الفرق بين الهارب من العدالة والهارب من الظلم :- بقلم ( كامل سلمان )

الكثير من العراقيين هربوا من العراق الى بلاد المهجر في زمن النظام السابق ، فأكثر الهاربين هربوا بسبب الظلم والجحيم الذي ساد حياة العراقيين بعد الحروب التي أججها النظام السابق والحصار الظالم فكان هروبهم للنجاة بأنفسهم وأهليهم وقليل جدا من هؤلاء هربوا من العدالة بسبب ارتكابهم اعمال خاطئة او افعال مخلة بالشرف ، ولكن ما حدث بعد السقوط عاد الهاربون من العدالة والمطلوبين للعدالة الى الوطن ليقودوا البلد بينما بقي أكثر الهاربين من الظلم ساكنين ديار الغربة وراضين بحياتهم الجديدة واستطاعوا تأسيس كيان لهم ولأولادهم ومشوا على السكة الصحيحة وتعلموا اللغة وأكمل اولادهم الدراسات الجامعية وعاشوا معززين مكرمين في البلدان التي آوتهم ، ، الهارب من الظلم يستطيع التكيف مع الحياة الجديدة في بلاد المهجر ويرى فيها السعادة والاستقرار والتخلص من الجور والظلم لذلك فهو غير مستعد لإعادة عجلة الحياة الى الوراء والعودة الى الديار التي ذاق فيها المرارة رغم شدة الشوق الذي يعتريه لأرض الآباء والاجداد وذكريات الطفولة بينما الهاربين من العدالة والمطلوبين للعدالة لم يستطيعوا التكيف مع حياة الاغتراب ولم يفلحوا بالحياة الجديدة وبقوا طوال مدة مكوثهم في بلاد المهجر يعيشون عالة على المجتمع والدول المستضيفة لهم يبتدعون اساليب مختلفة للحصول على الدعم الحكومي والعيش بالحيلة ، فعند سقوط النظام عودتهم كانت أسرع من البرق الى الوطن وهم أول من ادعى المظلومية و بدأوا بحصد المكاسب ، وعودتهم كانت تكملة للمشوار الذي بدأوه أول مرة بالتمرد على القانون ، ، ، عادوا لينتقموا من العدالة التي طاردتهم و ليذلوا المجتمع الذي قد يحاسبهم في يوم من الأيام على سوء سلوكهم .
هذه التجربة لم تحدث سابقا في اي بلد في العالم ولا في التأريخ فهو ابداع عرفته بعض الزمر من العراقيين بإمتياز ، ان يعود القاتل لينتقم من المقتول ثم يصول ويجول امام أعين القانون ويخلق أكبر فتنة دينية وقومية وطائفية وطبقية لشعب آمن دون عقاب ، وبما انه شيء غريب عن الطبيعة البشرية فمن المؤكد ستكون نتائج رجوعه كارثية وهذا ما حصل بالفعل . فقد دفع الشعب العراقي أكبر ثمن في التأريخ لعودة هؤلاء الى الوطن . . . لقد عاش المجتمع العراقي بمختلف مكوناته طوال تأريخه بمحبة وطيبة واحترام وحياة ملئها التعاون والصدق ولكن على طول تأريخه ولسوء حظه دائما ما تجد مجاميع من المتمردين يجلبون الويلات لهذا المجتمع الطيب ويصبحون سببا لمآسي كبيرة تصيب المجتمع ، وهؤلاء المتمردون يزداد نشاطهم في الاماكن والبؤر التي تحتضنهم ولا يحاسبهم أحد ثم يجدون الطريق سالكاً للتربع على عرش المسؤولية والسلطة ، فالمجتمع يتحمل مسؤولية إيوائهم والتغطية على أفعالهم السيئة ، هم اعداد قليلة ولكن تأثيرهم السلبي يصبح كبير بوجود الحاضنات المجتمعية والحاضنات الإقليمية والدولية . . . السبب الرئيس الذي يدفع المجتمع لاحتضانهم ليس حبا بهم ولكن خوفا من جسارتهم وقدرتهم على إيذاء كل من حاول التصدي لهم .
هذه ليست قصة مسلية لنتداولها في مقالاتنا ولكنها هموم شعب يعاني ويصرخ ولا من مجيب ، انتفض الشعب فكانت انتفاضته نقمة ، تم سحقهم بلا رحمة ، لو كان وباءاً لأنتهى ولو كانت فاجعة لتم نسيانها بمرور السنين ، لكنه كابوس جاثم على صدر العراق ، فقد تعودنا في هذا البلد النوم تحت رحمة الكوابيس فما ان نصحو من كابوس حتى نجد انفسنا امام كابوس أعتى ، فلن تزول الكوابيس الا باليقظة من هذا النوم العميق .