نمو ظاهرة الكراهية عند الناس :بقلم ( كامل سلمان )

ما معنى نمو ظاهرة الكراهية عند الناس ؟ ، اني اكرهك سأفعل ما يبغضك . اي انني افعل الشيء الذي يزعجك حتى وان كنت انا غير راغب لهذا الشيء الذي افعله ، المهم ان اغيضك ، فمثلا انا اناصر روسيا في حربها ضد اوكرانيا ليس حبا بروسيا ولكن كرها بأوكرانيا ، انا انتصر للصين ضد امريكا مع العلم لا تربطني اية رابطة مع الصين لا عقائديا ولا فلسفيا ولا حتى اخلاقيا ولكن شماتةً بأمريكا ، انا اتمنى فوز الفريق الاخضر على الفريق الاحمر ليس حباً بالفريق الاخضر ولكن كرهاً للفريق الاحمر ، وهكذا في الانتخابات التشريعية والعلاقات الاجتماعية وحتى في شراء الحاجيات ، يعني لغة الكراهية اصبحت هي التي تتحكم في مشاعر الناس وليست لغة الحب التي كانت في السابق هي التي تتحكم في مشاعر الناس ، اي ان عصرنا عصر الكراهية ، اي ان بوصلة التقييم للأمور وللاشياء وللناس تأتي من خلال مقدار الكراهية وليس من مقدار الحب ، وهذا ما لاحظناه في حب كثير من الناس وأستذكارهم لفترة حكم صدام حسين مع العلم نفس هؤلاء الناس كانوا من الكارهين لصدام حسين ولكن كرها بالنظام الحالي دفعهم الى هذا السلوك . هذه الظاهرة لا تجدها عند الإنسان السوي الطبيعي ولكن تجدها عند من لا يفقه من الحياة الا الصورة السيئة وهي ظاهرة خطرة على مستقبل الإنسان لأن ذلك سيؤدي بالنهاية الى فقدان القدرة على التمييز بين الصح والخطأ ، فالإنسان في هذه الحالة يكون اختياره للأشياء او الموالاة ليس من باب الرغبة الحقيقية ، شيء لا يصدق
اكثر المدافعين عن النظام السياسي الحاكم في العراق اليوم ينطلقون من مبدأ الكراهية للطرف السني مع علمهم بفشل وفساد النظام الحالي لذلك ارتأت الاطراف المستفيدة من هذه الظاهرة الى استغلال ذلك عند الناس من خلال ضخ الكراهية ضد الجانب المنافس عن طريق القنوات الاعلامية وعن طريق الفعاليات الدينية والاجتماعية التي تشحن الحس الطائفي وعن طريق تكرار وتذكير الناس بخطأ ارتكبه المنافس في يوم من الايام ، دون الحاجة الى التحدث عن اي مزايا جيدة للطرف المطلوب مناصرته ، وهذا يفسر انتشار الاعلام الطائفي على مدار الساعة لتحقيق هذا الهدف متناسين كل النتائج السلبية التي تصاحب هذا التوجه المريض ، لا يهمهم البشر وما يصيب البشر لكن يهمهم الوصول الى غاياتهم مهما كلف الثمن . . . يعني جاهلية مقيتة بثوب جديد .
العجيب في الامر تجد الإنسان في هذه المجتمعات غير قادر ان يراجع نفسه وتصحيح مساره والنظر الى مصالحه ومصالح اجياله فقد قفل دماغه واتخذ قراره فقط في خانة الكراهية بل غير قادر ان يميز حسنة واحدة لمن يكره حتى وان كانت الحسنات هي الغالبة لأن الكراهية أعمت بصيرته . . . من يحاول ان ينشد التغيير بمثل هكذا عقول فهو واهم وكل كلماته وافعاله ستكون هواء في شبك . المشكلة تكمن في ان إنسان هذا العصر لا يستطيع الخروج من دائرة الشيء ونقيضه اي لا يستطيع ان يكون حراً في اختياره ولا يستطيع الخروج من هذه الدائرة التي وضع نفسه فيها لأن كم المعلومات والثقافة التي يمتلكها لا تؤهله لمستوى اعلى من التفكير خارج نطاق الابيض او الاسود . ويؤسفني ان اقول هذا الكلام يشمل حتى شعوب بعض البلدان المتقدمة فقد لاحظنا في الايام القليلة الماضية ذهاب الناخب الامريكي في معظم الولايات الامريكية لانتخاب المرشح الديمقراطي على حساب المرشح الجمهوري وعندما تسأل الناخب لماذا انتخبت المرشح الديمقراطي وانت تعلم ان الديمقراطيين فشلوا في ادارة الدولة سيجيبك كرها بالجمهوريين بسبب قناعات زرعها الديمقراطيين في اذهان الناس من ان الجمهوريين عنصريين متناسين مصالحهم ومصالح ابناءهم ومتناسين قدرة الجمهوريين على تحسين الوضع الاقتصادي والاداري للبلد ، يعني انهم ضحوا بكل الامتيازات التي ترفع من حالتهم المعيشية مقابل تخوفات استطاع اعلام الديمقراطيين زرعها في نفوس الناس .
هذا المرض الجاهلي العصري اخذ طابع الانتقام في مجتمعاتنا فلم يعد الناس لهم القدرة على اخفاء كراهيتهم ولا حتى السيطرة عليها ووصل الامر ان يكره الفرد أخيه ويفعل كل ما يغيضه بمجرد خالفه بالرأي بل وينتقم منه شر انتقام والسبب الاعمق وراء بروز ظاهرة الكراهية عند الناس هو ضمور الوعي وقلة الثقافة وقد تصاعدت هذه اللغة ، لغة الكراهية بعد وباء كرونا التي عزلت الناس عن حب الحياة وحب الناس وحب الثقافة وشغلتهم فقط في التفكير بالموت لمدة سنتين متتاليتين تقريبا اضافة الى تحول وسائل الاعلام الى ادوات تدميرية بيد جهات همها الربح مع انخفاض مدخولات الفرد الى مستويات متدنية بحيث اصبح كل فرد يعتقد في قرارات نفسه ان السبب وراء كل همومه ومشاكله هو الطرف الذي يكرهه، ، ، ، ترهل الاخلاق وانحطاطها ينبىء بظهور موجات عنف تعم جميع المجتمعات والخاسر في الاخير هو الإنسان …
يبدو ان تطور الحياة مع تطور التكنلوجيا اخذت تفرز مساوئها على طبيعة البشر ، نحن الان بحاجة الى بعض انماط الحياة القديمة لنعيد الامور الى نصابها ، نحتاج الى ابعاد التوترات عن حياتنا ، نحتاج الى فترات نبتعد فيها عن صخب الحياة ، نحتاج الى اللامبالاة لكثير من الامور ، نحتاج الى الحب ، حب الحياة ، حب الناس ، حب الطبيعة ، نحتاج ان لا نتبع الاحزاب والتنظيمات والتكتلات القومية والدينية والفئوية ، نحتاج الى الهدوء في جميع نشاطاتنا اليومية . نحتاج ان نفهم ان العمر سنين معدودة وليست دائمية . واخيرا نحتاج الى فترات من الصيام ولا أقصد هنا بالصيام الديني بل الصيام عن كل الوسائل التكنولوجية التي رافقت معيشتنا والابتعاد عنها ونعيش ولو لفترات قصيرة حياة بدائية . فأن الحياة البدائية المؤقتة تمكن الإنسان من الحصول على السكينة والعواطف النظيفة التي تديم مسيرة حياته وتشحنها بالطاقة الإيجابية .