لقد أطلق الكثيرين من أبناء الإسلام وغيرهم قديما وحديثا جزافا مقولة بأن الإسلام يرفض قبول التعايش مع الآخر من أصحاب الديانات الآخرى ولا يعرف من التعددية سوى الزوجية منها. حقيقة هنالك الكثير من الآيات القرآنية الدالة على التعددية بالمفهوم الحديث للمصطلح و قبول الآخر و التعايش معه بسلام و تعزيز قيم التسامح و الإخاء الإنساني بين أتباع الأديان السماوية. يقول الله عز وجل:
( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير). سورة الحجرات. الآية: 13 .
تدل هذه الآية بشكل واضح وصريح إلى الأصل الواحد لبني البشر و كيف أن التعارف و التواصل الإنساني الأخوي لمعرفة الخصائص المتعددة لكل شعب على حداه, تعزز خاصية الكرامة الإنسانية و تدعو إلى التقوى, المعروف عنها بأنها قيمة أخلاقية قرآنية بأمتياز. هنالك بعض المفاهيم تحتاج إلى تمعن وتفكر حتى لا يحدث أى سوء فهم أو مغالطات. يجب التفريق بين التعددية و التنوع/الأختلاف. التعددية الدينية يعتبر مصطلحا عصريا إلى حد كبير, ويطلق أساسا على جملة من القوانين و التشريعات التي تقرها دولة أوجهة رسمية ما لحماية ممارسة الشعائر المقدسة وضمان الحرية الدينية لمجموعة ما بدون تعسف أو تمييز. أما التنوع فهي من سنن الله في الكون: كتنوع الكائنات البشرية حسب أجناسهم و ألوانهم و لغاتهم و هذا الشيئ ينطبق أيضا على الكائنات الحيوانية و النباتية وأختلاف المناخ والطبيعة الجغرافية من مكان لآخر. وبالتالي, يمكننا القول بأن الغرض من التعددية في المجال الإنساني التشريعي هو حماية و رعاية التنوع الطبيعي.
على ضوء هذا, الآية القرآنية الآنفة الذكر تفيدنا بأننا مدعوون إلى تعزيز روابط التعارف والتآخي الإنساني بين جميع شعوب العالم المبني على الدراية وفهم الآخر ومعرفة خصائص دينه وثقافته للتركيز على المشترك الإنساني وعدم الخوض في نقاط الأختلاف دون نسيانها؛ كذلك يدعو الإسلام إلى الوحدة الإنسانية تجاه تلك التحديات العالمية الكبرى التي تهدف إلى عدم الأستقرار و الدمار ونشر الكراهية بين أبناء الجنس البشري. أن الجوانب الدينية في حياة الشعوب أذا ما فهمت وطبقت بالطريقة الصحيحة لا تهدف سوى إلى التعايش السلمي بين بني البشر, في حين أن النظريات والأيديولوجيات البشرية لم تسهم إِلا بزيادة الهوة بين الناس إلى حد كبير. حتى الحروب و الثورات التي نشبت تاريخيا بأسم الدين, كان محركها الرئيسي و دافعها الأول الغرض السياسي الأقتصادي كالصليبية وبعض الفتوحات الإسلامية مثلا. بما معناه, أنه تم أستغلال الدين في هذه الحروب والثورات. و الحروب, وخاصة الأهلية منها, هي أسوء الحروب, لأن القتل و الدمار يأتي من مسافات قريبة جدا, ونتائج الثورات غالبا ما يمتطيها الأنتهازيين و يجني ثمارها المنافقين الفاسقين, ويستغلها المحتكرين, و في النهاية, يدفع ثمنها الشهداء الأبرار المكرمين بدمائهم الزكية الطاهرة العطرة. وهكذا تكون الثورات منافية للنص القرآني أن لم يكن الغرض منها الأصلاح وتحقيق الحياة الكريمة.
وبهذا الخصوص هنالك كتاب هام للأستاذ الدكتور ماهر يونس أبو منشار من جامعة قطر, صدر باللغة الأنكليزية في عام 2007 عن دار نشر تاورس في لندن بعنوان:
Islamic Jerusalem and its Christians: a History of Tolerance and Tensions
عن التعددية الدينية و الثقافية في الإسلام ,ويخص بتاريخ مرحلة معينة من العلاقات في بيت المقدس بين سكانه المسلمين و المسيحيين و عن الطريقة التي تعامل فيه المسلمين عندما كانو يحكمون المدينة مع مسيحييها و التي كانت في غالبيتها قائمة على الحرية و التعددية الدينية و الثقافية, وعرض الكتاب المذكور تحليل تاريخي للعهدة العمرية كوثيقة تاريخية مفصلية عن طبيعة العلاقات بين المسلمين و المسيحيين و لتعزيز فكرة التعددية من منظور إسلامي.
أن النص القرآني لم يكره الناس على الدخول في الإسلام عنوة كما يعتقد الكثيرين. يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم:
( لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى ). سورة البقرة. الآية: 256 . هنالك نقطة يجب توضح, وهي أنه يجب عدم الخلط بين الإسلام كنص وبين تصرفات وفهم وتطبيقات البعض من المسلمين لهذا النص على مر التاريخ الإسلامي. لقد كان هنالك أستخداما غير مناسب لهذه النصوص لأسباب سياسية, مذهبية, طائفية, دينية… وهنالك حتما صفحات غير مقبولة وعثرات في التراث الإسلامي يجب أن تصحح ويعيد التفكير فيها, أقصد كل ما يتعلق بفهم الناس للنص و تطبيقيه على أرض الواقع, و هذا التصحيح أنما هي خدمة جليلة وعظيمة للإسلام وليس بالضرورة نقدا كما يفهم البعض. حقيقة, أجمالا هنالك تيار كبير من المتخصصين من ذوي العقول النيرة المستنيرة لديهم مشروع ديني في تقديم الإسلام بصفائه ونقائه الأول من خلال النص الديني و أعادة قراءة لكتب التراث يضمن فيها روح التاريخ بين الماضي و الحاضر و يجمع فيها بين الأصالة والمعاصرة. للأسف, الكثير من هؤلاء لا يتم تسليط الأضواء عليهم جيدا- بشكل مقصود ومدروس, الأضواء تسلط أكثر على المتشددين, لتشويه الإسلام أولا, وثانيا لتجييش الجماهير ضده لأجندة مريبة خاصة. الآيه القرآنية واضحة في مسألة الحرية الدينية والإنسان حر في أختيار طريق الرشاد من دونه و حسابه عند الله عز وجل يوم الدين. وفي هذا المضمار, هنالك آيه قرآنية أخرى تشير وبشكل قاطع الى الحرية الدينية وعدم الأكراه.
يقول الله عز وجل:
. سورة يونس. الآية: 99. (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)
وفي سياق متصل على عدم الأكراه, أوصى الله سبحانه و تعالى الأنسان بوالديه معروفا و لو كانا مشركين, والجميع يعرف مدى فظاعة وطغيان الشرك في الإسلام, دين التوحيد. يقول الباري عز وجل في محكم آياته: (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا). سورة لقمان. الآية: 14.
وهكذا فالآيات الدالة على عدم الأكراه و قبول الآخر والتعددية عديدة في النص القرآني ولا نستطيع حصرها كلها هنا. و كل ما يقال عن الإسلام من مغالطات وألصاق تهمة التشدد و العنف به هي للأستهلاك المحلي و لخدمة أجندات معدة مسبقا. أن الإسلام يدعو إلى قيم الخير و السلام على الصعيد العالمي وأن أعمال الفئة القليلة ممن يدعون الإسلام ويسيئون اليه يجب أن لا تكون الوجهه المناسبة للتعرف على هذا الدين العظيم, بل يجب التعرف عليه من خلال منابعة الأصيلة العطرة.
كما أشرنا سابقا يدعو الإسلام إلى تعزيز روابط الوحدة و التآخي الإنساني ونشر رسالة خير و رحمة إلى جميع أرجاء العالم و ينظر الإسلام في الوقت ذاته إلى التعددية كثراء أنساني وقاسم مشترك للتعارف والتكافل بين الشعوب والأمم و ليس كعامل للتفرقة والصراع. أن العالم الإسلامي في الوقت الحاضر يعاني من الجروحات التي تنزف في كل أرجائه بسبب التفرقة والكراهية وحب السيطرة, أن هذه الجراح لن تندمل إِلا بالرجوع إلى النص الديني وأعمال العقل وأحقاق الحق ورد المظالم. أننا نريد الوحدة وتعزيز قيم السلام و العيش المشترك بين أبناء الوطن الواحد بكل مكوناته الدينية, العرقية, الثقافية و العشائرية/القبلية المختلفة وتعزيز أخوة الشعوب كما أشار النص القرآني إلى ذلك بكل وضوح.
و في سياق متصل, هنالك مواضيع الفتوحات الإسلامية و الجزية اللتان كان مثار جدل تاريخي بين الكثير من المؤرخين. أن الإسلام دعا أبنائه الى نشر الدعوة الإسلامية في جميع أرجاء المعمورة بالطرق الدعوية السلمية الحكيمة. قال تعالى: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ). سورة النحل. الآية: 125
أن الفتوحات العسكرية ليست من التشريع الإسلامي بالنص القطعي, و خلال فترة النبوة كان النبي صلى الله عليه و سلم يكتفي بالمراسلات و الدعوة السلمية الى الإسلام. و الغرض الأساسي من الجهاد في سبيل الله حسب النص القرآني هو لأهداف دفاعية وضرورات أجتماعية وسياسية كرفع الظلم وأستعداء الإسلام. أن بلاد فارس, الروم ومن ثم بيزنطة كانت تشهد أضطرابات داخلية سياسية, دينية وأقتصادية بسسب الحروب المتتالية التي خاضوها مع بعضهم البعض, فتحولت الزرادشتية فيها الى ديانة مليئة بالسحر و الشعوذة تحت سلطة حكم جائر, كذلك أدخل الروم الى المسيحية الجدال اليوناني القديم فأزدادات تعقيدا عما كانت عليه التعاليم الأولى للنبي عيسى عليه السلام, وبالتالي رأى الكثير من أبناء هذه المناطق الإسلام كخلاص من الذل والتمزق. كل هذه الأمور أضافة الى العامل السياسي التوسعي للأمويين( و توطيدهم أستبدادية الملك العضوض كما هو معلوم غدت دولة الإسلام القطب الأوحد في العالم كحال أمريكا الآن), كانت وراء الفتوحات- وكنا قد أشرنا سابقا الى أنه من الضرورة بمكان أن نفرق جيدا بين النص و الممارسة الفعلية.
كذلك يجب الأشارة الى الوضع القانوني لأهل الذمة في الفقه الإسلامي ومسألة الجزية التي تعتبر في أسوء الأحوال بمثابة ضريبة دخل أو رسوم أو أستحقاقات عامة للدولة تجاه أفراد الأمة مقابل الآمان وتقديم الخدمات الأساسية التي يقابلها الزكاة بالنسبة للموطنيين المسلمين مع بعض الأختلاف العقائدي. حتى الجزية لم تكن لكافة أهل الذمة على حد سواء, بل كانت فروقات و أختلافات الوضع المادي, الصحي, الأجتماعي لاهل الذمة كل على حداه تؤخذ بعين الأعتبار. ومصطلح أهل الذمة هو مصطلح فقهي بحت, فالنص القراني يسميهم (أصحاب الديانات السماوية الأخرى), أهل الكتاب.
وبأختصار, يمكننا القول بأن خير و سلامة البشرية تكمن في أحترام التعددية, المساوة في الحقوق, تمكين الأخلاق, عدم الأعتداء ونبذ العنف أيا كان مصدره و نشر قيم السلام, التسامح, العدل و إلاخاء الإنساني على الصعيد العالمي (وأن كانت أعمال الكثير من المسلمين على أرض الواقع لا تعكس ذلك), مصدقا لقوله تعالى: ( وما أرسلناك إِلا رحمة للعالمين). سورة الأنبياء. الآية: 107.
د. قبات شيخ نواف الجافي – دكتوراه في علوم الأديان – جامعة مدريد – إسبانيا
طريقتك في الاستدلال بالآيات القرآنية انتقائية بصورة مدهشة! صحيح ان هذه الآيات موجودة في القرآن بيد ان العمل بها كان فقط في الفترة المكية بسبب ضعف الاسلام والمسلمين. ولكن الآيات قد تغيرت الى شيء آخر تماما بعد الهجرة الى المدينة، حيث جاءت آيات القتال والحرب والغنائم والسبي والنهب ناسخةً بذلك آيات السلام والتسامح والحكمة والموعظة الحسنة. ومنذ ذلك الحين والى يومنا هذا فان القرآن المدني هو المعمول به والآيات المكية تُستخدم في إطار من الدعاية المتناقضة حيث الترقيع والتجميل والمديح والمبالغة في ذلك من قِبَلْ جامعة الازهر والشيوخ والدعاة والقنوات الفضائية الاسلامية والخطباء في المساجد وما اكثر هؤلاء الذين يتاجرون بالدين وبضاعتهم هو الكلام المعسول الذي لا يفيد ولا يغيّر ولا يؤدي الى شيء الا بقاء الوضع على ما هو عليه والى ابد الآبدين! اذْ ان الدين ثابت والحياة ديناميكية متغيرة وهم ألد اعداء التغيير والحركة والتقدم لان ذلك بطبيعة الحال يؤثر سلبا على وضعهم ومكانتهم في المجتمع.