في الثقافة العشائرية العراقية وخاصة عند اهل الجنوب دائماً نسمع ب ( السالفة والرباط ) وهو تقليد في المجالس العشائرية يتم فيها طرح قصة او حدث ثم تربط العبرة من هذه القصة بالموضوع المراد طرحه فيما بعد ، هذا الاسلوب المتداول في المجالس العشائرية كان في السابق ولا زال الهدف منه المتعة في الحديث وقتل الفراغ والوقت وتسهيل الفكرة المراد طرحها بشكل تجذب الانتباه والاصغاء للمستمع بغض النظر عن ان السالفة حقيقية كانت ام خرافية او من وحي الخيال . اما في المجتمعات التي تخلو من الفراغ ولها صراع مع الزمن وللوقت قيمة وأهمية فأن عملية ربط الموضوع بقصة او سالفة مجرد هراء ولا قيمة له ولا يوجد من يستمع اليه وقد يفهم من الطرف المستمع على انه إهانة او تجاهل لثقافة الاخرين وعلى قدرة استيعابهم للكلام ، لذلك أخذت فكرة السالفة والرباط تنحسر ولم يعد يتداولها الا القليل من الناس لأنها أصبحت من الماضي ولم يعد اي منا يحتاج الى وسائل ايضاح لأمور تخص حياته او حياة المجتمع الا السذج من الناس اضافة الى ان معظم القصص المطروحة كانت تتناسب وطبيعة المجتمع العشائري ، ولكن المضحك ان هذا الاسلوب العشائري الذي له اسبابه في السابق أصبح اليوم مطروح وحتى على مستوى اعلاميين بارزين يتداولونه وكأنهم يقدمون اسلوب اعلامي راقي جديد ، وكذلك بعض السياسين يتداولونه كأي ماضي في تأريخنا فتحوا له الباب ليتنفس الصعداء .. وهذا يثبت بأننا مازلنا نعيش في الماضي ونتلذذ به ونرفض ان نكون منافسين في الحاضر لأن هذا الشعور اي شعور الحاضر أصبح من المحرمات ، يعني إذا اردنا ان نعد المحرمات سنذكر لحم الخنزير والخمر والميسر والزنا يضاف اليه التطور والثقافة والتطلع للمستقبل اصبحت كلها حرام حتى التفكير حرام ، واما الماضي السحيق بكل مايحوي يجب تقديسه واعادة فرمته وبنفس الشكل وفرضه على الحاضر فهو من الواجبات وليس من المستحبات ومهما كانت النتائج فأنها ستكون مقبولة لأن فيها رضا لنزعتنا الماضيوية .
ماذا لو التقى مسؤول كبير في الدولة وهو متعود على السالفة والرباط في موقع عمله ليتحدث به مع مسؤول دولة اجنبية ويحدثه عن السالفة ليربط به ما يريد قوله . هل ستصبح المحادثات الدولية والدبلوماسية أكثر من مضيعة للوقت ؟ هذا واقع المسؤولين عندنا اليوم ، يقلدون ما سبق دون ان يعطوا للزمن وحركة الحياة حقها ، وكأنهم ينظرون للأخرين بأنهم مازالوا يعيشون بنفس عقليتهم ، والكل يعرف بأن مسؤولي الدول الاخرى عندما يلتقون بمسؤولينا فأن الوقت عندهم محسوب للكلام المباشر وحتى للطعام بدون سالفة ولا رباط ولا مقدمات ولا مقبلات .
بعض مقدمي البرامج والاعلاميين يتسابقون للحصول على سالفة غريبة ليجعلوا لها رباط ومن ثم كسب الاعجاب خلال برامجهم الاعلامية ، وبدل ان يتعلموا اساليب اعلامية عالمية حديثة يذهبون الى الدفاتر القديمة ليجدوا سالفة ترهم على حدث ليقدموها كوجبة اعلامية شهية وينسون بأن الطبقات المثقفة الواعية في المجتمع أكبر من هذا المستوى الضيق من الكلام . هذه الظاهرة اشتهرت على يد بعض مقدمي البرامج دون ان يسأل احدهم نفسه هل هذه هي الطريقة الصحيحة لمواكبة العصر ؟ ولكن نرجع ونقول الاعلامي وغيره من الناس جزء من هذه الموجة التي تعصف بمجتمعنا .