العناد خاصية من خواص الإنسان. وهو مصدر فعل عَنَدَ، ولغة هو مخالفة الحق مع العلم بأنه حق. ومعناه كثير الخلاف. وهناك من تنعدم عندهم هذه الخاصية فيتسمون بطابع الخضوع والاستسلام، ومستقبلا قد يصبحوا انطوائيين.
وللعناد أنواع، منها الطبيعي، والمُشْكل… فالطبيعي هو دليل على الاستقلالية وقوة الشخصية. أما المشكل فهو زيادة حدة العناد الطبيعي. وهو الوجه السلبي له. وعناد العاقل في قضية ما يكون إيجابيا، حيث يدري مآل القضية، دون غيره، فيظن مناوئيه أنه يخالف الحقيقة، ولاحقا تتبين فائدة عناده. وهذا ليس الشطر المهم من موضوعنا الحالي. والمراد هنا هو العناد المشكل الذي لا يقبل الواقع بسهولة، فتطول فترة القبول لديه، وأحيانا يعزف عنه، فيغرق في السلبيات.
أما ربط العناد بالكورد حصرا مغالطة، ولا يستغرب أن تكون خلفها غايات، والعناد طبيعة بشرية، مثلها مثل الشجاعة والجبن، أو البخل والكرم، وغيرها.
ويتم تخفيف العناد المشكل باكتساب المعارف واتساع الوعي المعرفي بالتراكم. فالمعارف تساهم بشكل قوي في اتساع المدارك لتتلاءم مع المصلحة المنشودة. ما يؤسف عليه أن حراكنا الكردي ما يزال يعاني من معضلات العناد المشكل، والذي له حضور فاضح في العلاقات الحزبية، والحوارات السياسية أو الاجتماعية، وهو ما يزال راسخ في البنية الفكرية للشعب، بغض النظر عن مدى التطور والمراحل التي مرت على الفكر الإنساني ومن ضمنهم أمتنا الكوردية. ظل تأثير حراكنا أضحل من أن يتمكن بتنمية وتهذيب نزعة العناد المشكل، وتنوير الشارع الكوردي أو إنقاذه من تلكؤه ما بين المصلحة الوطنية والمواجهة المضرة.
المجتمعات أو الحركات السياسية الواعية، تتمكن من تقديم الغاية والمصلحة على العناد، وكثيرا ما يتم تسخيرها لتطوير المنتوج الفكري أو الاقتصادي أو السياسي، بعكس حراكنا، حيث الإيمان المطلق بمنطق الذات، وتناسي الهدف الرئيس عند حضور الخلافات الداخلية، وخير مثال، سنتين ولا يزال طرفين من أطراف الحركة الكوردية في غرب كوردستان يتخبطان في حوارات عقيمة، لم يتمكنا من تجاوز عنادهما الحزبي، ويتمسكان بمنطق الأنا المطلقة، حيث التفرد بالسلطة، وعدم تقبل الأخر، خاصة الطرف المهيمن على المنطقة، رغم الكوارث الجارية وكثرة بشاعة المتربصين بمنطقتنا وقضيتنا. وكأننا ننسخ تجربة أمريكا أثناء العدوان الثلاثي على مصر، يوم وقفت أمريكا معها ضد فرنسا وبريطانيا، فقط لأنهما لم يخبراها بالعملية مسبقا، رغم أن مصر فيما بعد اتجهت نحو الحلف السوفيتي، وخسرت أمريكا، بعدما خسرت كلتا الدولتين، أي بما معناه ضحت بمصلحتها وفضلت العناد في الموقف معهما.
المجتمعات التي كونت كياناتها السياسية، نجحت وتطورت، لقدرتها على تقبل الموجود بمساوئه، وساهمت إلى حد ما على ترسيخ ما تم بناؤه، ومن ثم إنقاذه من الأخطاء وتطويره. فكما قال مهاتما غاندي ” من الأفضل أن أكون عنيفاً إذا كان هنالك عنف في قلوبنا من أن أرتدي رداء اللاعنف لتغطية العجز”. والمحزن إن هذه المعادلة السياسية التي تعمق فيها ميكيافلي، شبه غائبة عندنا كحراك ومجتمع، نعمل على هدم الموجود، رغم عدمية القدرة على الإتيان بالبديل، والإدراك المسبق لسلبيات التفرد بالسلطة، وتطوير المنطقة وإنجاح المسيرة على بنية العناد.
فمعظم منظماتنا الفكرية والسياسية، تستخدم كل طاقاتها لهدم أية تجربة لا تتوافق ورؤيتها، ومفاهيمها، وبالتالي يساهمون كل من جهته، في تقويض ما يبنى من أجل القضية وهي في مهدها.
أي عمليا، حراكنا وشرائح المجتمع المتأثر بهم يساهمون في ديمومة الخسارات، والعيش كموالي للقوى الإقليمية، وإبقاء حراكنا ومجتمعنا كأدوات ساذجة سهلة تسخيرها لمصالحهم.
من المؤلم، رؤية ما تتخبط فيه حراكنا الكوردي، وكيف يرسلون الصور السياسية إلى ذهنية مجتمعنا بلونين فقط، ويتم تغييب الألوان الأخرى متناسين جماليات التنوع من منطق العناد، وعلى أثرها تنتهج منطق غريب من النقد الموبوء لمخالفي الرأي.
غرب كوردستان، مرت وتعيش مرحلة مرعبة، رغم ذلك فهي مقدمة لبناء ما، كوردي أو أممي، تعاني من طرفي الحراك، المهيمن والتي تدير الإدارة الذاتية، وهي السباقة في معظم القضايا الخلافية، والمعارضة والتي جزء منها المجلس الوطني الكوردي، الأولى تعاند على عدم تعديل أو تطوير أو تلطيف مسارها السياسي، فهي رغم ما بنته بسياستها كيان ما، لكنها بمنهجيتها الجارية ستصطدم بعوائق متنوعة، داخلية، وخارجية، إقليمية ودولية، والأسباب عدة، ومن جهة أخرى، فرغم أن المنطقة تعيش الكارثة الديمغرافية، وبغض النظر عن الأسباب، وهي أكثر من معروفة، ومن شبه المستحيل إعادة الماضي، حيث جدلية الهجرات المعروفة في التاريخ، فبغياب الإدارة الكوردية سيتفاقم الواقع المأساوي، مع ما تبذل الأطراف الأخرى المستحيل لتقويض الموجود، وتتناسى أن تعمل على إنقاذ وتطوير الحاضر.
الوطن أثمن من المفاهيم الإيدلوجية، والمصلحة قبل العناد، ولغة السياسة أنجح الأساليب لبلوغ الغاية، رغم أنها تؤلم صاحبها قبل الأخرين. فهل سيتمكن حراكنا من تبني هذه الجدلية، وهل سيدرك المتسلطون عليه أن الأحزاب هي وسائل وليست غاية، وأننا في مرحلة تتأرجح فيها قضيتنا ومنطقتنا بين النجاح والضياع؟ فهل سترجح المصلحة الوطنية على العناد الحزبي؟
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
7/12/2021م
تحية لكم د. محمود عباس العزيز
ما اعتقده انا (اي وجهة نظري) بان القيام بعملية اجراء انتخابات في ضمن مناطق الادارة الذاتية هي الخطوة الاولى في طريق تبديد هذا العناد بين منظومتي (البرزانجيو و الابوجية) فهي وان كانت مرة وصعبة لاحداها على ابتلاعها و حلوة و سهلة للاخرى على تذوقها ولكنها تبقى عملية راقية و حضارية وتحت اشراف الامم المتحدة و غيرها من المنظمات الدولية التي تهتم بالشان الديمقراطي لجوهر العملية السياسية.
ان القيام بالعملية الانتخابية في هذا التوقيت سوف يعطي النتيجة الحتمية التالية بدون ادني شك لدي : حيث انها سوف تمنح الحجة و الغطاء الشرعي و القانوني لجهة سياسية ما (واقصد الابوجية) و سوف سوف تاخذ و تسحب الحجة الشرعية والقانونية من جهى سياسية ما (واقصد الانكسة) … بل وتعطي كل منهما حجمه الحقيقي على الارض وليس حجمهم امام الكاميرا وعلى المنابر الالكترونية . ولكن على المنظور القريب و المتوسط و البعيد, سوف تاتي بثمارها الايجابية من خلال:
– سوف تتشكل جهة حكومة تقود مناطق الادارة الذاتية و تتشكل في مقابلها جبهة معارضة ولكل منهما تمثيله السياسي و الذي يمثل نسبته ضمن مناطق الادارة الذاتية وهذا ما يجب ان تكون عليه الصراع السياسي بل و مسارها السليم في نهاية المطاف
– الطرف الساسي (سواءا حزب او زعيم ما) الذكي و الشاطر هو من يكون لديه برنامج بديل كامل (يسمى بالبرنامج الانتخابي) يضعه امام الجمهور و يتعهد بتحقيقه, وليس التعهد ببرنامج خيالي و خرنكعي اكبر من حجم واكبر من امكانات الطرف السياسي نفسه فهذا يسمى ضحك و استحمار للناس و لمؤيديه بالدرجة الاولى. و باعتبار ان الناس تهمها بالدرجة الاول المعيشة ثم الامان قبل كل شيئ فان الطرف السياسي الذي لديه برنامج اقتصادي و برنامج امني هو الذي سوف يستلم المبادرة حتما.
– ان منظومة الفلك الابوجي بهذه العقلية التي تتحكم بالادارة الذاتية من ملفات الفساد المتراكمة و تجنيد القاصرات والقاصرين للجهة المرتبطة بها قنديل و المخالفات و التجاوزات على القوانين التي وضعتها هي في عقدها الاجتماعي بحيث ان اعضائها اول الناس ممن لا تحترم قواننيها و تضعها بين الارجل بدل ان تكون هي المثال في اخضاع الجميع للقانون, هذه المنظومة وبهكذا عقلية سوف لن تتجاوز الدورة الانتخابية الثانية حتما وسوف تفشل حتى وان ربحت في الدورة الاولى فان هامش ربحها سوف يكون ضئيلا (بحسب رائي).
– منظومة الانكسة و بهكذا عقلية التي عليها اليوم سوف لن تكتسب ولن تتجاوز و لن تربح اي دورة انتخابية وتستلم قيادة الادارة الذاتية (اي ان تكون هي الحكومة فيها) , لا في الدورة الثانية و لا الثالثة ولا في الدورة الالف بعد المليون, فمنذ تايدهم و تبريرهم و مساندتهم للاحتلال تركيا لمنطقة جبل الكورد (عفرين) فانهم قد اسقطوا انفسهم اخلاقيا قبل كل شيئ ثم انسانيا ثم قوميا ثم وطنيا ظننا منهم بان تركيا سوف تسلمهم الحكم في تلك المنطقة. ولم يدركوا وقتها بانهم كانوا ظهرالحمير (كما يقول المثل الكوردي) الذي حملت تركيا بضاعتها عليهم من اجل تمريرها الى داخل الحدود. وللاسف اقولها ما زال قسم من منظومة الانكسة على موقفها هذا (اعتقدا انها كناية اكثر مما هو موقف سياسي, مثال عبد الحكيم بشار نائب رئيس الائتلاف حتى هذه اللحظة ومن معه).
– وهنا اني ارى الفرص سانحة و مهيئة امام طرف ثالث من خارج تلك المنظوكتين بان يستلم دفة القيادة والسلطة و المبادرة في مناطق الادارة الذاتية بل ولا استغرب ان يفوز الطرف الثالث في الدورة الانتخابية الاولى ايضا, واظن ان هذا ما يتخوف منه منظومة الابوجية اكثر من تخوفهم من منظومة الانكسة الببعبع الذي لا يخافونه بقدر ما ينفخون به امام الكاميرا. هذا ان احسن الطرف الثالث في اختيار برنامجه الاقتصادي و الامني ضمن امكانات الواقعية للادارة الذاتية. و ليس الشعارات والعنتريات التي لا تشبع و تبني الامان.
ولكن يبقى سؤالين اللذين يراودا ذهني وهما:
– هل يحق لنا نحن الناس الذين نقيم في الخارج ان نتدخل و نعطي اصواتنا ونتحكم بالمشهد السياسي على ارض لانقيم عليها ؟ ام نترك مشيئة اختيار الاصوات للناس المقيمين على الارض فقط و الذين يعرفون واقعهم اكثر منا ؟
– ماذا عن الناس النازحة من مناطق الداخل الى مناطق الادارة الذاتية هل تنتخب هي نيابة عن السكان الاصلين ؟ ام تشكل هياكل ادارة ذاتية لمناطقها الاصلية و تترشح على تمثيل مناطقها الاصلية ضمن الادارة الذاتية ؟ مثلا سكان دمشق و حمص و حماه وعفرين و الشهباء و غيرهم المقيمين في مناطق الادارة الذاتية.
وفي الختام لكم التحية الطيبة.
————-
ملاحظة:
اسميت الطرفين المتصارعية على المشهد باسميهما حتى يكون كلامي موجها لهما بالتحديد و ليس فقط اشارة او كناية او معاني من وراء الكلمات و الاسطر, التي عادة تكون اسلوب النخب السياسية و الدبلوماسيين و المثقفين الرفيعة (فمقولتهم تقول: اللبيب من الاشارة يفهم) و التي انا على يقين بان كلتا المنظومتين لا تتقاناها و بالتالي لا تفهمانها , وابسط مثال هي المقالات الركيكة و المهترية واللامنطقية لمندوب الانكس عبد الحكيم بشار والتي يقابلها و يواجهها مقالات الدار خليل ذات المضمون الخشبي من طراز السبعينات للقرن المنصرم و التي تحتاج جهاز انجما من اجل فك شفرتها اللامفهومة و المشبعة بنظرية الحرب الخاصة (هي محاولة منه لتقليد منهج الشعبوية على طراز نظرية المؤامرة الترامبية)
شكرا عزيزي ريزان، على المداخلة، والملاحظات، وجلها منطقية، وكما تفضلت التخوف، هو ما حصلت للديمغرافية الكوردية في المنطقة، والكارثة المتوقعة في حال إجراء أية انتخابات. الطرفان فرضا على الكورد لأنهما دون مستوى القضية، وتم ما تم من العبث والتدمير.