هل نحن بحاجة إلى الكذب لتسويق رواياتنا وأفكارنا ؟- كامل سلمان

لا تستغربوا ذلك فهناك بعض الروايات وبعض الأفكار لا يتم تسويقها إلا بالكذب لإنها لم تك أبداً أفكاراً صحيحة ، ولم تك روايات واقعية ، ولم تك مقنعة عقلياً ، ولم تك نافعة بأي حال من الاحوال فهي فاسدة من المنشأ ، وتداولها بين الناس فتنة وشرارة نار ، بالإضافة إلى مضارها فهي عديمة القيمة ، حالها حال بعض البضائع الرخيصة البذيئة المغشوشة تحتاج إلى الكذب لتصريفها ، وأكيد الكذب يحتاج إلى أناس متمكنين ولهم ملكات خاصة ولسان سليط ، وكما يقول المثل العراقي ( الكذب المصفط ) أي أن الكذب يجب أن يكون فيه جمالية التركيب والترتيب والتقديم ليتقبلها المتلقي ، يستطيع هؤلاء الاحترافيون المتمرسون بالكذب إلى ترتيب وتصفيط الكذب بشكل يوحي إلى السامع بإنه صدق ، هذا الشيء ينطبق على بعض الأفكار والمعتقدات والروايات ، مثل هذه الأفكار والروايات تجد لها سوقاً رائجة عند مجتمع الفقراء والمحرومين ، ومن الطبيعي جداً فأن مجتمع الفقراء والمحرومين هم بؤرة التخلف والجهل وبؤرة الأمراض والجريمة ، فهو مجتمع يتقبل الكذب بسهولة لأنه مجتمع لا يمتلك المعرفة أي لا يمتلك الحصانة ضد الكذب . فالحقيقة المؤلمة إنه عندما يتقبل المحرومين الروايات والأفكار الكاذبة يصبحون فيما بعد ضحية لكل كذبة صدقوها ، فلكل شيء ثمنه وثمن الكذب توالي المصائب والنكبات تباعاً ، فعندما يصدقون بأن العقائد الأخرى على سبيل المثال تكن العداء لعقيدتهم ورموز عقيدتهم ، يأتي اليوم الذي يستقوي به عودهم ، فأن أول شيء يفعلوه هو الإنتقام من الأبرياء أصحاب العقائد الأخرى ، وهنا يكونوا قد خلقوا لأنفسهم العداوة والبغضاء من غير سبب ، وسيدفعون ثمن تورطهم بقتل الأبرياء عاجلاً أم آجلاً ، لأن هذه هي سنة الحياة ( يوم لك ويوم عليك ) فعندما يعتقدون بأفكار فيها نفس عدائي ويعتقدونها ويحبونها ويدافعون عنها دون أن تكون لهم القدرة على مراجعتها وتحليلها والسبب في ذلك لأن قائلها بالنسبة لهم مقدس لا يخطأ ، فهم لا ينظرون للكلام بل ينظرون لقائلها ، وبما إن قائلها خط أحمر فتصبح الرواية أو الفكرة المطروحة خط أحمر . علينا دراسة وتحليل هذه الحالة بشكل منطقي وعلمي . فهناك أهداف كبيرة لصناع الروايات والأفكار الكاذبة ، وأكيد هناك عقد تأريخية تقف خلفها ، نعم إنهم مرضى ويريدون نقل الأمراض للناس وخير وسط لنقل هذه الأمراض العقائدية الفكرية هم طبقة المحرومين والفقراء وكذلك المظلومين ، فلا يظن الظالم حين يظلم الناس بأن المظلوم والمحروم سيترك سدى ، فهناك ايادي لعينة تتلقاهم وتحتضنهم وتزيدهم حقداً وتملأ قلوبهم غيضاً حتى يأتي اليوم الذي تتفجر فيه طاقاتهم ضد الظالم اولاً ومن ثم ضد أنفسهم مضرة ومن بعد ضد اجيالهم الذين سيولدون معاقين عقلياً ونفسياً .
كتبنا التأريخية مليئة بالكذب ، تراثنا الاجتماعي مليئ بالكذب أفكارنا وعاداتنا مليئة بالكذب ، ديننا مليء بالكذب ، فنحن نعيش على بحر من الكذب ، والكذب كما نعلم جميعاً لا يمكن أن يقدم لنا شيء ، ولكن بالنسبة للأشرار يقدم لهم امتيازات كبيرة تجعلهم على طول الخط سادة على المجتمع ، وهذا يدل على أن الكذب مصدره واحد ، نعم واحد ، هؤلاء الذين جعلوا السيادة حق شرعي لهم في المجتمع هم مصدر الكذب هم صناع الكذب ، فالكذب بالنسبة لهم هي حرفتهم الوحيدة التي يجيدونها ويتوارثونها من جيل إلى جيل . بعض المجتمعات أدركت بأن بؤرة الجهل والتخلف هي تجمعات الفقراء والمحرومين وهذه التجمعات هي أساس اللعنات والموبقات ، فعملت جهد طاقتها للقضاء على الجهل والفقر ووضعت برامج طويلة الأمد لإستئصالها ، فنجحت ولمست الفارق الكبير ، وكأنها ردمت سوق تداول الكذب ، ولم يعد للدجال والكاذب مكانة داخل المجتمع وبالفعل تم تجفيف مصدر التخلف . هكذا تنقذ الدول مجتمعاتها من الضياع !. فهل نتعلم من التجارب المريرة أم نبقى ندور في نفس الدائرة المغلقة ؟