في ثقافتنا الدينية والمجتمعية ننسب الشر الى الشيطان وننسب الخير الى الله ، ونعتقد بأن فاعل الشر من اتباع الشيطان وفاعل الخير من اتباع الله ، بذلك نكون قد حكمنا مقدماً على سلوك اي إنسان ضمن المقاييس المتوارثة ، دون ان نسمح لأنفسنا ان نجعل الاعتقاد الغيبي شيء لا يرتبط بسلوك الإنسان ، لأنه وبكل بساطة لا يوجد معتقد ديني على وجه الارض سواء أكان سماوي او غير سماوي وحتى معتقدات عبدة الاوثان ومعتقدات الشذوذ الجنسي ومعتقدات حانات الخمر تطالب الإنسان بالتمرد على القيم الاخلاقية الصحيحة ، وعندما نقول القيم الاخلاقية الصحيحة نقصد القيم التي بتطبيقها تؤدي الى نتائج اجتماعية ناجحة ، فهذا الربط الشيطاني بالرحماني خلق لنا اجيالاً تتكأ على الغيبيات في سلوكياتها ولا تدري بأن سلوكياتها سيئة جداً حتى أصبح الكثير من اتباع الله مصدراً للشر والفتنة من حيث لا يشعرون ، متوهمين بأنهم مدعومين غيبياً بكل افعالهم المشينة . لو كان الجاهل يعلم بأنه جاهل لما بقي الجهل على الارض ، لو يعلم الإنسان السيء إنه سيء لما بقي سيء في الأرض ، ولو يعلم كل منا مقدار الخطأ في عمله وسلوكه لأصبحنا ملاك ، ، الحقيقة المؤلمة أننا جميعاً نحب الخير ونحب الصح والصواب ونحب العلم ونكره الشر ونكره الجهل ونكره السوء ، ولكننا لسنا جميعاً نعرف حقيقة السوء وحقيقة الجهل وحقيقة الخطأ والصواب . والسبب في ذلك لأننا لا نملك المقياس المعتمد الصحيح لنقيس فيه الخير ونقيس فيه الشر والجهل والعلم والسيء والحسن ، كل ما نعرفه هو ان ننسب سوء افعالنا للشيطان وحسن افعالنا لله ونبرأ ساحة النفس والمجتمع والتربية من افرازات سوء السلوك ، وهذه ثقافة مريضة تخلق الضعف والاتكالية عند الإنسان وتجعله مهزوماً من الداخل ، مشكلتنا ما نعتقده ان الصحيح هو فقط ما موجود في عقولنا لأنهم علمونا هكذا ، ديننا صحيح وهذا يعني الديانات الاخرى خطأ ، هذا ما تعلمناه ، تراثنا وتأريخنا هو الصحيح وتراث غيرنا خطأ ، القوي هو الصحيح والضعيف هو الخطأ . هذا هو العلم الذي ورثناه ، وتمسكنا بكل تلك الموروثات ولكن فجأة وجدنا انفسنا في أخر القافلة متخلفين عن المجتمعات البشرية ، بعض المجتمعات القريبة منا سارعت لتصحيح مفاهيمها لكي تلتحق بالركب الحضاري فنجحت ، اما مجتمعاتنا مازالت ترفض التصحيح لإنها مشلولة الإرادة منذ الولادة … انا هنا اتحدث عن المقياس المعتمد لفرز الصح من الخطأ ، لم يعد شيخ العشيرة او المسؤول الحزبي او رجل الدين من يقرر الصح من الخطأ كما كان معمولاً به في السابق فهذا المقياس الكلاسيكي اصبح عديم الصلاحية غصباً عنا ، اليوم العلم وحده من يقرر ذلك ، القانون الإنساني وحده يقرر الخير من الشر ، كفانا العيش في دهاليز الظلام ونطالب الاخرين بالنور ، فلنخرج اولاً من الظلام ثم نقرر مطالبنا للأخرين بإيقاد الشموع ، اتركوا الشيطان واتركوا الله ، فأنا لا يهمني ان كنت انت شيطاني او رباني فما يصلني منك من خير هو الذي يهمني ، فقط ابعد عني شرورك وأرني الخير منك ، فهذا هو الرابط بيني وبينك وما بعد ذلك لا يهمني بمن تؤمن وبمن تعتقد ، وإذا صعب علي ان ارى الخير منك وان اتجنب شرك ، فالدستور والقانون هو الذي سيمنع شرورك بالقوة وينتزع منك الخير بالقوة فلنشارك جميعاً في صناعة القانون القوي المحترم الذي لا تلويه أذرع الاشرار و الذي يضمن حقوقي وحقوقك وحقوق الأجيال فالمجتمعات البشرية اليوم ينصفها القانون وليس الدين او المعتقد او الفتوى او مبادرات الأتقياء ، فهل تدرك ذلك ام مازلت في عالم الظلمات ؟ لا تتحدث معي بلغة معتقدك بل تحدث معي باللغة التي تجمعنا كبشر نتعايش سوية على هذه الارض ، فإذا سمحت لك ان تكون لغة معتقدك هي التي تدور بيننا سأسمح انا للحيوانات المتوحشة بالمقابل ان تتحدث معك بلغة الافتراس فهذه هي لغة معتقدها ، وهكذا تتحول الحياة الى غابة ، نعم هذه هي الحقيقة التي لا يدركها للأسف اصحاب الدين او المعتقد الهائج ، ولا يسمحوا لأنفسهم ان ينظروا الى هذه الدماء التي تراق بسبب سلوكياتهم المرتبطة بالمعتقد .
واحدة من اكبر المشاكل البشرية تعقيداً هو تلبس اهل الشر بلباس اهل الخير ، بذلك قد تم اضافة الالام جديدة الى حياة الإنسان البسيط الذي لا يقوى على متابعة تلك الالعاب القذرة التي بالحقيقة تسلب منه السعادة والراحة لأنه لم يعد قادراً على فرز لباس الخير الحقيقي من لباس الخير المزيف ، فكل شيء في حياتنا اصبح حقيقي ومزيف وبعض الاحيان صعب جداً ان تفرز هذا من ذاك . اصل المشكلة عند اهل الشر هي الانانية واطلاق العنان للرغبات والشهوات ، وهذا مالا يسمح به اهل الخير الذين يضعون جميع السلوكيات في موازين دقيقة .
فالسؤال هنا لماذا يرتدي اهل الشر لباس اهل الخير ؟ أليس هذا بمعنى انهم يدركون انفسهم من الاشرار ؟ الجواب اكيد يختلف عما نتصور ، لأن الاشرار واقعاً يعتقدون هم الاذكى والاكثر ادراكاً وان مفردة الشر موجودة فقط في عقول الاغبياء ، و يفعلون ذلك اي يلبسون لباس اهل الخير انما لإقناع السذج والوصول الى عقولهم ، فمثلاً ترى سياسي مجرم يرتدي ثوب الدين بالمناسبات الدينية او رجل ديني يرتدي ثوب التحرر والمدنية في احاديثه وهكذا تتنوع الاساليب والهدف واحد هو اقناع اكبر عدد ممكن بنجاح شخصيته المهنية . . . لو راجعنا حياة العظماء في التأريخ وحياة جميع الشخصيات الناجحة على كافة المستويات سوف لن تجد هذه المغالطات ولن تجد هذه الطرق الملتوية وحتى السياسي النزيه الناجح لا يدخل مثل هذه المداخل الملتوية ، هذه الاساليب ابتدعها اقذر انواع اهل الشر فقط لأجل الاستمرار بالحياة وكسب المزيد من الامتيازات ، ، ، المثقف والإنسان الواعي لا يحتاج الى مقياس لمعرفة مدى تفاهة هذا النوع من البشر ، ولكن للأسف الشديد المثقف دوماً يدفع الثمن لأنه يرى حقيقة الاشرار رؤية واضحة ، ولا يستطيع ان يغالط نفسه بغير ما يؤمن وما يرى .
حقا استاذ ومعلم بامتياز ….عاشت حياتك
الاستاذ خدر تحياتي وامتناني ، الكلمة الطيبة حصاد الطيبين