صراخ الغربيين وبكائهم ليس حزنآ على أوكرانيا- بيار روباري

 

لا شك فيه أن الغزو الروسي الغير مبرر لأوكرانيا، هي أخطر أزمة تواجهه أوروبا وتحديدآ الغربيين منهم، منذ الحرب العالمية الثانية. والسبب في ذلك هو الدول المنخرطة في النزاع وجغرافيته. فمثلآ حرب يوغسلافيا السابقة رغم دمويتها وشراستها والمأساة الإنسانية الهائلة التي تسببت فيه، إلا إنها كانت ذات طابع محلي.

أما الحالة الحالة الأوكرانية فمختلفة، لأن روسيا دولة كبرى وقوة نووية هائلة، وغزوها لأوكرانيا ذات أبعاد جيوسياسية أكبر من اوكرانيا نفسها. فالهدف الروسي من الغزو، ليس فقط منع تحول هذا البلد إلى بلد ديمقراطي ومزدهر، وثانيآ التحول إلى المعسكر الغربي بشكل نهائي، وإنما أيضآ وضع حد لتوسع الناتو شرقآ، وفرض معادلة أمنية جديدة على الأوروبيين والأمريكان، أي على الحلف الأطلسي، وهذا ما يرفضه الحلف بالمطلق، أي العودة للوضع السابق بعيد سقوط الإتحاد السوفيتي. وإذا أردنا تلخيص الأهداف الروسية من عملية الغزو فيمكننا تلخيصها في ثلاثة نقاط رئيسية هي:

1/ منع أوكرانيا من الإنضمام للإتحاد الأوروبي، وهذا أهم هدف دفع بوتين للغزو. روسيا تخشى من الأنظمة الديمقراطية ألف مرة، من الأحلاف العسكرية كحلف الناتو. لأنه من الصعب لأي حلف عسكري مواجهة روسيا عسكريآ وهي تملك ترسانة عسكرية ضخمة وترسانة نووية هائلة. ولهذا وقفت ضد كل الثورات في المنطقة بما فيها الثورة الأوكرانية، لأنها تخاف من إنتقال عدوى الثورات إليها، وبذلك يفقد بوتين والزمرة الحاكمة معه السلطة، وهو الذي نصّب نفسه رئيسآ مدى الحياة.

2/ الإستيلاء على مخزون القمح والمعادن الهائلة الذي تملكه أوكرانيا، والسيطرة على طريق الغاز.

3/ منع أوكرانيا من أن تتحول لرأس حربة ضد روسيا في المستقبل بيد الغربيين.

وبتقديري الشخصي روسيا لن تتراجع عن غزوها، وستستمر في حملتها العسكرية حتى تسيطر على كامل تراب أوكرانيا، وقد يستغرق ذلك بعض الوقت، ويكلف الروس الكثير من الأرواح والمعدات، ولكن هذا أخر هم قد يشغل بال بوتين ووزيره سيرغي. هذا إذا لم يحدث شيئ غير متوقع، أو خارج كل الحسابات.

وهذا ما يدركه القادة الغربيين جيدآ، وكل صراخهم وبكائهم ليس حزنآ على الشعب الأوكراني أو على أوكرانيا، وإنما هو على خسارتهم سوقآ لشراء القمح والمعادن بأسعار رخيصة، وبيع المنتجات في سوقها، وفتح المصانع فيها بسبب رخص اليد العاملة الأوكرانية، وإمتلاك أوكرانيا موانئ بحرية قريبة من الأسواق العالمية. هذا إلى جانب فقدانها لخطوط الغاز والبترول الروسيين، اللذان يمران عبر أراضي اوكرانيا.

أما هدف الغربيين من تلك العقوبات الهائلة والقاسية للغاية، التي فرضوها على روسيا، وعلى جميع الأصعدة الإقتصادية منها، والمالية والدبلوماسية والعسكرية هي:

أولاً، رفع تكلفة الغزو على روسيا وأيضآ من كافة النواحي (إقتصاديآ، ماليآ، عسكريآ، وإنسانيآ).

ثانيآ، كي لا تفكر روسيا (بوتين) في غزو بلدان أخرى مثل دول البلطيق الصغيرة، التي تضم أقليات روسية معتبرة.

ثالثآ، إنهاك روسيا اقتصادياً، ماليآ، تقنياً وعزلها دوليآ، بهدف دفعها للإنهيار والتفكك من الداخل، كي لا تشكل خطرآ على أوروبا في المستقبل نهائيآ.

رابعآ، إعطاء الروس درسآ بالغآ، بأنهم مهما حاولوا، لن يستطيعوا الخروج على القرار الغربي، وستبقى روسيا دولة متواضعة وأقل من إيطاليا، رغم إمتلاكها للأسلحة النووية وموارد طاقة هائلة، ومساحات شاسعة من الأراضي.

وسيضغطون عليها حتى تزعن للغرب، فروسيا تفتقر لفن السياسة، وكسب الأصدقاء، ومتخلفة جدآ عن الغرب الديمقراطي والصناعي. فإن أرادت روسيا أن تلعب دورآ رائدآ في العالم، أولآ يجب أن تتحول

إلى دولة طبيعية، تحكمها المؤسسات والقانون وليس شخص يتزعم عصابة. وأن تتبنى سياسية سلمية تجاه الجوار وتتجه إتجاهآ ديمقراطيآ، وتعطي نموذ لمحيطها، وتصدر لها تنكالوجيا حديثة، وليس إرسال دبابات لإحتلالها، كما فعلت في العديد من الدول منها سوريا وأوكرانيا.

لا يهم الغربيين إن ذهبت أو بقيت أوكرانيا، المهم تأمين مصالحهم الإقتصادية، الجيوسياسية، ولجم الدب الروسي، كي لا يخرج من الغابة ويهجم على الساكنين في الجوار. وقضية اللاجئين لا تشكل عبئآ كبيرآ عليهم. لأن الأوكرانيين ينتمون لنفس الحضارة والقيم الدينية ولا يمكن تميزهم في الشارع عن الألماني أو عن مواطني أي دولة أوروبية أخرى، ويعملون بخلاف المتخلفين القادمين من الدول الإسلامية.

وكرديآ، يا ليت القيادات الغربية المنافقة حشدت ربع ما حشدته للشعب الأوكراني، عندما تعرض الشعب الكردي في غرب كردستان  أللغزو تركيا الإجرامي، وتحديدآ في لمناطق الكردية التالية: “أفرين، غريه سبي، وسريه كانية”. هم حتى لم يدينوا عمليات الغزو، بل أبدوا تفهمآ لها، ولم يقدموا طلقة واحدة للمقاتلين الكرد، بل ضغطوا على الكرد لتسليم تلك المناطق للأتراك، هذا هو العهر بحد ذاته، ولهذا أسمي السياسيين الغربيين “بالعاهرات الفاجرات”.

ما يميز هذه الأزمة عن غيرها من الأزمات، هي قابليتها للتوسع لتشمل كل أوروبا، وبالتالي إنخراط أمريكا فيها وتتحول لحرب عاملية ثالثة ومدمرة لكوكب الأرض والبشرية معآ. وبفضل هذه الأزمة عدنا من جديد إلى إسطوانة “إما معنا أو ضدنا”، التي أطلقها جورج بوش الإبن بعد هجمات 11 سيبتمبر. ولهذا تجد الكثيرين من قادة الدول اليوم محتارين ولا يدرون ماذا يفعلون. فالوقوف مع أي طرف له ثمن وقد يكون باهظآ في المستقبل. وفي هذا النزاع لا مجال ومكان للحياد، حيث كلا الطرفين الأمريكي والروسي يرفضون الحياد، وكل منهم وضع لائحة أو قائمة بأسماء الدول التي وقفت معهم أو ضدهم في المحافل الدولية.

وختامآ، الأوكرانيين والكرد هم ضحايا النفاق والعهر الغربي، والهمجية الروسية – التركية – الأسدية –

الداعشية.

08 – 03 – 2022

3 Comments on “صراخ الغربيين وبكائهم ليس حزنآ على أوكرانيا- بيار روباري”

  1. السيد بوتين لايعترف باوكراينا كدولة مستقلة ويحلم من روسيا القيصيرية
    و من يعرف الاب الروحي لبوتين الكسندر دوغين
    يستطيع فهم هذا الشي
    وكل يخرج بوتين واعلامه باسباب من هنا وهناك
    فلماذ يجب هل روسيا ان تكون قوية واكرواينا يجب عليها اتبقى تحت مظلة موسكو
    من يعلم ان بوتين بنفسه كان يريد الانصمام الى ناتو و الاتحاد الاوربي

  2. انا متفق تماما معك فبوتين يخاف من الديمقراطية والليبرالية في روسيا وخوفه من تفكك الاتحاد الروسي
    فمبناه هو الاليغورشييارية الروسية مثل نظام المافيا
    فهو انسان مخابراتي بنزعة نازية روسية
    وهو يعرف فقط كل مايتفق معه اوحسب رايه يجب القضاء عليه
    غمن يفهم الروسية ويسمعه واسلوب محادثته يحس بذلك

Comments are closed.