لا شرقية ولا غربية :- بقلم ( كامل سلمان )

هذا الشعار الذي تم طرحه لأول مرة في العام ١٩٥٥ م خلال لقاء الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر بمعية الرئيس اليوغسلافي الراحل جوزيف بروز تيتو والزعيم الهندي الراحل جواهر لال نهرو ، وتمخض عن هذا اللقاء تأسيس منظمة دول عدم الانحياز ، والتي انتمى اليها اكثر من خمسين بلدًا فيما بعد ، وكانت الفكرة ان تكون الدول الاعضاء في هذه المنظمة محايدة في سياساتها مع المعسكر الشرقي المتمثل بالاتحاد السوفياتي انذاك وحلفاءها ، والمعسكر الغربي المتمثل بالولايات المتحدة الامريكية وحلفاءها ، ، الدول التي كانت تقود هذه المنظمة لها ميول مع المعسكر الشرقي مثل يوغسلافيا وكوبا ومصر عبد الناصر ، وبالحقيقة كانت معظم الدول في هذه المنظمة هي معادية للولايات المتحدة الامريكية ولكنها استغلت هذه المنظمة لإظهار استقلاليتها المزيفة ، استطيع تشبيه استقلال هذه الدول بالنواب المستقلين في مجلس النواب العراقي في الظاهر هم نواب مستقلين وفي الحقيقة هم نواب لبعض الكتل ولكن بشكل غير معلن .. دول عدم الانحياز عجزت في الحقيقة ان تبقى غير منحازة فكانت مع الاحداث الدولية تجد نفسها منحازة بشكل او بأخر لذلك فقدت هذه المنظمة دورها تدريجيا وضعفت بشكل كبير مع رحيل معظم القيادات المؤسسة لهذه المنظمة ، وبعد نجاح الثورة الايرانية في العام ١٩٧٩ م اعلن قائد الثورة الخميني طرح مفهوم لا شرقية ولا غربية جمهورية اسلامية اي بمعنى لا انتماء الى الاتحاد السوفياتي وحلفه ولا انتماء الى امريكا وحلفها وكانت شعارات الثورة في جميع انحاء ايران الموت لأمريكا والموت لروسيا كتجسيد لشعار لا شرقية ولا غربية والشعارات كلما مر عليها الزمان تتآكل بفعل الدبلوماسية وتداول العلاقات السياسية بين الدول وفعلا حاليا في ايران لا يوجد شعار الموت لروسيا بل هناك شعار التحالف مع روسيا وهذا يعني الكذب السياسي غلب صدق المبادىء والشعارات الفارغة ، ثم اختفت هذه الشعارات وفجأة ظهر شعار لا شرقية ولا غربية بعد الانتخابات العراقية الاخيرة وهذه المرة على لسان زعيم كتلة سياسية هو مقتدى الصدر ولكن شعار لا شرقية ولا غربية التي يقصدها مقتدى الصدر تختلف في معناها وجوهرها عما قصدها جمال عبد الناصر ونهرو وتيتو وتختلف كليا عما قصده الخميني . وهنا القصد يخص الوضع السياسي الداخلي العراقي وبالضبط بمعنى عدم الوقوع بأحضان ايران او السعودية او تركيا او امريكا وان يكون القرار السياسي عراقي خالص متناسيا ان العراق ليس له سيادة فعلية على ارض الواقع ، وبسبب هذا الشعار ادى الى تخلي جميع القوى الدولية عن التيار الصدري وبما ان التيار الصدري اساسا هو قد ارتكب خطئا كبيرا حين تخلى عن ثورة تشرين واعلن العداء لها ، اصبح مقتدى الصدر وحيدا بلا سند شعبي كبير ولا داعم دولي او اقليمي ، وهذا عكس ما حدث لغريمه التقليدي تماما في قيادات الاطار التنسيقي الذين ظلوا متمسكين بالدعم والميول لإيران وبالرغم من حظوظهم الضئيلة في الانتخابات استطاعوا السيطرة على الموقف واصبحت الامور تميل لصالحهم ، فأصبح مقتدى الصدر في موقف صعب ، لا يستطيع التراجع عن الشعار الذي رفعه ( لا شرقية ولا غربية ) ولا يستطيع الاستمرار به للنهاية . فبدا في وضع سياسي غير مستقر ومتقلب ، وعدم الاستقرار هذا ساعد الاطارين على الاستقرار والثبات مع بقاء الكورد والسنة وباقي المكونات على الحياد …
من الجميل ان تكون غير منحاز لجهة معينة وخاصة عندما تعمل بالسياسة ، فالذي يعمل بالسياسة كالذي يعمل في البحر يجب ان يعرف السباحة والعوم والغوص والا سوف يغرق مع الامواج العاتية وامواج السياسة اعلى واقوى من امواج الماء . . .
انا لست حاضرا هنا لإعطاء توصية او نصيحة لأحد فجميع العاملين في السياسة العراقية متمكنين عقليا ونفسيا ولهم خبرات كبيرة ، ولكنهم يجب ان يعترفوا بأن الاخطاء التي وقعوا بها في السابق واليوم هي اخطاء كارثية ، اقولها وبكل وضوح اي انعزال وابتعاد عن الناس وانت قائد في الحكم فأن ضرر انعزالك سيؤذي الناس و سينعكس عليك عاجلا ام آجلا والحاكم الذي لا ينزل عند احتياجات الناس وحاجاتهم فلا قيمة لأي شعار يرفعه ولابد ان يأتي اليوم الذي يعض فيه اصبع الندم هذا إذا لم يدفع الثمن ! . . . . هناك حقيقة للأسف لا يدركها معظم السياسين الذين مروا على قيادة هذا البلد منذ بناء الدولة العراقية الحديثة وهي ان الشعارات لا يمكن ان تكون بديلا عن الخبز وان دور العبادة لا يمكن ان تكون بديلا عن دور الخدمات وان الاستعراضات الجماهيرية لا يمكن ان تكون بديلا عن التعليم والعلم والمعرفة ، ولا البندقية بديلا عن القلم ، فلم نعد بحاجة ان تجربوا كل هذا علينا فقد شبعنا من التجارب . وحان الوقت ان تثبتوا بأنكم قادة حقيقيون مخلصون ناجحون لقيادة البلد لتأخذونا الى بر الأمان ، او أنكم غير مؤهلين لقيادة البلد ، فأن كنتم غير مؤهلين ما عليكم سوى ان تتركوها طوعا قبل ان تتركوها كرها ، ان الذي جاء بكم لقادر على ان يزيحكم ، عسى ان تنفع التذكرة .