عَبر تاريخنا الطّويل والمَرير واتتنا مرة أخرى في عام 1991 فُرصَة ذَهبية لكَي نُداوي جراحنا بعد سلسلة من الحروب والقصف بالغازات السامة والإبادة الجماعية والتهجيرالقسري والتغييرالديمغرافي الذي لم تنجو منه بقعة تراب من أرض كوردستان.
إلا أنّ الصراع على النفوذ بين قُطبي المُنافسة داخل كوردستان ظَهر مَرّة أخرى وَلم تَخمد نيرانه الّتي بقيت مُشتعلة تَحت الرّماد بل مافتأت تظهر بين الحين والآخر تَشتد وتهدأ وفق وتيرة سَعي كلا القُطبَين الديمقراطي والإتحاد للإستحواذ على مَزيد من النّفوذ في مُؤسسات الإقليم والسّيطرة على ثروات الوطن وَوَضع اليَد على مصادرالدّخل الإقتصادي.
دامَت الهدنة في ظاهرها لطالما كانت المناصب في بغداد تُغني الإتحاد في تَربّعه لكُرسي رئاسة جمهورية العراق الإتحادي والديمقراطي كان قد إستحوذ على رئاسة الإقليم الكوردستاني وأيضا الحكومة في أربيل بالتناوب مع منافسه الإتحاد – ولو شكلا – الأمر الذي أتاح للديمقراطي المجال لوضع يد قياداته على منابع الثروة في الإقليم وموارد الدخل ومنافذ الحدود شمالا وغربا وبعضها شرقا.
إستهانت قيادة القوتين بالحساسية التي تُقلق الأعداء التاريخيين للشعب الكوردي إزاء المُكوّن الكوردستاني الذي بدأ ينمو من تحت التّراب المُشبَع بدماء شُهداء الحُرية في جنوب كوردستان . فبينما كانت الدّولتين شمالا وشرقا تُتابع بدقة التّطورات على حدودها الإقليمية لم تغمض لهما عَين بَل تَسللّت بخبث إلى قلب مراكز القوى في كوردستان ليس للحصول على أدَق المَعلومات عن كل مايمتُّ إلى الإقليم الكوردستاني في العراق بصلة وَحسب بل زَرعت لنُفوذها داخل الأقليم لوبي يَدفع قطبي النفوذ في كوردستان إلى المزيد من التناحر والتباعد عبر نشرالغسيل الوسخ لكلا الطرفين تأجيجا لنارالتنافس التي لاتزال راقدة تَحت الرّماد.
أما بغداد التي أنعَمَت عَليها بريطانيا العظمى بضَم جنوب كوردستان إلى المملكة العراقية فإنّها هي الأخرى تَتَحرك وفق مُعطيات نفوذها السّلطوي العنصري وفكرها الطّائفي البَغيض وبما تراه تثبيتا لسُطاتها في جميع أنحاء التُراب لما يُسمى بجمهورية العراق الإتحادي بعد أن أصبَحت تَتَحرك وُفق تَوجيهات لوبي ولاية الفقيه وما كان إختراع وتشكيل ما أطلق عليه بالحشد الشعبي سوى قُوة رديفة للحرس الثوري الإيراني على أرض جمهورية العراق الإتحادي تُنفذ مهام بسط نفوذها على جميع أنحاء تراب كوردستان بل وللتّدخل عَبر الحدود الدولية الغربية. وبموجب التّرخيص والتّمويل الحكومي لبغداد قامَت هذه الحشود المُدججة بالسّلاح والعتاد باحتلال مدنا وقرى ومساحات شاسعة في كوردستان مُتحدية حكومة الإقليم ومنتهكة سيادتها على تلك المناطق.
طبعا، لم تَتَمكّن حكومة الإقليم من الوقوف أمام إجتياح جحافل مُسلّحي الحَشد الشعبي للمناطق الكوردية في سنجار وشيخان وتل عفر ومخمور وخانقين ومندلي وديالي وكركوك ورأت أنّ أية مقاومة عسكرية للبيش مه ركه أمام إحتلال جحافل الحشد الشعبي لكوردستان فخا يَهدف إلى جَرّها إلى حَرب إستنزاف قاتلة غَير مُتوازنَة كَما وَنوعا.
وأما وُجود قُوة عسكرية للتّحالف الدُوَلي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية التي تقوم بتدريب البيش مه ركه والقوات المسلحة الإتحادية للتصدي لداعش والمنظمات الإرهابية وتقدم الإستشارات والمعلومات والذي تواجدت بموجب إتفاقية أمنية مع حكومة بغداد وبترحيب من الإقليم فإنّه بدأ يَدخل مَرحلة العّد التنازلي بعد زيادة وتيرة تعرض القواعد العسكرية للقصف الإستفزازي ومقتل الجنود الأمريكيين وبحُجج رخيصة تهدف جميعها إلى دَفع تلك القُوات لمغادرة الأراضي العراقية من العراق وكوردستان خاصة.
بَعد وضع المَعالم الرئيسية – حسب رأيي – لواقع الحال الكوردي الراهن ماذا يَتَوجّب علينا لكَي نتَمكّن من حماية وُجودنا المُهدّد؟
حَسب رأيي، نَعود إلى ضرورة تَكرارالدّعوة والتذكيرإلى تَغليب المصلحة العامة القومية العليا على المنافع الحزبية للديمقراطي والإتحاد. إذ أنّه لايَحق لأي طَرف من هاذين الحزبين أن يَدعيّ الكمال والأفضلية أو النزاهة بل أن يُدركا سواء بسواء أنّ الخَطر المُحدق سَوف يأتي عليهما والطّامة ستَحلّ على الجّميع. وإلا فإنّ يَوم غَد لَن يكون بأفضل من اليَوم، وسَوف تَذهب تَجربة ثلاثة عقود هَباء منثورا كما غيرها من تاريخنا الدامي المرير.
وقَبل أن ندعُو الأمم المتحدة، والمنظمات العالمية وَنُناشد الولايات المتحدة الأمريكية ونُخاطب الإتحاد الأوربي لرَدّ العدوان عن وطننا علينا نَحنُ أولا أن نكون وَطَنيين بالقدرالذي يجعلنا مُتحدين جَديرين بالحياة الحُرّة كشعب لهُ أرضُه ومكانته المُستقلة.
فإن لَم نكن نَحن مُستعدّين للدّفاع عن شَرف وكَرامة وحُرّية شَعبنا، فَمن سَيقوم بذلك نيابة عن البارتي والإتّحاد وكلاهُما يَدّعي شَرعيتَه في زعامة ما تَبقى لنا من كوردستان؟
Ibrehîm Şitlo
Kurdish&Islamic Studies Association
29th January 2024