هل نمتلك مفهوماً صحيحاً حول المجتمع المدني- د.جوتيار تمر / كوردستان

 

7-6-2024

تتداول في وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وفي المنتديات وبعض المؤتمرات والندوات على مستويات مختلفة اكاديمية وثقافية واجتماعية وهيئات ومنظمات مصطلح المجتمع المدني، حتى ” أصبح مفهوم المجتمع المدني من أهم مفردات الديمقراطية والإصلاح التي تتداولها الكتابات والندوات والملتقيات الفكرية منذ تسعينات القرن العشرين. وجاء مفهوم المجتمع المدني مرتبطا بمفاهيم أخرى كالحرية والمشاركة السياسية وثقافة حقوق الإنسان ودولة المؤسسات والقانون” ، كما يصف معهد البحرين للتنمية السياسية ذلك، وعلى الرغم من تأخر مجتمعاتنا بتداول مفهوم المجتمع المدني كقول وليس فعل، إذ اكتشف على الاغلب مع ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي – العشرين – ليرتقي تدريجياً ليصبح مكوناً ايديولوجياً وحركياً رئيسياً في رؤى القوى الليبرالية واليسارية وتيارات الاسلام السياسي، تزامناً مع الاخفاقات في انجاز اهداف  اهداف التنمية المستدامة وعدم الخضوع للاجندات الخارجية فضلاً عن الاخفاق الواضح في صياغة عقد اجتماعي توافقي يضمن للمواطن حقوقه وحرياته ويشركه في ادارة الشأن العام،( بتصرف عن: عمر حمزاوي، في شرح أهمية المجتمع المدني في بلادنا).

ثمة اجتهادات متنوعة لتعريف المجتمع المدني، لكن جميعها كما يقول : حسام شحادة في كتابه (المجتمع المدني، منشورات بيت المواطن(دمشق:2025)، ص14)،  تميز المجتمع عن الدولة، وتشير الى منظومة الأطر الاجتماعية الطوعية التي تتوسط بين الدولة من ناحية والمكونات الاساسية للمجتمع من الناحية الاخرى( الأفراد، الاسرة، الشركات)، لذا نجد بأن هناك من يُعرف المجتمع المدني على أنه” مجموعة التنظيمات الحرة التي تملأ المجال العام بين الاسرة والدولة، اي بين مؤسسات القرابة ومؤسسات الدولة التي لامجال للاختيار في عضويتها، وهذه التنظيمات التطوعية الحرة تنشأ لتحقيق مصالح افرادها أو لتقديم خدمات للمواطنين أو لممارسة أنشطة انسانية متنوعة، وتلزم وجودها ونشاطها بقيم ومعايير الاحتلام والتراضي والتسامح والادارة السليمة للتنوع والاختلاف ( وائل السواح،الديمقراطية، سلسلة” التربية المدنية”، منشورات بين المواطن(دمشق:2014)، ص14)، في حين يُعرف  معهد البحرين المجتمع المدني: على أنه مجموعة التنظيمات والمؤسسات التي تنشأ بمبادرات أهلية ، من خلال العمل التطوعي ، والتي لها طابعها الاجتماعي .

هذه المنظمات تعمل في مجالات ثقافية و اجتماعية واقتصادية وحقوقية متنوعة وهي في عملها هذا تحظى باستقلال نسبي عن المؤسسات الرسمية إلا أن هذا الاستقلال لا يمنع التنسيق والتكامل مع تلك المؤسسات و ذلك من خلال علاقات التعاون والانسجام فيما بينها، و يظهر العمل التطوعي الذي يميز تلك المنظمات طبيعتها والهدف من أدائها الوظيفي، والذي لا يكون في كل الأحوال الحصول على الربح، و إنما يكون الهدف منه التعبير عن مصالح الأعضاء والغايات والمثل التي ينشدونها، والتي قد تكون على سبيل المثال، نقابية أو مهنية كالاتحادات المهنية والعمالية، وثقافية وفكرية كإتحادات الأدباء والمفكرين والجمعيات الثقافية ، أو حقوقية ودفاعية لجماعات وفئات معينة في المجتمع كالجمعيات المعنية بشئون المرأة والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان.في حين الواقع الملموس الذي نعيشه في مجتمعاتنا يشير الى أن تأسيس المجتمع المدني قد اعطى للعلاقات طابع،اجتماعي فأصبحت تعاقدية كالجمعيات،النقابات و الأحزاب، وذلك ما يمكن ان نسميه بالحركيات الاجتماعية، والتي من شأنها تعزيز شبكة النسيج الاجتماعي، والتي لامناص من مقارنتها بالنظم التي تنتهجها مجتمعاتنا ضمن الأطر السياسية، والتي هي منوطة بالدرجة الاساس للسلطوية المتحكمة بكل اواصر الحياة، وفق ما يمكن ان نصفه بالمجتمع الأبوي المتجذر في غالبية المجتمعات الشرقية(حول ذلك ينظر: هشام شرابي، النظام الأبوي و اشكالية تخلف المجتمع الأبوي ، ص 20)، وذلك على الرغم من محاولتها الخروج من عباءة الدين إلا أنها لاتخرج منه إلا للدخول فيه من باب آخر، فضلاً عن سوء توظيف المفاهيم السلطوية كالديمقراطية والحريات، بحيث نجد تحكماً اقرب بالدكتاتورية في فرض النظام ليس مؤسساتياً فحسب، انما اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً ايضاً، فضلاً عن سوء استخدام التكنولوجيا بكل مفاصلها، ناهيك عن انعدام الوعي وغياب المسؤولية، والتغافل عن المؤشرات الدالة على الوطنية الاستقلالية، كل تلك الامور تعد طفيليات العقل الشرقي بالاخص الشرق اوسطي، لذا تخوض مجتمعاتنا حرباً ذاتية دون وجود هدف محدد، لأن اسباب الحرب نفسها هي نتاج عقلياتها، ونتاج طبيعي لوعيها السالب (ينظر: جوتيار تمر، الوعي السالب للبناء في كوردستان، الحوار المتمدن، 2013)، كل ذلك ساهم ويساهم حالياً في اعاقة تجذر المفاهيم سواء الحداثية او ما بعد الحداثية وحتى المفاهيم المتعلقة بالتجدد والتطور والنظام العالمي الجديد وغيرها من المفاهيم التراكمية التي توالت على المجتمعات، كبنيةشاملة وسياق متكامل ووعي ناضج للتحديث والمساهمة في عملية التحول على جميع الاصعدة، لاسيما المجال المدني الذي بات اشبه بشعارات تتخذها الجهات السلطوية من جهة، واحزاب المعارضة من جهة اخرى كمسارات استغفالية إن صح التعبير ليس بعقول العامة فقط، إنما بعقول الفئات النخبوية والثقافية والسياسية ايضاً، فالمجتمع المدني في مجتمعاتنا ليس إلا وجه آخر من أوجه السلطة والتي تم تعريفها في معجم جميل صليبا بأنها ” القدرة و القوة على الشيء، و السلطان الذي يكون للانسان على غيره و يطلق مفهوم السلطة النفسية على الشخص الذي يستطيع فرض إرادته على الآخرين لقوة شخصيته، و ثبات جنانه و حسن اشارته و سحر بيانه، أما السلطة الشرعية فهو مفهوم يطلق على السلطة المعترف بها في القانون كسلطة الحاكم و الوالي و الوالد و القائد “(المعجم الفلسفي، الشركة العالمية للكتاب(بيروت:1994)، ص670)،  وهنا نحن أمام الهيمنة، والتبعية، والولاء، و الأسبقية بين الناس جميعاً، والتي تتبلور من خلال مؤسسات اجتماعية،” أن السلطة في العلوم الاجتماعية تعني قدرة أشخاص أو مجموعات على فرض إرادتهم على الآخرين، إذ يستطيع الأشخاص ذو النفاذ، إنزال عقوبات أو التهديد بها، على أولئك الذين يطيعون أوامرهم أو طلباتهم و تكاد السلطة تكون موجودة في كل العلاقات الانسانية، كما إن أطر هذه السلطة، الأسرة، المدرسة، القبيلة، الحي، الجماعة الدينية، الجماعة الوطنية ، ففي كل هذه المؤسسات تتبلور سلطات أو نوع من السلطات التي تشكل معايير تنظيم الحياة الاجتماعية و مؤشرات لتوجيه سلوك الفرد و ادماجه في بيئته و محيطه، و كل مؤسسة تقوم على سلطة وولاية لابد منها سواءا ً كانت هذه السلطة في المدرسة أو المؤسسة الدينية أو السياسية ( شرقي ميمونة، النقد الحضاري للمجتمع العربي،ص145)،  ووفق تلك المفاهيم حول السلطة والقوة والهيمنة وفرض الرأي يمكن الوقوف على المسارات التي تتخذها الجهات المعنية بالمجتمع المدني أو تلك المنظمات التي تتخذ من اسمها كمدخل تشريعي للولوج بين الفئات والشرائح المختلفة داخل المجتمعات، وهي في الحقيقة ليست إلا وجه سلطوي آخر تحقق مآربها وتفرض ايديولوجيتها المنمقة لكسب ود المجتمع، دون أن تقدم في مجمل افعالها ما يمكن أن نحسبه خدمة للمجتمع، أو تغييراً في الانماط السلوكية بين الافراد والاسر ، فضلاً عن كونها تحولت في مجتمعاتنا الى مصادر كسب لبعض الافراد المقربين من الجهات السلطوية على الاغلب ولكن برداء استقلالي مُسير، وليس مُخير، وفي الاجمال فان المجتمع المدني المنشود ضمن دوائر الايديولوجيات المتوفرة لم تستطع أن تحول اقوالها الى افعال يمكن الاتكال عليها لإحداث تغييرات مرجوة على البنى الاساسية في المجتمعات الشرقية سواء السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو حتى الثقافية( حول وظائف المجتمع المدني، ينظر: حسام شحادة، المجتمع المدني، ص ص 16-19).