يقول الراحل الکبير مظفر النواب: “أطرق من خلف الباب مهيب
فصرخت من الطارق؟ ليس لديك جواب!
أنت تذوب بصوتك،
من أنت؟ وماقصة ريحك؟
وفي هذا الوقت المشبوه تزور!”
في لحظات الدهشة والذهول التي تجعل الانسان من جراء ذلك، أن يتسمر في أعماقه وليس في مکانه فقط، فإنه يتيقن في هکذا لحظات بأن ليس کل جواب على سٶال ما، يعتبر جوابا، إذ هناك ثمة إشکالية تفرض نفسها قسرا! فهناك جواب باهت وهناك جواب يقتل السٶال وهناك جواب يخضع کالعبد للسٶال وجواب يتصنع المنطق وهو للمنطق لاعن وقد يکون هناك جواب صحيح على السٶال ولکنه يضيع بين آلاف الاجوبة التي تجعل السائل ينسى أصل السٶال، وهکذا دواليك وقد يخال حينا بأن الافضل أن لايکون هناك جواب کما فعل النواب آنفا، وهذا مايجري في العراق وفي سوريا وفي لبنان وفي اليمن وفي ليبيا والسودان حيث نرى في هذه الدول مايبعث ليس على السقم والالم والاحباط فقط بل وحتى على أقصى درجات السأم!
“إن للشيطان طيفا، وإن للسلطان سيفا، فمن سقمت سريرته صحت عقوبته، ومن وضعه ذنبه رفعه صلبه”، قالها الحجاج أبن يوسف الثقفي(وماأحوج العراق إليه الان)، ذلك إنه بين طيف شيطان الحجاج وسيف سلطانه، حکمت”بضم الحاء کسر الکاف” وتحکم”بضم التاء وتسکين الکاف” شعوب طوال ال1500 عاما المنصرمة، وإنني أجد في کلام الحجاج هذا معنى عميقا جدا وکأنه عالم إجتماع، وقطعا فقد صدق الخالد أبو تمام عندما قال:
السيف أصدق أنباءا من الکتب في حده الحد بين الجد واللعب
ذلك إن هذا السيف قد کان الاصدق قولا على مر العصور، حتى أکاد أن أقول بأنني أرى شعوبا قد ألفت هذا السيف وهي تعشقه من دون أن تدرك ذلك.
ينسب للحجاج إنه قال في أهل العراق في رسالة له الى الخليفة عبدالملك بن مروان وهو يصفهم: قوم إذا ملئت بطونهم ووضعت العصي فوق رٶوسهم سيرتهم أنى شئت”! العراق ومنذ عام 1921، حيث قيام النظام الملکي وبعد إنقلاب 14 تموز وماتلاه من حکم العارفين وبعد 9 نيسان2003 وحتى الان، لم تتمکن کل الانظمة المتعاقبة من أهل العراق بکل أطيافه کما تمکن صدام حسين، فقد کان بحق مجسدا للقول أعلاه، ونجح کما لم ينجح غيره منذ 1921 وحتى 2023! وبين الحجاج وصدام أجد إن العراق أفضل حالا مما هو عليه الان!!
قد يکون هناك من ينبري بالاعتراض على ماأذهب إليه، ويبادر الى طرح المبررات والحجج والمعاذير، ولکن مهما قيل وذکر فإنه لن يخرج من رحم الموروث على مر ال1500 عاما الماضية، بل إن هناك قطاع عريض ممن مازالوا عالقين في رماله المتحرکة التي إبتلعت عقولهم قبل أقدامهم وأطبقت عليها، والسٶال الذي يطرح نفسه هنا ولست أنا أو غيري من يطرحه هو: هل من سبيل للخروج من هذه الرمال المتحرکة؟!
لکنني أريد أن أستدرك وألفت النظر الى إنه ليس للسيف فقط وقعه وتأثيره الکبير وإنما للکلام أيضا وخصوصا فيما لو تم غمس الغايات والاهداف التي يبتغي البعض الى تحقيقها في الدين ومنحها بعدا مقدسا، فالکلمات هنا تغدو ذات طابع سحري من حيث تأثيرها على الانسان کفرد وکمجاميع وتدفعه للإنقياد بإندفاع کذلك الاندفاع هربا من حد السيف في حالة غضب السلطان!
القيم والافکار الروحية ولاسيما الدينية منها، مهمة وضرورية في البناء الذاتي للأمم والشعوب، ولکن في نفس الوقت تکون هذه الافکار فيما لو تم إستخدامها وتوظيفها بسياقات غير سياقها الحقيقي، فإنها تصبح وبالا على الامم والشعوب، ذلك إنها تصبح مصدر إثارة حروب وفتن ويتداعى عنها الدمار والمصائب والمآسي، ولعل فيما فعلته التيارات الضالة نظير الخوارج والحشاشين والقاعدة وداعش ومن لف لفها، نماذج يشار لها بالبنان بهذا السياق، ولکن هل إن هذه النماذج قد إنتهت أو أصبحت شيئا من التأريخ؟ الاجابة کلا!
الحقيقة التي لامراء منها هي إن کل إستغلال للعامل الديني في غير موضعه الروحي التربوي المقوم للنفوس وجعله أداة ووسيلة للقتل والدمار وتصفية الحسابات أو أي هدف آخر کان، إنما هو إلقاء شيطاني أبعد مايکون عن السماء، وبقناعتنا فإن ماطرحته الجماعات الضالة من أجل إستغلال العامل الديني لتحقيق أهدافها، إنما کلها أفکار وطروحات شيطانية وحتى يمکن القول وبثقة وإطمئنان، إن کل من يعمل في ظل هکذا أفکار ومفاهيم لها أبلغ الآثار السلبية ويستقتل من أجلها، إنما هو طيف للشيطان ذاته وهکذا أفکار يجب أن تتم مواجهتها بسيف السلطان الذي سيکون بالضرورة ذو حدين، حد جزائي لمن لاينفع معه”الحکمة والموعظة الحسنة” و”المجادلة بالتي هي أحسن”، وحد إثابة لمن يعود الى وعيه والى الطريق القويم ويدرك بأن الدين الذي آمن به آبائه وأجداده غير ذلك الفکر الشيطاني الذي إنقاد وراءه عبثا ومن دون طائل.