حثالات من اللصوص والفساد في واجهة السلطة.. ودعم وتشجيع ظاهرة تحول الأحزاب السياسية الى مافيات ومؤسسات استبدادية.. تجمع بين الدولة والسلطة والحكومة ومؤسسة العشيرة والعائلة والاقتصاد وحركة رأس المال والتجارة..

ولهذا فإن الشيوعيين مطالبون اليوم بالتوجه الجاد لنفض غبار هذه المرحلة عن أنفسهم وكيانهم السياسي.. الذي تشوه وغادر ساحة النضال الحقيقية.. واكتفى بإصدار بيانات الشجب والاستنكار والتصريحات الإعلامية غير المجدية.. بسبب التحولات ومظاهر الفساد والتكلس التي شملته.. وجعلت قيادته الحالية تسير في ركاب معتوه فاسد ومبرمج لخدمة سلطة الاستعباد والاستبداد الديني..

وهذا لا يبتعد عن تفشي وشيوع مظاهر الفساد في جسد ومفاصل الحزب.. بالأخص بين الأستاف القيادي المشجع لهذا النهج الخطر والعدمي في السياسة.. الذي لا يمكن قبوله وتبريره.. ويتنافى مع ابسط المفاهيم الماركسية.. ويستحق الإدانة من قبل المؤتمرين.. ومحاسبة من شجع على السير في هذا الطريق وابعادهم من مواقعهم القيادية..

كما يتطلب من المندوبين في المؤتمرات القادمة وضع أسس ومعايير للترشيح.. تعتمد النزاهة وتمنع من اغتنى ودمج بين ميله لاكتناز الأموال ويتفاخر بالعيش في القصور.. مِنْ تبوأ أي دور قيادي يتجاوز عضوية لجنة محلية في محافظة..

3ـ عدم مواكبة التطورات التي يشهدها العالم والابتعاد عن تحليل مظاهر الأزمة ومتابعة المستجدات في المجالات الفكرية والعلمية بالرغم من ثورة المعلومات. وهذا يعود لظاهرة الكسل الفكري وانعدام المتابعة الجدية للإعلام التقليدي ـ الورقي وما ينشر على شبكة الأعلام الكتروني من خلال الانترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي..

والحالة البائسة لما وصله اعلام الحزب.. الذي كان يشهد له بالبنان.. تتمثل في تراجع اصدار مجلة الثقافة الجديدة شهرياً وضعف محتواها، وكذلك الحال مع صحيفة طريق الشعب والمطبوع البائس والمخجل الذي صدر عن شهداء الحزب في ثلاثة أجزاء لحد الآن.. وحجم المغالطات والاخطاء.. وفقر المعلومات.. الذي تتحمل مسؤوليته قيادة الحزب والمكتب السياسي والهيئة التي أشرفت على اجزاءه الثلاثة..

 ولا نريد ان نضرب امثلة أخرى عن تراجع دور الاعلام في هذه المرحلة.. التي تشهد ثورة عالمية في مجال المعلومات وباتت شبكة الانترنيت توفر الإمكانيات الهائلة للنشر والاعلام غير المكلفة.. بما فيها المحطات الفضائية التي اخذت تكاليفها تقل..

لكن قيادة الحزب الشيوعي العراقي والكردستاني.. ما زالت غافلة عن أهمية دور الاعلام.. ولا نعتقد انهم يفكرون بتطويره وتحويلة الى مؤسسة مستقلة.. يديرها المئات من المبدعين والمثقفين الذي يتواجدون في صفوف الحزب.. او القريبين منه.. ولا يحتاج الأمر الاّ تخصيص مبالغ زهيدة لهذه المؤسسة.. وفك ارتباطها المزدوج بالتنظيم والقيادة بالصيغة الراهنة المعيقة للعمل.. ومنحها صلاحيات العمل المستقل..

4ـ يتطلب من قيادة الحزب الشيوعي العراقي المقبلة. ان تولي للأوضاع الدولية والإقليمية اهتماماً أكبر.. وتعزز وتفعل ـ من خلال علاقاتها ـ دور الشيوعيين في الشرق الأوسط والعالم.. والمبادرة لعقد لقاءات دورية للأحزاب الشيوعية وقوى التغيير يعقبها مؤتمر تهيئ له كافة فرص النجاح والديمومة..

كما يتطلب الموقف قراءة واعية لدور الصين في المجال العالمي.. بحكم النجاحات الاقتصادية.. والدور الذي تحزره واستغلال هذه النجاحات لتطوير دور الشيوعيين في هذه المرحلة التاريخية من حياة الشعوب.. والحاجة الضرورية لمؤسسات دولية جديدة.. ووضع أسس الكفاح على الصعيد العالمي التي تستند الى:

ـ رفض العنف واستخدام القوة في العلاقات الدولية ونبذ الحروب بين الشعوب

ـ اعادة النظر في المؤسسات العالمية بما فيها هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن وتحويلها الى المؤسسات تمثل الشعوب.. وعدم اقتصار تمثيلها على الحكومات.. وتطبيق نفس المبدأ على مؤسسة الجامعة العربية.. التي اثبتت فشلها.. ويتطلب تغييرها لصالح الشعوب العربية..

ـ اعتماد معايير دولية وقانونية جديدة في تمثيل الحكومات ودولها لعضوية هذه المؤسسات.. تستبعد أية دولة وطرف تمارس العنف والإرهاب.. وتشجع على القتل والاغتيالات.. وتمارس الاستبداد ومظاهر الدكتاتورية.. التي تتنافى مع التطلعات الإنسانية.. وإيقاف مد هذه الأنظمة والحكومات بالسلاح والذخيرة تحت أي غطاء كان..

وعلى الصعيد المحلي.. 

يكون التوجه لتحديث وإعادة بناء دولة المواطنة ومؤسساتها الفاعلة.. وإرساء قواعد السلم والاستقرار في المجتمع.. ونبذ العنف.. من أولى مهام الشيوعيين في هذه المرحلة.. ومنع تسخير واردات الدولة ـ والنفط في مقدمتها ـ لصالح الفئات التي تتبنى وجهة عسكرة البلاد والمجتمع.. وتحديد نسبة لا تتجاوز 10% لمهمات الدفاع والجيش.. وتكريس الواردات العائدة من النفط لتطوير وبناء الاقتصاد وتحديث الزراعة وخلق المنشآت القادرة على تقديم الخدمات التي تليق بالمواطنين في هذا العصر.. وتطوير التعليم.. وضمان حق العلاج والسعي لتحقيق العدالة الاجتماعية.

هناك الكثير مما نقوله ونتطلع اليه.. فيما يخص انتشال الحزب.. واحياء دورة المطلوب.. ووضعه في الاتجاه الصحيح المؤهل لتحقيق الأهداف التي يصبو اليها ويكافح من أجلها.. وضرورة إعادة بنائه وتجديده ليصبح وسيلة فاعلة من وسائل التغيير في هذا العصر..

الذي يشهد تطورات عاصفة لا يجوز للشيوعيين ان ينظروا اليها من بعد.. ويكتفوا بدور المشاهد لأحداثها فقط.. كما نراه ونلتمسه اليوم..

ونختمها بالقول:

يحذونا الأمل ان يجري الاهتمام بما ورد في هذه الرسالة والتفاعل مع الآراء والمقترحات الممكنة للتطبيق.. في توجهكم وكفاحكم اللاحق المنسجم مع طموح وآمال العراقيين ومسعاهم لصنع التغيير وخلق البديل الأفضل..

ـــــــــــــــ

صباح كنجي

31آذار 2021