بعض الكلام له عطر ، تشمه وتتمتع بأريجه الفواح ، أحرفه تبعث في النفوس السكينة والهدوء وتعطي للروح التأملات من عالم الجمال والكمال ، بعض الكلام دواء وبلسم للجراح وماء تطفىء به نيران الغضب ، كلمات قد تحيي بها العقول ، كلمات قد تضفي محبة على القلوب ، كلمات قد تزرع الوئام بين النفوس ، تصهر غيض القلوب ، تزيل الشجون ، منها تخرج الدلالات عن مشاعر الحب ، من الكلمات تظهر لنا ترانيم المحبة لقصائد الشعراء ، من الكلمات ما توصل الإنسان بخالقه ، بمعشوقته ، بأحبابه ، بذويه ، بمجتمعه . الكلام الذي ليس له عطر ليس له معنى ، ليس له قيمة ، ليس فيه فيض خير . عطر الكلام تشمه بأنفاسك وتحسه ببصرك وتلمسه بأناملك وتستنشقه بصدرك وتذوب به كلك ، كل شيء فيه عذوبة وجمال وأرتياح ، عطر الكلام يصدر من الالسن الطاهرة والقلوب النقية ، وجميل حين تنطقه الشفاه الباسمة فهو ثقيل على الالسن الملوثة ، فليس كل لسان يطلقه ولا كل قلب يحمله . حامل الكلام الطيب تجد فيه الصفاء والنقاء والبهاء كباقة ورد مقطوفة من جنة غناء ، كقطرات ماء تسقط من المزن وتندى على أوراق الشجر ، كهواء ، كطير يرفرف بجناحيه في السماء . كم من كلمة أحيت نفوس ميتة وأرشدت من تاه عن سبل الصواب ، وكم من كلمة قتلت روح الحياة وألبست الارض السواد .. الكلمة هي أخر ما تخرج من الإنسان ومن نهايات الفاه لترسم صورة وحقيقة ناطقها وكينونته .
فلو جمعنا مجموعة أطفال وعزلناهم وأحيينا فيهم قيمة وعطر الكلام الصادق و مزجناها بالحب النابع من الأعماق والعقل الذي يفلتر الكلام وتصفير بقايات الظلام ، سنحصد بعد سنين مجموعة من الملائكة بثوب بشر يستطيعون رؤية نور الله ورؤية الحقيقة المطلقة للناس ولا تخفى عليهم خافية لشفافية أنفسهم ، وهذا ما يسميه العارفون ( رؤية الملكوت ) أي رؤية حقيقة وكينونة الأشياء ، فإذا كانت قيمة الكلمة العطرة بهذا الكمال وهذا المقدار من المنال فلماذا نحن نهمل هذا الكنز الكوني العظيم ولا نجعل للكلمة وزنها .
الذين أنفاسهم عطر الكلام هم السعداء وهم الذين تضع الارض خدها وسادة لهم ، وهم الذين تتمنى الزهور أن تشمهم و تتبرك بهم ذرات الهواء ، فهل سنجعل كلماتنا التي ننطقها او نكتبها ذات عطر في المعنى والمقصد وبها نفارق عالم الملوثات التي أتعبتنا كثيراً .