ظاهرة الرأي العام تُشكِّل إحدى الظواهر الهامة التي عرفتها المجتمعات البشرية منذ القدم , وترتبط ظاهرة الرأي العام بظهور المجتمعات الإنسانية وتطورها وتطور أنظمتها السياسية, ليتولد أجماع بين المعنيين بدراسة الرأي العام والمختصين في مجاله حول تعريف محدد ودقيق للرأي العام, يلقى رضا جميع الكتاب والباحثين في العلوم الإنسانية بشكل عام والعلوم السياسة بشكل خاص , وذلك إنما يعود إلى أن ظاهرة الرأي العام بحد ذاتها ظاهرة ديناميكية متبدِّلة , كما وان الزاوية التي ينظر عن طريقها أي باحث في الرأي العام تختلف عن تلك التي ينطلق منها باحث آخر . وبما أن الرأي العام من منظور أوسع يُعد نوعاً من أنواع الوفاق الجماعي، بشأن الأمور السياسية والمدنية، تتوصل إليه الجماعات المكونة للمجتمع الأكبر, ويمكن أن تتنوع هذه الجماعات من كيانات صغيرة إلى جماعات ومجتمعات دولية ضخمة. والسلوك السياسي يُعد نمطاً مهماً من أنماط السلوك الإجتماعي, والذي يخضع إلى شروطه, ومواصفاته و أحكامه و قوانينه, أن نفسها المتعلقة بحكم القيادة, وتنظيم وتنسيق المجتمع بغية تحقيق أهدافه, و إشباع طموحات وتطلعات أفراده, والتي يجب أن تنسجم مع طبيعة النظام الإجتماعي, والتي تحاول القيادة السياسية تعزيزه ,والحفاظ على نهجه من الأخطار والتحديات الداخلية والخارجية, وفي الوقت نفسه تعمل جاهدة على ترسيخه وتنميته وتطويره, خدمة لأهداف المجتمع التكتيكية والإستراتيجية, والسلوك السياسي ,ذلك النشاط والفعالية التي يمارسها فرد أو مجموعة أفراد يشغلون أدواراً سياسية معينة يستطيعون بواسطتها تنظيم الحياة السياسية في المجتمع, وتحديد مراكز القوى فيه, وتنظيم العلاقات السياسية بين القيادة والجماهير. وهناك العديد من العوامل التي تتداخل في تكوين رأي الأفراد ومن ثم تنمو في أفراد المجتمع لتتداول ويتم دعمها لتصل في النهاية لتكون الرأي العام في قضية ما إمّا بشكل تلقائي أو بشكل متعمد مبني على الحقائق والتوعية أو مؤسساً على الإشاعات أو الخداع وفقا لما هو معروف في طرق تشكيل الرأي العام. والتحول الديمقراطي ما زال طويلاً وأن هناك عقبات عديدة تعترض عملية التحول الديمقراطي، وأن النظام السياسي في الدول النامية يمر بمراحل صعبة من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية، وترجع هذه الصعوبات إلى أن أجيالاً، قد نشأت في ظل ثقافة سياسية معينة لا تتوافق وعملية التحول الديمقراطي، كما أن هناك ممارسات وتقاليد قد ترسَّخت في ظل الشرعية الثورية، لا يمكن من الناحية العملية التخلص منها بسهولة، إضافة إلى ذلك هناك مصالح قوية قد تشكلت في ظل الشرعية الثورية، ولا بد أن تقاوم أي تغيير من شأنه أن يضر أو يمس مصالحها. والثقافة السياسية، هي محصلة لتفاعل الزمان والمكان والعقل الاجتماعي والسياسي لأي مجتمع، ولذلك فمن غير المنطقي أن يسودهم جمود للثقافة السياسية. لذا كان هناك الكثير من النماذج التي وضعها المختصين، لتفسير طرق وآليات تشكيل الرأي العام المقصودة والممنهجة، منها “نموذج احتمالية التفصيل”, والذي كان يستخدم في الأصل في فحص عملية تكوين الاتجاهات، ثم تطور ليشمل المعارف أيضا، ويبين هذا النموذج أن أمام الأفراد مسلكين للتعليم, المسلك المركزي والذي يتطلب قدرا كبيرا من الفكر, والمسلك الخارجي والذي يشتمل على مستوى منخفض جدا من الفكر, وتؤثر الدافعية وقدرات التعلم على المسلك الذي يتخذه الفرد في أي موقف, وذلك بحسب مستوى الدافعية إلى المعرفة بالأخبار السياسية يختلف كثيرا بين الأفراد, لأن لدى المواطنين حافزا ضئيلا للانخراط في التحليل المعقد, لذا لا يمكن معالجة الإعلانات السياسية المعقدة والتي تشتمل على قدر كبير من المعلومات بكفاءة لأن الأفراد يعالجون الإعلانات من خلال المسلك الخارجي، ويبتعدون عن نمط المركز والذي يحتاج إلى قابليات وأدوات ومناهج مدروسة ومتقنة، تحتاج لفترات طويلة من التدريب والتأهيل. ومساهمة الرأي العام في صنع القرار تعتمد بالدرجة الأولى على احترام حقوق الإنسان وحقه في الاختلاف وأن يكون له رأي مؤثر في صنع الحياة من حوله , ولن يتحقق ذلك في غياب مؤسسات المجتمع المدني وسيادة روح الاعتدال وقيم الوسطية والتسامح والاعتراف بحق الآخرين في المشاركة والحياة الكريمة . ولكن في كثير من الأحيان تستخدم الحكومات وسائل الإعلام كسلاح لخلق رأي عام زائف يعطي الانطباع بقبول الرأي العام للقرارات أو أنها جاءت نتيجة لاختياره الحر .
معنى الرأي العام هو موقف يتخذه الفرد أو الجماعة, نتيجة حادثة أو مشكلة أو تغيير، يحصل في سياقات الحياة المعاشة، لذا فهو يقوم على مكونات كثيرة, وتراكمات تربوية وثقافية، منها ما يكون فطرياً يسير بحسب سياقات خصوصية الفعل الاجتماعي لأي مجتمع، وفي أحيان أخرى يتم تسييرها بمعطيات مصطنعة ومفتعلة, من جهات إما تريد تثبيت حالة الوعي المجتمعي, على فهم معين وظاهر، أو تريد حرف أو تغيير أو تقليل وطأة فهم تلك الحادثة، لذ اقترنت عملية تشكيل الرأي العام بمحددات واشتراطات وأدوات متنوعة, تختلف في شدتها وقوتها وضرورة توافرها، بحسب طبيعة المجتمع, وطبيعة الحدث وقوته وشدته, ومقدار امتلاك جهات التأثير لأدوات كامنة وظاهرة, تمكنها من أعادة تشكيل الرأي العام أو حرفه.
أن السلوك السياسي للمشرِّع في عمله الناجح نابع عن مفاهيم وإحكام علم الإجتماع السياسي للمجتمع الذي يمثله والذي لا مفر للمشرّع ألا يعتمده كوسيلة وغاية وهدف بدون أي تردد وشك إتباع اجتماعي في تشريع قراراته الصائبة الذي يعتمد قطعا الوسائل العلمية والأهداف الجماهيرية الواسعة والواقعية , إي بالموجز انه يكون مشرَّعاً يعكس حقيقة النظام الإجتماعي لواقع مجتمعه وتنشد العلمية مؤسسيا سياسيا المؤسساتية والتنظيمية في تخطيط وإدارة حياة المجتمع وتنميته, ويهدف إلى نقلت المجتمع برمته إلى مرحلة حضارية متقدمة وديناميكية التي هي بمثابة حجر الزاوية مصيريا لِتَلاحم الاغلبية على اقل تقدير من الرأي العام للمجتمع مع المشروع تلاحما, فالمجتمع من خلال منظماته المدينية والمهنية والنقابية تساهم مساهمة فعالة في إنجاح وإفشال السلوك السياسي للمشرع عند سوء استيعابه لمبادئ الشورى المجتمعية, وما على أدراك هذه الحقيقية وتعميقها في المطلوب من المشرع ليس ألاّ أن يكون عازما المجتمع لكي ينتفع منها ويتطور المجتمع من خلالها في شتى الميادين الحياتية, لذا فالتفاعل العضوي بين المشرع والمجتمع الذي يهدف إلى تحقيق الصالح العام ونشر الحق والحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية والتنمية الإقتصادية هي من المقومات المركزية الثابتة لطبيعة الديمقراطية التي يتسم بها النظام الإجتماعي المتقدم بين المشرع والمجتمع ويعبر عن نفسه في سلوكه وطالما مثل هذا التفاعل موجودا بشتى ميادين الحياة, فأننا نستطيع القول بأن المجتمع بنظامه الإجتماعي والمشرِّع بسلوكه السياسي سائران معا في الطريق الصحيح طريق التقدم والنهوض والإستقرار. وتلجأ الحكومات الناجحة لعدة وسائل للتأثير في الرأي العام، طمعا في الحصول على تأييد الغالبية الشعبية، من تلك الوسائل نشر الثقافة السياسية وزيادة الوعي السياسي لدى الجماهير، فمن المعروف أنه حتى يستطيع الرأي العام المشاركة الإيجابية في العمل السياسي، أن يتكون لدى الجماهير درجة عالية من الثقافة السياسية خاصة في العصر الحديث الذي تعقدت فيه الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمواطنين. فالرأي العام باعتباره “مجموعة الأفكار أو المعتقدات التي تكونها الشعوب عادةً في مسألة معينة في أي دولة ” فهو عرضة للتضليل والتوجيه وسهل التأثير عليه وقيادته نحو الوجهة المرغوبة من جانب الأنظمة أو الحكومات ، وذلك بغض النظر عن طبيعة النظام السياسي. إن الموضوع متشعب وعميق . الحل يكمن في بناء وصناعة منظومة المركز الوطني لاستطلاعات الرأي العام ، كما هي الدول المتقدمة ديمقراطيا وإعلاميا ولدينا بصيص جيد لبعض المؤسسات التي تعمل في بناء استطلاعات جيدة خارج نطاق الفعل الإعلامي اليومي المباشر. للمثقف و للخطاب السياسي تأثير في المجتمعات الديمقراطية لأنه يوجد لديهم رأي عام فاعل ولأن السياسيين وأصحاب القرار يحسبون حسابا للرأي العام ويضعونه في اعتبارهم لأن الشعب هو الذي انتخبهم وبالتالي يعنيهم كسب ثقة الشعب كي يستمروا في السلطة ويضمنوا انتخابهم مرة أخرى بالإضافة إلى الحرص على المصلحة الوطنية التي هي محل إجماع وطني تقريباٍ ولأن المثقفين في الغرب ذوو مصداقية واحترام سواءً من قبل الشعب أو من قبل ذوي السلطة،أما في حالتنا العربية ومع افتراض وجود رأي عام فإن تأثير المثقفين أو أصحاب الخطاب السياسي العقلاني والديمقراطي على الرأي العام ضعيفا ،وتأثير الرأي العام المُفترض على أصحاب القرار غير واضح وغير مؤثر,فهناك علاقة متوترة ما بين المثقف والسلطة وما بين المثقف والشعب وما بين الشعب والسلطة، فالشعب لم ينتخب ممثليه السياسيين , حتى إن جرت انتخابات فالنتائج تكون مضمونة مسبقاً لصالح النظام القائم،هذا بالإضافة إلى غموض مفهوم المصلحة الوطنية التي يفترض أن تحكم وتوجه السلوك السياسي.
والأحزاب السياسية في دول العالم الثالث قد ارتبط كفاحها ضد الحكم الاستعماري بزعماء التنظيمات الوطنية التي شكلوا فيها بعد الأحزاب السياسية ونقابات العمال وغيرها من التنظيمات البيروقراطية، مما دعا إلى أن يطلق مصطلح الديمقراطية السياسية على النظام الذي تسعى لتحقيقه في الدول النامية الآخذة بطريقة التوريث، وعرفه بأنه نظام حكم مدني من خلال توسيع قاعدته الاجتماعية وإعطائه دورا واسعا للجماهير، ودورا أقل للأجهزة الأمنية من أجل توسيع قاعدة المشاركة في صياغة صنع القرار، وتنفيذه بدلاً من الانفراد بالقرار، إلى جانب الوقوف في وجه الممارسات التي تصب في وجه الإرادات ، ولذلك فإن النشاط السياسي في أي نظام هو إلى حد كبير نشاط تقوم به الأحزاب السياسية والجماعات صاحبة المصلحة، فكلاهما يمثل القوى الاجتماعية، وهما يمثلان الوسائل التي تستطيع من خلالها الطبقات والمحليات وغيرها السعي إلى تحقيق أهداف سياسية اجتماعية اقتصادية.