مصادر الأديان- Jêderên olan – بيار روباري

 

قبل الدخول في تفاصيل الموضوع، دعونا نعرج على المفاهيم التالية (الإيمان، الدين، الإعتقاد)، ونعرفها بشكل مختصر، لنرى ما الفرق بينهما، وكي لا تنخلط الأمور علينا، لأن الإيمان مفهومٌ أوسع وأشمل من الدين والعقيدة.

 

الإيمان:

Bawerî

الإيمان قديم قدم الإنسان وهو أعم وأشمل من المعتدات والأديان. وكل الناس مؤمنين وسيبقون كذلك، ولكن ليس مؤمنن متدين أي منتسب لدين معين. يمكن أن تؤمن ببعض القيم الإنسانية ونظرية فلسفية وتصبح بذلك مؤمنآ.

الإيمان بالمختصر هو مصدر الفعل آمن، وهو مشتق من الأمن ويعني إظهار الثقة والخضوع والإقرار والإحساس بالطمأنينة. وبكلام أخر يعني القبول والاعتقاد والاعتراف بفكر ما ومبادئ معينة أو نظرية ما، والإيمان لغة يكون بالقلب ويصدقه العمل. الإيمان قابل للتغير والزيادة والنقصان، وهذا خاضع لوعي الإنسان ومداركه ومحيطه وبيئته وعلاقاته الإنسانية. والإيمان يضم بين جنباته الدين والمعتقد.

 

الدين:

Deyn/Ol

الدين لغويا يعني الدنو أي الخضوع والذل، والمتدين يعني أي وكل أمره للدين وبالتلي وجب عليه طاعته والإنقياد خلفه. والدين عبارة عن مجموعة من المعتقدات والأفكار لشخص ما، وهو الإيمان بمجموعة من السلوكيات والفرائض والقبول بها في الحياة، واتباع دين معين والإخلاص له يعتبر تديُّناً. ويؤمن الإنسان أن الله هو صاحب الأديان وخالق الكون السماوات، وأن الهدف من الدين هو التقرب من الإله.

 

الإعتقاد:

Bîr

الاعتقاد هو موقف الانسان من شيء ما إن كان صحيحآ أو حقيقيآ أم لا. في نظرية المعرفة، يستخدم الفلاسفة مصطلح «الاعتقاد» للإشارة إلى المواقف الشخصية المرتبطة بالأفكار والمفاهيم الصحيحة أو

الخاطئة. مع ذلك، لا يتطلب «الاعتقاد» الاستبطان والحيطة.

الإعتقاد أو المعتقد أو العقيدة، بالمختصر هي مجموعة أفكار ومبادئ وقيم، يؤمن بها معتدقها ويجزم بصحتها وصائبيتها، وفي نظره لا تقبل الشك. والعقيدة تعني ما عقد الإنسان عليه قلبه جازمآ به فهي عقيدة، سواءً أكانت صحيحة أو غير صحيحة.

ويتم تبني العقائد عن طريق الإدراك الحسي، الإستنتاج، والإتصال مع أفراد المجتمع وعبر تلقين سلطة معينة. وعندما يجزم الإنسان ويقطع بعقيدته ويتعصب لمبادئه أو آراءه، لا يمكن له تقييمها بشكل منطقي وموضوعي أو يناقشها. ولا يقبل برأي المخالفين لرؤيته، وبغض النظر عن الحقائق والأدلة التي تثبت عدم صحة رأيه، فنطلق على ذلك تسمية “الجزمية ” بالعربية و”الدوغما” باللاتينية. ويسمى أصحاب هذه النزعة المتشددة دوغمائيين. وتنقسم المعتقدات إلى نوعين:

أولآ، معتقدات جوهرية وتعني الإنسان يُفكر بها بنشاط أي بشك دوري. وثانيآ، معتقدات تصرفية وتعني أن الإنسان لا يفكر فيها نهائيآ أو بشكل نادر للغاية.

 

مصادر الدين خمسة وهي:

Jêderên olan pêncin û ew jî ev in:

 

أولآ- الخوف:

Tirs

الإنسان عمومآ يخاف المجهول وأكبر مجهول في حياة الإنسان هو الموت. والسبب في ذلك هو جهله أو عدم معرفته بعالم ما بعد الموت، إضافة إلى خوفه من ظلمة القبر، ويقينه أنه لن يعود مرة أخرى للحياة. إذآ الخوف من “الموت” هو أحد أهم مصادر تكوين فكرة الدين.

هذا الخوف دفع بالإنسان بالبحث عن ملاذ أمن أو منقذ ينقذه من هذا المجهول المرعب، الذي فشل الإنسان في فكفكت أسرار هذا المجهول، رغم تطور مداركه ومعارفه وعلمه. نحن نعلم ماذا يحدث للجسد بعد الموت ولكننا لم نستطيع وقف هذه الظاهرة ولا معرفة المكان الذي يذهب إليه ما يسمى “الروح”. والأمر الأخر لم نستطع بعد معرفة، ما إذا كان المرء يتعرض للعذاب أثناء لحظات الوفاة أم لا.

 

ثانيآ – الدهشة:

Memtmayîn

الدهشة عمليآ هي إنفعال وهزة وجدانية شديدة وعميقة، وتنتج عن ذهول الشخص من شيئ خارق للعادة وغير مألوف، وأكبر من قدراته المعرفية والعلمية. والمقصود بالدهشة هنا ليس فقط الحيرة والتعجب، بل هي حالة توتر ذهني ونفسي ممزوجة بالقلق ومفعمة بالاهتمام وأحيانا بالألم والمعاناة. بكلام أخر الدهشة هي تعبير عن ذهاب العقل من الذهل والوله، وهي أيضآ علامة على بداية التفكير الفلسفي، الذي عرف الدهشة على أنها ممارسة عقلية.

في الماضي كان الإنسان يدهشه الظواهر الطبيعية: مثل العواصف الرعدية، التسونامي، الفيضانات،  البرق والزلازل ولا تزال تدهشه، لكن الفرق الوحيد هو أن في الماضي وعي وعلم ومعرفة الإنسان لم تكن تسعفه على فهم وتحليل هذه الظواهر الطبيعية، ولا أسباب إنتشار الأمراض والأوبئة، فكان يبحث عن جهة أو قوة تحميه من هذه الظواهر. لأن الإنسان قديمآ كان يعتقد أن هذه الحوادث تحدث وفق إرادة أكبر منه، ومن هنا كانت الأديان البدائية تأخذ من بعض الأشياء الطبيعة ألهة لها ويسعى بكل الوسائل لإرضائها.

 

ثالثآ – الأحلام:

Xewin

إن الأحلام هي انعكاس للحياة الإنسانية ، وهي في نفس الوقت منفذ أو وسيلة مُثلى تظهر من خلالها النفس البشرية مخاوفها ورغباتها. ففي الحلم تتحقق رغبات التي قد يعجز النفس البشرية عن تحقيقها على أرض الواقع. بكلام أخر إن الحلم هو تعبير عن رغبات دفينة بالنفس لم تتحقق ومخاوف من أمور يخشى المرء حدوثها، وذلك عن طريق رموز وصور من الماضي التي تحمل الكثير من الدلالات.

 

وفي الماضي كانت الناس تظن أن الأحلام هي “رسائل من الآلهة للبشر” كتحذير أو إنذار لهم، والبعض كان يأخذ ذلك على أنه أمر إلهي. ومن هنا بحث الإنسان عن هذا المرسل: مَن يكون؟ كيف يبدو؟ أين يقيم؟ لَمِ لا يظهر؟ كيف يمكن التواصل معه؟ كيف يمكن إرضائه؟

لكن مع تطور الوعي البشري وتقدم العلم، فجرى تمحيص الأحلام وتشريحها، وعرفها العلماء على أنها مجموعة عواطف وإنفعالات عايشها الإنسان وبقيت في ذاته الداخلية، وتظهرت أثناء النوم لتعبر عن خفايا النفس الإنسانية وجوانبها الدنيوية، لتكون بذلك انعكاسآ للحياة وتعبيرآ عن أحداثها المُعاشة بأشيائها وأناسها.

 

رابعآ – النفس:

Riwan

النفس ليست الروح كما يروج لها البعض، وإنما هي مجموعة من الخصائص الشخصية والقدرات الغير ملموسة، التي تميز كل شخص منا عن الآخر، وفي ذات الوقت هي طريقة تفكير أو تقدير إو إدراك الشخص منا لنفسه، أو إيمانه بنفسه وبصفاته وكيفية ذاته. ويمكن القول أن للنفس البشرية ثلاث مكونات مختلفة هي:

1- الكيفية التي يرى فيها الشخص نفسه، وقد تكون مطابقة للحقيقة وقد لا تكون.

2- الثقة بالنفس أو تقدير الشخص لنفسه.

3- الصورة التي يطمح أن يصل إليها الشخص وهو الوصول للمثالية.

ومن خلال منظار رؤية الشخص لذته يرى العالم أيضآ، وكلما زادت مدارك الإنسان ومعرفته ببيئته، عرف نفسه بشكل أحسن وأقرب للحقيقة، وبالتالي نظرته لبيئته تتغير هي الأخرى ويرها بشكل أخر وأدق.

 

خامسآ – الروح:

Giyan

الروح هي الجانب الغير المادي في أجسادنا، ويعتبر جوهر الكائن الحي. وبرأي الروح تمثل الذات، ويمثلها الشعور، العاطفة، الأحساس، الوعي والإدراك. وبمعنى آخر الروح هي النفس الحقيقية، بينما الجسد هو عبارة عن وعاء يحتوي الروح. ولا يوجد شيئ إسمه روح شريرة أو أخرى خيرة، هذه مجرد تسميات إجتماعية لا صحة لها.

يمكن الدلالة على الروح من خلال العديد من المشاعر والأحاسيس: كالحب، الألم، الحزن، الفرح، الكأبة، الغضب، … إلخ. الميلان للأديان والألهة يتم عبر الروح “العاطفة والمشاعر”، تمامآ كالحب والكره، ولا دخل للعقل بذلك ويصعب تفسير الأمر من الناحية المنطقية. ورغم ذلك يمكن للمرء أن يغير دينه ويعتنق دينآ أخر تمامآ مثل الحب. هذا الأمر خاضع لعوامل كثيرة ذاتية داخلية، وخارجية لها علاقة بالمحيط وتطور فكر الإنسان، وفي حالات كثيرة يمكن تخلي المرء عن الدين كليآ ويعيش بعقله وإيمانه ببعض القيم والمبادئ التي يعتقد أنها الأفضل له ولحياته كشخص.

في الختام، كل هذه المخاوف والأسئلة المتعلقة بالمجهول، وعدم معرفة الإنسان بنفسه وبيئته دفعته إلى إيجاد ألهة “قوة” يلجأ إليها روحيآ، لكي يحتمي بها وتنجيه من الأخطار، ففي البدء كانت الألهة عبارة عن أشياء طبيعية ظاهرية كالشمس القمر، النجوم، الرعد، … إلخ. وبشكل لا شعوري أخذ الإنسان يمارس بعض الطقوس والعادات سميت لاحقآ بالطقوس الدينية ولا وجود للأديان من دون ألهة. هل تظنون لو كان الوعي البشري قبل 20 الف عام على مستوى وعينا اليوم، هل كانت ستظهر الأديان التي نعرفها اليوم والتي يطلقون عليها تسمية “السماوية”؟ الجواب لا.

الدين حاجة نفسية كانت وستبقى، ولو لم يوجد دين اليوم لخلقناه تحت مسمى أخر، وهناك أديان حديثة ولكنها لا تسمي نفسها دين، ولكنا صنعنا شيئآ سميناه (القوة الطبيعية) أو أي إسم أخر بدل من تسمية الإله، كل ذلك من أجل الراحة النفسية، والسبب في ذلك يعود لعدم معرفتنا كبشر بعالم ما بعد الموت.

 

14 – 09 – 2021

 

 

 

 

2 Comments on “مصادر الأديان- Jêderên olan – بيار روباري”

  1. اکتفي تعلیقی بهذه الایة الكريمة ………أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115
    أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ (105) قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (111) قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113) قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا ۖ لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (114) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117) وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118)
    علي بارزان
    20 09 21 20

  2. دين كلمة كوردية وليست عربية وهي مصدر الفعل ببينة ( دين / ديتن ) والتاء مصدرية تضاف لكثير من الأفعال ومنها منظر الشمس ديندار, أما مصادر الدين أو المنشأ الديني الأول فهو الحيوان أي أن الدين بدأ نشوءه منذ ملايين السنين قبل أن يتطور إلى إنسان عاقل , بل منذ الطور الحيواني البدائي كالحشرات مثلاً والحيوانات ذات الدم البارد وحتى النبات , جرب ضع نباتاً في غرفة فيها فتحة يدخل منها شعاع الشمس سترى بعد مدة أن النبات سيتجه جهة النور فهو قد وعى وأدرك ضرورة الشمس , فقد بدأ الدين إذاً, وهكذا جميع الحيوانات أيضاً وبدرجةٍ أكثر وعياً وتفكيراً في أهمية دفء الشمس ونورها وكانت كل المخلوقات توحيدية وإن تفاوت وعيها , وهكذا كان الإنسان أيضاً يقدس الشمس الواحدة حتى إكتشاف النار في كوردستان قبل 4000 سنة فأصبح الإنسان متطوراً جداً في وعيه وقد تكون العبادة قد بدأت وبدلاً من التوحيد الشمساني أصبح ثنوياً : الشمس ونموذجها النار على الأرض حتى الثورة الزراعية وفي كوردستان أيضاً قبل عشرة آلاف سنة قبل الميلاد فدخل الثور على خط الدين أيضاً وأصبح مقدساً ومعبوداً , ثم تطور المجتمع البشري وتشعبت الأفكار والإهتمامات وتطور الدين وتعددت الآلهة بشكلٍ كبير جداً فكان التنافس حتى إنتهت على يد المصلحين إلى التوحيد ثانيةً والإيمان بالخالق الأوحد وإن إختلفت أسماؤه
    الدين المتطور نشأ في كوردستان أولاً, ولا يزال نفس الدين بكل ملامحه باقياً خالداً فيها
    وشكراً

Comments are closed.